الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مصر وخطيئة “الإخوان”
مصر وخطيئة “الإخوان”

( الإخوان المسلمون يناورون سياسياً، فهم يعرضون الحوار على المعارضة ويريدون حواراً شكلياً معها، لأنهم على الأرض يفرضون حقائقهم من دون استشارة أحد من القوى الوطنية والقوى الديمقراطية القومية . من يريد الحوار لا يقوم بتطبيق قرارات حزبه ومرشده العام وتنفيذها حرفياً، بل يقوم بالحوار مع القوى الأخرى أولاً ثم يقوم بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه، وهذا لم يحدث في العهد الإخواني لأنهم يقومون بتنفيذ الشعار الإخواني “مغالبة لا مشاركة” .


رام الله - الوسط اليوم:

 

ما يحدث في مصر من اضطرابات وفوضى وحمامات دم في أكثر من مدينة، هو النتيجة الطبيعية لسياسات الإخوان المسلمين وممثلهم في قصر الاتحادية، طوال ستة شهور أثبتوا خلالها فرديتهم المطلقة واستحواذهم على السلطة وعشقهم ل”أخونة” مصر، بمعزل عما يتواجد فيها من قوى وطنية وقومية ديمقراطية معارضة لأهدافهم التي أصبحت واضحة وضوح الشمس . قوى المعارضة هي التي فجّرت ثورة 25 يناير ،2011 وجاء الإخوان ليركبوا موجة المد الجماهيري مع أنهم شاركوا فيها متأخرين مثل كل انتهازي، بعدما تبين لهم أبعادها وأهدافها . هم لم يراهنوا على إمكانية التغيير، ولذلك رضخوا للحوارات التي طلبها النظام من خلال نائب الرئيس عمر سليمان، وشاركوا في الحوار معه منفردين .

 

لم يصل الإخوان المسلمون إلى السلطة بقواهم الذاتية أو بجماهيرهم، وإنما بتحالفهم مع المؤسسة العسكرية بما مثله الطرفان من التقاء في المصالح واتفاق تم برعاية أجنبية، بهدف الحفاظ على مؤسسات النظام السابق مع تغيير طفيف في شكله . لذا كان من الطبيعي أن يتم (سلق) دستور يستطيع من خلاله الإخوان فرض سيطرتهم عليمصر بعد أن قام ممثلهم في الرئاسة بإصدار قرارات سميت ب”إعلان دستوري” بهدف تحصين قراراته من أي اعتراض عليها حتى ولو من خلال المؤسسة القضائية صاحبة التراث العتيد والتجربة الغنية والتاريخ الناصع من عصر مينا إلى عهد عبد الناصر .حتى الرئيسين السادات ومبارك لم يجرؤوا على المس بالسلطة القضائية وللمرة الأولى في تاريخ مصر وفي عهد الإخوان تعلن السلطة القضائية المصرية إضراباً عن العمل .

 

لكل هذا، جاء الرئيس مرسي برجل كان وزيراً للري في آخر وزارة في حقبة مبارك ليكون رئيساً للوزراء في عهد الإخوان، هو هشام قنديل . لذا من الطبيعي أيضاً أن تشهد سياسات مصر في عهد الإخوان استمراريةً مع تلك التي سادت في عهد مبارك إن على المستويين الداخلي والخارجي أو على الصعد السياسية والاقتصادية وبالتالي لم نشهد تغييراً مفصلياً في سياسات مصر بالنسبة لكافة القضايا وعلى الأخص في ما يتعلق بالصراع العربي- الصهيوني . أما في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي فنتيجة “بركة” الإخوان فإن مصر على شفا انهيار اقتصادي، فالفقراء يتزايدون فقراً وأغنياء الإخوان يزدادون غنىً وسلطةً وتهميشاً للفقراء المصريين .

 

مرسي وفي بيان أصدره تفوح منه رائحة الدكتاتورية، وينضح بالاستعلائية والغضب والعنجهية أعلن حالة الطوارئ في بورسعيد والسويس والإسماعيلية، مؤكداً بذلك أن عهد الإخوان في مصر هو استمرار لعهد السادات، لذا من الطبيعي أن يقوم مرسي بتقليده الأوسمة والنياشين وأن يزور ضريحه .كما أن عهد الإخوان هو استمرار لزمن مبارك وطوارئه المعهودة .

 

أما في ما يتعلق بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر فقد اتهمه الإخوان “بتهجير يهود مصر” .

 

وإمعاناً في الحقد على الزعيم التاريخي لمصر والأمة العربية، أصدر مرسي قراراً بإنهاء تبعية ضريح عبد الناصر إلى مؤسسة الرئاسة، وتكليف القوات المسلحة بالمسؤولية عنه .وسط الأزمة والصراع في مصر لم تجد مؤسسة الرئاسة من وظيفة لها سوى إصدار هذا القرار الظالم والحاقد، إضافة إلى سحب مقتنيات عبد الناصر من الضريح وسحب عامل النظافة المكلف بالسهر عليه . إن هذه الخطوة تبدو كأنها انتقام من شخص عبد الناصر ومن تراثه وتاريخه الذي لن تغطيه مؤامرة الإخوان، فما تركه الزعيم الخالد واضح وضوح الشمس، ولن يغطيه غربال الإخوان . لقد أثار توقيت إصدار هذا القرار تساؤلات كثيرة: بعض المعلقين رأوا فيه “انتقاماً حتى من الضريح، فهم لم يطيقوا ساكنه حياً ولا يحتملونه ميتاً، أزعجتهم وتزعجهم صوره حتى في التظاهرات” .

 

الإخوان المسلمون يناورون سياسياً، فهم يعرضون الحوار على المعارضة ويريدون حواراً شكلياً معها، لأنهم على الأرض يفرضون حقائقهم من دون استشارة أحد من القوى الوطنية والقوى الديمقراطية القومية . من يريد الحوار لا يقوم بتطبيق قرارات حزبه ومرشده العام وتنفيذها حرفياً، بل يقوم بالحوار مع القوى الأخرى أولاً ثم يقوم بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه، وهذا لم يحدث في العهد الإخواني لأنهم يقومون بتنفيذ الشعار الإخواني “مغالبة لا مشاركة” .

 

ما تطرحه المعارضة ليس تعجيزياً فلها مطالب هي عبارة عن ضمانات لما اسمته “التوجه الجدي للحوار” من أبرزها، تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعديل الدستور من خلال لجنة يتم الاتفاق عليها، إقالة النائب العام وتعيين آخر جديد، وحياد واستقلالية مؤسسات الدولة، وتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة تقوم بالتحقيق في الأحداث الأخيرة . إنها مطالب موضوعية تحقن دماء المصريين وتعيد الأجواء في مصر إلى طبيعتها، وهي ضمانة للمستقبل، وحماية لمصر من انهيار اقتصادي وشيك . هذه المطالب تشكل رداً على كل دعايات الإخوان التي تتهم المعارضة ب”التعامل مع القوى الأجنبية لخلع الرئيس محمد مرسي ونظامه الإخواني” .

 

المعارضة ضحية سياسات الإخوان، وليست طرفاً تآمرياً على بلدها .إنها باختصار تدعو إلى “الشراكة في الحكم” .

 

لقد مر ما يزيد على الستة شهور على حكم الإخوان لمصر، أثبتوا فيها طريقتهم الاستئثارية والدكتاتورية الحزبية في الحكم وتسللهم إلى كل المواقع الوظيفية في الدولة بهدف “أخونتها” من دون الالتفات حتى إلى كفاءات الموظفين لشغل المناصب، فيكفي أنهم من الإخوان .


الخليج-فايز ارشيد