السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عساف : ماعاد يهم اللقب .../ لنا شاهين
 عساف : ماعاد يهم اللقب .../ لنا شاهين

عساف :  ماعاد يهم اللقب  "كنا سوا قلبين الحب جمع شملنا" .. الله الله يا عُبَد .. لكنه ليس عبد الحليم حافظ ، هذا شاب اسمر نحيل تستوطن ملامح غزة كل خلية من خلايا وجهه .. يا الهي ، انه يشبه عبد الحليم في اطلالته والكاريزما المميزة له ، وحتى صوته كأنه صوت العندليب الاسمر بعذوبته وتغلغله في تلافيف الاحساس ومراكز صنع حالة الاستمتاع بالصوت الجميل والطرب الاصيل ، لكنه ليس عبد الحليم ، وايضا هو لايقلد عبد الحليم بل هذا صوته هو يحمل خاتمه وبصمته ، محمد عساف الشاب ذو الاثنين وعشرين عاما القادم من مخيم للاجئين في خان يونس ..

انا قد سمعت هذا المقطع من اغنية عبد الحليم صافيني مرة عشرات ان لم يكن مئات المرات وطربت واستمتعت وغنيتها واياه من فرط التفاعل معها ، لكنني هذه المرة سمعتها من محمد عساف فاسرتني واستحوذت على اعمق اعماق احساسي ، ولا اجرؤ او لا احب ولا اظنني ساكون صادقة مع نفسي لو قلت ان عساف قد فاق عبد الحليم روعة في ادائها فمقام عُبَد محفوظ في القلوب ،  لكني لا استطيع الا ان اتساءل واحاول ان اصل الى مكنون سر هذا الشدو الساحر وجوهر جاذبيته .. عقلي راح يدور ويدور في كل اتجاه وبسرعة فائقة كرادار قاعدة عسكرية تعرضت لغارة جوية لم تكن في الحسبان ، الفتى النحيل الوسيم وسامة غزي يزهو بشبابه ويقبل على الدنيا ضاحكا مستبشرا رغم كل الاحباطات والمعيقات يغني فيطرب ويأسر القلوب ، ابن غزة ينساب صوته القادم من خلف غيمة بيضاء تداعب موج البحر في ايلول فتلونه بالفضة تارة وبالذهب اخرى و الالماس في أغلب المرات و هي تخفي شعاع الشمس وتعود تبينه ، فيسري في الروح كتراتيل جوقة ملائكة في عرس نجمة باعلى سماء ، وفي رقة عصفور وشغبه واصرار كنار على مواصلة شدوه يتحول نغم محمد عساف من رذاذ مطر خريفي يتهادى فرحا بلقاء ياسمينة طال انتظارها نزوله ، الى تسونامي فرح ونشوة واستبشار تجتاح كل من يستمع اليه من قمة رأسه وحتى اخمص قدمه .. ويسألني ابني الصغير ، لماذا كل هذا الحب والتشجيع والاعجاب غير المسبوق بمحمد عساف ، الانه فلسطيني ، فاتذكر ان العادة جرت في بعض المحافل ومنها الفنية ان يحظى المتسابق الفلسطيني بجرعة اضافية من التشجيع كونه ابن القضية التي يفترض انها قضية كل العرب والمسلمين ايضا ، لكنني انظر في عيني ولدي الذي يعشق عساف واسرح بعيدا مع ظاهرة عساف وصوته الاسطوري ، لا ياولدي انه ينتزع الاعجاب والتقدير والتشجيع انتزاعا ولكنه يزرع في مكانه عشقا لصوته كامل الاوصاف  ، عساف قد اتحد على عشق صوته المنقسمون في فلسطين ارضه وموطنه ، واجمع العرب على تمييزه الفائق للعادة ليس لانه فلسطيني ولكن لتلك الموهبة التي لا تتكرر كثيرا كهبة من عند الله ..

واعود فاتذكر موجة الفرح التي تغمرني كلما رأيت اطلالته وسمعته يغني ، ونهر النشوة الذي يتدفق في قنوات احساسي وبين ضفاف شعوري كلما دغدغ صوته عواطفي  ، فافخر بانني اقاسمه فلسطينيته وازداد اصرارا على دعمه وتاكيد استحقاقه الفوز بلقب محبوب العرب ، فهو بكل المقاييس اهل له ، وهو بكل معنى الكلمة مطرب موهوب يمتلك كل مقومات اسر قلوب الملايين  في كل مكان ، وينطلق الى النجومية كصاروخ هدفه نثر الفرح وغرس الحب والاستمتاع بالطرب الاصيل ..  محمد عساف الذي تفتح له الابواب على مصاريعها ليصبح نجما عربيا ساطعا ، يبقى الفلسطيني ابن غزة ، ويبقى دعمه والاصطفاف خلف موهبته عملا وطنيا بكل المقاييس ، ولا احد ينكر على اهل غزة ما استبد بهم من فرح وزهو وفخار لما حققه ابنهم من نجومية وما استأثر به من عشق الجماهير العربية لصوته الذي لا يعرف كنهه الا خالقه ، ولا احد يستطيع ان يتجاهل كون عساف قد اصبح جزءا لا يتجزأ من القضية الفلسطينية ورافعة من رافعات تثبيت صورة حقيقية بديعة للفلسطيني الحضاري المعتنق للفن والغناء ، كما لا يستطيع احد ان يتعامى عن مغزى ما اثاره هذا الانتشار السريع لمحمد عساف بموهبته الاسطورية من قلق لدى العدو الاسرائيلي الى حد استنفاره لالة دعايته وتكليف شاليط بان يجوب العالم ليقول لا يغرنكم صوت محمد عساف ولاتصدقوا ان الفلسطينيين قوم حب وفن وغناء وسلام ، وتذكروا قصتي معهم ، ولكن شتان بين من يبعث الفرح في قلوب الناس ويزرع البهجة في عيونهم ويملأ نفوسهم بمتعة الطرب ، وبين من يذكر الناس بويلات الحرب ، ولتخش اسرائيل من اشعل فتيل مقاومة احتلالها وفضح عدوانها بالصوت العذب والغناء الذي يسحر الالباب ، وليتحول قلقها الى خوف له ما يبرره ، فمحمد عساف القادم من جوف مخيم للاجئين في غزة يستعد لأن يطوف الدنيا بجواز سفر ألماسي ، يغني ويطرب ويرسم صورة حقيقية طالما شوهتها اسرائيل بدعايتها المقيتة ، لفلسطيني يغني من فوهة بندقية ويقاوم باغنية فرح ونشوة حب  وصوت اسطوري لا زال ينتظر من يفك رموزه    كنا سوا قلبين ..

واصبحنا ملايين القلوب المعجبة المشدوهة بمعجزة صوت محمد عساف .. حزن غزة يتبدد حين ترى اشراقة فتاها الاسمر بقده الممشوق وكاريزما قمم الفن والطرب تحمله بعيدا الى مواطن النجوم .. وتبات غزة تحلم بعودة ابنها منتصرا يزهو بلقبه ، محبوب العرب .. ويغني لها فترقص له .. حلما لا ارى تجسيده على ارض الواقع الا قد اقترب ، وحتى لو لعبت السياسة لعبتها وقالت المصالح كلمتها وجرى تحويل اللقب الى متسابق اخر لا يضير شركة بيبسي الراعية الرسمية للمسابقة ان يكون موديل اعلانها ، وحتى لو صدقت نظرية المؤامرة وصح كل ما قيل عن صراعات ومنافسات رجال اعمال قاد الى التلاعب في التصويت لمحمد عساف وتحويل اصواته الى متسابق اخر ، وباختصار ، حتى وان لم يفز محمد عساف باللقب رسميا ، فسيعود الى فلسطين وهو بكل المقاييس محبوب العرب ، فحب الملايين له قد ترسخ في القلوب وانتهى الامر ، والحب لا يحتاج شهادات رسمية والقاب ،  وسحر صوته الذي لا اجد وصفا يحيط به قد تغلغل في الارواح ، واصاب الصاروخ الفلسطيني هدفه بدقة واحكام ، وما عاد يهم اللقب .