الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الانتخابات المصرية/ حماده فراعنه
الانتخابات المصرية/ حماده فراعنه

لم يكن أحمد شفيق ممثلاً للفلول، وإلاّ لما نافس مرشح الإخوان المسلمين في جولة المنافسة الأخيرة على منصب رئاسة الجمهورية وحصل على اثني عشر مليوناً من أصوات المصريين، مقابل ثلاثة عشر مليوناً لمنافسه الفائز محمد مرسي، ولم يكن أحمد شفيق مرشحاً لممثلي الثورة المضادة، وإلاّ لما حصل على الموقع الثاني في جولة الانتخابات الأولى بعد مرشح الإخوان المسلمين، وقبل مرشح القوى القومية والتقدمية حمدين صباحي الذي حصل على الموقع الثالث بأكثر من أربعة ملايين صوت.

لقد انقسم المصريون في أول انتخابات ديمقراطية تعددية، فالتيارات القومية واليسارية والليبرالية والمستقلون، لم يكونوا موحدين في قرارات تصويتهم لصالح مرشح يمثلهم، باستثناء حركة الإخوان المسلمين والسلفيين، الذين توحد كل طرف منهما حول مرشحه، ولكن القوى الأخرى في تصويتها النهائي على منصب رئاسة الجمهورية انقسمت بين محمد مرسي، والذي لم يكن مرشحاً عن الملائكة وبين أحمد شفيق الذي لم يكن مرشحاً عن الشياطين، فكلاهما حظي باحترام وتقدير واسع من الشعب المصري الذي انقسم بين المرشحين مرسي وشفيق مرغماً، ولذلك يمكن القول حتماً إن مرشح الإخوان المسلمين لم يحظ بالفوز والموقع برئاسة الجمهورية المصرية لولا انحياز قطاعات واسعة من القوى القومية واليسارية والليبرالية والمستقلين لصالحه، في مواجهة أحمد شفيق نظراً لخلفيته العسكرية، ووظائفه السابقة في النظام السابق.

القوات المسلحة المصرية، عبر مجلسها الأعلى لعبت دوراً شريكاً للشعب المصري، في انحياز التحول من نظام اللون الواحد والحزب الواحد والقائد الملهم، ونظام العائلة إلى النظام التعددي الديمقراطي الذي يحتكم لنتائج صناديق الاقتراع، وكانت خطوات المجلس العسكري الأعلى وسلوكه الوطني المسؤول هو الذي أدى إلى تحقيق ما تم تحقيقه:

أولاً ـ لعب دوراً محايداً في الصراع بين رأس النظام وبين الحركات الشعبية، وقد كان لدوره المزدوج في حماية المتظاهرين من القمع وفي حماية مؤسسات الدولة من الانهيار كي لا تتكرر تجربتا العراق وليبيا، العامل الأساسي في الحفاظ على مواصلة الحراك والاحتجاجات، والحفاظ على طابعها السلمي والمدني.

ثانياً ـ لولا الموقف الحازم من قبل القوات المسلحة، لما أُجبر الرئيس مبارك على الرحيل استجابة لصوت المتظاهرين والمحتجين ومطالبتهم "اِرحل"، ولنا أن نقارن بين التجربة المصرية وما جرى ويجري في البلدان العربية التي اجتاحها الربيع العربي، لندرك عبر حجم الضحايا، أهمية دور القوات المسلحة في منع نزيف الدم المصري.

كما أن محطات الانتخابات الثلاث التي جرت في عهد المجلس العسكري الأعلى، جرت بشفافية ودون تدخل وتزوير، ففي المحطة الأولى التي جرت فيها الانتخابات النيابية لمجلس الشعب، حقق الإخوان المسلمون والسلفيون الأغلبية البرلمانية، وقبلت القوات المسلحة النتائج وأقرت بها، وفي المحطة الثانية تمت انتخابات رئاسة الجمهورية، ففاز بالموقع الأول مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي وينافسه في الموقع الثاني أحمد شفيق، وفي المحطة الثالثة جرت الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة بين المتنافسين مرسي وشفيق وفاز مرشح الإخوان المسلمين، وهذا يدلل على أن المحطات الانتخابية الثلاث، جرت في عهد القوات المسلحة عاكسة رغبتها وقرارها، بإجراء الانتخابات أولاً واحترام نتائجها ثانياً وعدم تدخلها النسبي ثالثاً على قاعدة النظام التعددي الديمقراطي المأمول، حيث ستبقى القوات المسلحة، اعتماداً على ما تقدم أنها راعيته وحامية له.

ثالثاً ـ كان للتفاهم الأميركي مع حركة الإخوان المسلمين دور أساسي، في قبول خطوات الحل وإجراء الانتخابات وقبول نتائجها والترحيب بها.

التفاهم الأميركي مع الإخوان المسلمين لم يكن صدفة ولم يكن مقطوعاً عن تاريخ التحالف المشترك بينهما طوال مرحلة الحرب الباردة في مواجهة العدو المشترك الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي، وفي مواجهة القوى الوطنية والقومية واليسارية العربية المعادية للأميركيين وسياساتهم وتحالفاتهم، وقد أثمر هذا التحالف عبر توظيف الإسلام والجهاد في معركة أفغانستان، وفي الحرب الكونية العقائدية والسياسية والفكرية طوال الحرب الباردة لمناهضة اليسار وفكره وتوجيهاته وأدى إلى انتصار المعسكر الأميركي وتحالفاته وامتداداته وإلى هزيمة المعسكر السوفيتي وحلفائه.

الرئيس المصري المنتخب، أعلن أنه سيحترم الاتفاقات الدولية وسيلتزم بالتعهدات الدولية، وهي لغة دبلوماسية، ولكنها تعكس التفاهم المعلن وغير المعلن لحركة الإخوان المسلمين ومرشدها العام مع الولايات المتحدة الأميركية ومع المجتمع الدولي سواء عبر احترام التعددية وصناديق الاقتراع محلياً، أو عبر الالتزام بكامب ديفيد مع العدو الإسرائيلي إقليمياً، أو عبر الالتزامات الدولية، كي تبقى المساعدات المالية الأميركية متواصلة ومتدفقة للخزينة المصرية.

[email protected]
1/7/2012- الايام