الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المتكلّمُ الدّالُّ في (آتٍ على ناصيةِ هوًى)- للشاعرة آمال عوّاد رضوان /بقلم: علوان السلمان
 المتكلّمُ الدّالُّ في (آتٍ على ناصيةِ هوًى)- للشاعرة آمال عوّاد رضوان /بقلم: علوان السلمان

العمليّةُ الشعريّةُ انفعالٌ مُغامِرٌ، لخلقِ نصٍّ يَسعى إلى الفهمِ والتكوينِ النفسيّ، مِن خلالِ القدرةِ على التعبيرِ، لخلقِ أنساقٍ مِنَ الانفعالِ، كامنةً في ذاتِ المُنتجِ المُبدع..

شعريّةُ النصّ وفضاءاتُهُ التخييليّةُ تقومُ على أساسٍ جَماليٍّ، قوامُهُ اللمحةُ الفكريّةُ التأمّليّةُ، التي تُشغلُ سطورَها صورٌ شعريّةٌ، تتّخذُ مِنَ المُتضادّاتِ وتشكيللاتِها عوالمَ في بنائِها الشعريّ، مِن أجلِ بناءٍ جَماليٍّ يتّكئُ على مَرجعيّاتٍ، تتمثّلُ في المعارفِ الفكريّةِ والتاريخيّةِ والأسطوريّة..
فضلًا عن الفنونِ الحِسّيّةِ والبَصريّةِ، والّتي تتّخذُ منها مخيّلةُ الشاعر مَنهَلًا، لخلقِ عوالِمِهِ الشّعريّة..
في نصِّ الشاعرة آمال عوّاد رضوان (آتٍ على ناصيةِ هوًى)، التعبيرُ الشعريُّ فيهِ يَبدأ بصيغةِ الضميرِ المُتكلّم، فضلًا عن استنادِهِ على مَرجعيّاتٍ تاريخيّةٍ وتأمّليّةٍ ورمزيّةٍ، باعتبارِها طاقةً تصويريّةً شعريّة، تُسهمُ في تشكيلِ الدلالةِ، وبناءِ المُتخيّلِ الشعريّ، ابتداءً مِنَ العنوان؛ النصّ المُوازي الّذي يُوحي بمخزونِ النصّ، ومِن الدلالةِ الشعريّةِ المُوجَزةِ المُكتنزة، والمَشحونةِ بالديناميّةِ الحركيّة، مِن خلالِ سيطرةِ الجُملةِ الفعليّةِ الممتدّةِ عبْرَ مَقاطع النصّ الشعريّةِ، والّتي تجمَعُها وحدةٌ موضوعيّة..

ما أَضْيقَ حُلمَكِ أُحادِيَّ الغَيْمةِ
يَضوعُ مُطفَأً..
في سَماواتِ فَرَحٍ مُؤَجَّلٍ!

ها قَد تفتّقْتِ نورًا..
ضَلَّ طريقَ خلاصِهِ

الشاعرةُ تُركّزُ في بُنيَتِها النصّيّةِ، على التفاعلِ بينَ النصّ الشعريِّ والرؤيةِ للوجود، عبْرَ مَقطعيّةٍ شعريّةٍ، تَنزعُ فيها الصياغاتُ، تبعًا للحالةِ النفسيّة، لخلْقِ قيمةٍ فنّيّةٍ، مِن خلالِ مُتوالياتٍ خطابيّةٍ، تُشكّلُ لازمَتُها نبرةَ التحوُّلِ والتجاوُز، إذ اشتملَ النصُّ بمَقاطعِهِ على الرؤيا، وعلى المزجِ في البناءِ الفِعليِّ للصورةِ، وعلى صياغةِ الجُملِ ودلالاتِها في مَبنى عضويٍّ، يَحتضنُ صيغةَ المعنى..   

أمِنْ كُوَّةِ تَحَدٍّ.. نُجومُ سَرابِكِ
تَ قَ ا فَ زَ تْ
لتأْفُلَني غَرقًا..
في بُحيْرةِ حَيْرَةٍ؟

الشاعرةُ تقومُ بتوظيفِ المَجازِ، في تشكيلِ بعضِ الصورِ الجزئيّة، والتي تلتحِمُ في وحدةٍ نصّيّةٍ قوامُها السرديّةُ الشعريّة، عبْرَ لغةٍ تَجمَعُ بينَ عوالمِ الواقع، والتخييل، والرؤيا والرؤية..
فضلًا، عن أنّها تمزجُ الذاتَ بالذاتِ الجَمْعِيّ، عبْرَ الضميرِ الّذي هو تكثيفٌ للفاعلِ المُتعدّد، الّذي يَعني تعدُّدَ صوَرِ الفِعل..
أمّا التقطيعُ الكلَميُّ فيَكشفُ عن الحالةِ النفسيّةِ المأزومةِ..
فضلًا، عن أنّهُ يُذكِّرُ بالحركةِ الأدبيّةِ الحِرفيّةِ- lettrisme- الّتي أسّسَها (إيزودور إبسو) بعدَ الحرب العالميّةِ الثانية، والّتي كانتْ تهدفُ إلى تعطيلِ الوظيفةِ التواصليّةِ للّغة..

يا طامَةَ مُروجِ قَلبي الأَخضرَ
ها "مَرْدوك"..
آتٍ على ناصيةِ هوًى..
لِيُطفِئَ عيْنيْكِ المُغمضتيْنِ!
 
آمال رضوان تستفزُّ الذاكرةَ، للبحثِ عن شيفراتِها المعرفيّةِ الّتي تستودعُها في نصِّها الشعريِّ، مِن خلالِ توظيفِها للرّمزِ بصُوَرِهِ المَجازيّةِ والإيحائيّة، لتعميقِ المَعنى الشعريّ، وخلْقِ مَصدرٍ إدهاشيٍّ وتأثيريّ.
فضلًا عن تجسيدِ جَماليّاتِ التشكيلِ الشعريّ، كوْن الرمزِ سمةً أسلوبيّةً، وعنصرًا مِن عناصرِ النصّ الجوهريّة، مِن أجل الارتقاءِ بشعريّتِهِ، وتعميقِ دلالاتِهِ، وشدّةِ تأثيرِهِ في مُتلقّيه..
لذا؛ كان الرمزُ فاعلًا في بناءِ النصّ تركيبيًّا وصُوريًّا وبنائيًّا..
آمال رضوان توظّفُ الرمزَ التاريخيَّ (مردوك)، الّذي هو (كبيرُ آلهةِ قدماء البابليّين وأهَمُّهم.. وقد سمّاهُ أصحابُ السيادةِ (المولى الأعظم)؛ موْلى السماءِ والأرض، وزعموا أنّ قوّتَهُ كانت تكمنُ في حكمتِهِ الّتي كانَ يَستخدمُها)، مِن أجل خلقِ صُورٍ دالّةٍ تُسهمُ في إغناءِ النصّ، وتعميقِهِ فِكريًّا وجَماليًّا، بأسلوبٍ حِواريٍّ مونولوجيٍّ عميقِ الدلالة..

في مَهبِّ بارقةِ صبابةٍ..
أَسرَجَ قناديلَ عماكِ
عاصفةً عمياءَ جائعةً.. لقّمَكِ
شَ قْ قَ لَدُنَكِ المَنفوخَ
عَجَنني بدَمِكِ.. بطَمْيِكِ..
فكانَ تكويني..
نواةَ حياةٍ.. أرْضًا وسماء!
وبقيتِ وحدكِ..
نقطةً في سِجِلِّ الغُرباءِ
تتكَحَّلين بلَهيبِ الفَقدِ المُرّ!

النصُّ يَنزعُ إلى التكثيفِ والاختزالِ عبرَ اللمحةِ الإشاريّة، بسرديّةٍ تُشكّلُ صوَرَهُ الفنيّة، وتُسهمُ في إيصالِ دلالتِهِ، وتوظيفِها شعريًّا..
آمال رضوان تُوظّفُ عوالمَ متباينةً في تشكيلِ مُتخيَلِها الشعريّ، الّذي يَنطلقُ مِنَ الواقعِ المُتّكئِ على الرمزِ والأسطورةِ، ببُعدٍ يُغلّفُ التوليفةَ النصّيّةَ، معَ انسيابِ وتصَنُّعِ انزياحاتِها عبْرَ التداعي، وتقَصّي الجزئيّات، وتنويعِ المَشاهد..
أمّا سيميائيّةُ تنقيطِ النصّ الصامتِ الّذي تتعطّلُ فيهِ دلالةُ القوْل، بعدَ أن أضفى بُعدًا تشكيليًّا، وفتحَ بابَ التأويل، يَجُرُّ المُستهلِكَ لفكِّ مَغاليقِهِ، كوْنُهُ يَعني بناءَ النصّ على الجدلِ بينَ الصوتِ والصمت، فيُحقّقُ (سمكًا للكتابةِ بينَ اللسانيّ والتشكيليّ)، على حدّ تعبيرِ (دوفران).
وبذا؛ قدّمَت الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان نصًّا شِعريًّا، واعيًا بالتزامِهِ قضايا الإنسانِ والغربةِ الذاتيّة، معَ انتماءٍ إلى الحدَثِ المأزومِ، والفارشِ لوَجْدِهِ على خياليّةٍ مُكتنزةٍ بالرمزِ والإشارةِ والإيماءِ والاستعارة، ومدى الدلالةِ وأصالةِ الفكرة..
فضلًا عن استنادِهِ إلى مَرجعيّاتٍ تاريخيّةٍ وفِكريّة، باعتبارِها طاقةً تصويريّةً شعريّة، تُسهمُ في تشكيلِ الدلالةِ، وبناءِ تخييلٍ شعريٍّ ممزوجٍ بالواقع..

آتٍ على ناصِيةِ هوًى
مال عواد رضوان

مَا أَرْحَبَ أَمَلي
في ضَبابٍ.. أَطْفَأتْ قناديلَهُ أَوْهامُكِ!
خَيالُكِ المُجَنَّحُ..
كَم غَافلَ زَماني بِمكرِهِ الشَّفيفِ
غلَّفني بِأَقاليمِ تيهِهِ الكَفيفِ
وَقَلَّمَ بِفَكَّيْ مِقراضِهِ.. آتيًا شاغِرًا منّي!

نَبْضُ دَهائِكِ.. لاكَهُ سِحْرُ فُجورِكِ
تَرَبّصَ بِخُطَى ريحي السَّافرَةِ..
يَجُزُّ ضَوْئي مِنْ أَعماقي!

لِمَ أَحْداقُ جنانِكِ الواهِيَةُ..
شَخُصَتْ بأَذيالِ مَطافٍ مُؤَلَّهٍ
وَفي مَرافِئِ نَميمَةٍ..
احْتَضَرَ ضَوْؤُكِ الكافِرُ بي!

"تَ يَا مَات"
أمِنْ كُوَّةِ تَحَدٍّ.. نُجومُ سَرابِكِ
تَ قَ ا فَ زَ تْ
لتأْفُلَني غَرقًا..
في بُحيْرةِ حَيْرَةٍ؟
آآآآآآهٍ ..
ما أَضْيقَ حُلمَكِ أُحادِيَّ الغَيْمةِ
يَضوعُ مُطفَأً..
في سَماواتِ فَرَحٍ مُؤَجَّلٍ!

ها قَد تفتّقْتِ نورًا..
ضَلَّ طريقَ خلاصِهِ
حينما دَغْدَغْتِ رَغوةَ غمامةٍ..
تلاشَتْ في السُّيولِ
وما أَجْداكِ تضميدُ انْكساراتِكِ المُتّكِئةِ على غيمةٍ
بل.. وَتسلّلْتِ..
تشُدُّكِ سُدودُ الطّوفانِ جِهةَ الغيمِ
طَمَسَتِ السُّيولُ السُّدودَ
وانْدَلَقْتِ وَهْمًا مُتعجرِفًا!

يا طامَةَ مُروجِ قَلبي الأَخضرَ
ها "مَرْدوك"..
آتٍ على ناصيةِ هوًى..
لِيُطفِئَ عيْنيْكِ المُغمضتيْنِ!

في مَهبِّ بارقةِ صبابةٍ..
أَسرَجَ قناديلَ عماكِ
عاصفةً عمياءَ جائعةً.. لقّمَكِ
شَ قْ قَ لَدُنَكِ المَنفوخَ
عَجَنني بدَمِكِ.. بطَمْيِكِ..
فكانَ تكويني..
نواةَ حياةٍ.. أرْضًا وسماء!
وبقيتِ وحدكِ..
نقطةً في سِجِلِّ الغُرباءِ
تتكَحَّلين بلَهيبِ الفَقدِ المُرّ!