الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كيف تصل الإنتاجات اللبنانية إلى السوق العربية؟
كيف تصل الإنتاجات اللبنانية إلى السوق العربية؟

بيروت - يوليوس هاشم:إن كان المنتجون اللبنانيون الذين يعملون في الدراما اللبنانية يناضلون للخروج في شكلٍ جدي من السوق المحلّية الضيّقة إلى السوق العربية المفتوحة، فإنّ هناك منتجين آخرين يملكون شركات إنتاج لبنانية لكنّ تركيزهم الأساسي اتّجه نحو الخارج. «سيدرز آرت بروداكشن» لصادق الصبّاح، و«سيدرز أوف آرابيا» ليوسف الخوري هما الأكثر غزارةً وشهرة وتوسّعاً في العالم العربي إلى درجةٍ انهما باتا يحلّقان خارج سرب شركات الإنتاج المحلّية. ولكن السؤال الأهم: لماذا لا يشاركان في شكلٍ كافٍ في إنتاج الدراما اللبنانية؟

صادق الصبّاح الذي قدّم العام الماضي مسلسل «الشحرورة» الذي عُرِض في آنٍ على تسع محطات في الوطن العربي، يعتبر أنّ الدراما اللبنانية بوضعها الحالي غير قادرة أبداً على المنافسة. «من المؤكّد أنّ الدراما اللبنانية لها حقوق علينا بما أنّنا لبنانيون، ولكنني لن أقدّم إنتاجاً درامياً بمستوى أقل من «الشحرورة» لأنّ تقديم عمل يُعرض على بعض الشاشات المحلية لن يوصلنا إلى أي مكان».

ويقول الصبّاح أنّ المسلسلات اللبنانية بإنتاجاتها الضعيفة التي لا تتعدّى العشرين ألف دولار- «والأسوأ أنّ بعضهم يفتخر بوصوله إلى هذا الرقم»- من البديهي أن تكون خارج نطاق المنافسة، «وحين أقول منافسة أعني أن يُعرض مسلسل عرضاً أول على شاشات عربية خلال شهر رمضان مثلاً أو في موسم الذروة، وليس عرضاً ثانياً أو ثالثاً على الـ«أم بي سي 4». ويرى أنّ هناك مثالين واضحين هما «الشحرورة» و«روبي» اللذين شكّلا حالة استثنائية في الدراما اللبنانية، «وبدلاً من أن يتم التركيز فقط على الثغر فيهما لماذا لا ينظر المنتجون اللبنانيون إلى نقاط قوتهما كي يقدّموا مثلها»؟

 

دراما بمقاييس كبيرة

يعلن صادق الصبّاح أنّ المرحلة المقبلة سيخصّصها لإنتاج دراما لبنانية «ولكن بمقاييسٍ كبيرة ومستوى ضخم»، وليس على مقاييس المحطات اللبنانية ومزاجها. «سنقدّم إنتاجاً لبنانياً يتذوّقه العرب، من دون أن يكون فيه بالضرورة ممثلون عرب»، يقول. ولكن لماذا انتظرت شركة «سيدرز آرت بروداكشن- صبّاح إخوان» العريقة في مجال الإنتاج، حتّى اليوم لتعلن تلك الرغبة في دخول الدراما اللبنانية؟ ماذا تغيّر الآن؟ يشرح الصبّاح أنّ هذا الحلم يراوده منذ أعوام طويلة ولكنّه كان يتردد خوفاً من عدم التمكّن من بيعه للمحطات العربية. وهو يفصح انه في مسلسل «الشحرورة»، قام بمغامرة ضخمة لأنّ موازنة ثلاثة ملايين دولار ليست بسيطة، ولكن حين لاقى المسلسل كل هذا النجاح أدرك أنّ المستوى الجــيّد لا مهــــرب من وصـــوله إلى الجميع، وأكّد له هذا الأمر مسلسل «روبي»، لذلك صار بإمكانه أن يخصص إنتاجاً ضخماً للدراما اللبنانية ببال مرتاح.

ويعلن الصباح للمرة الأولى عن طريق «الحياة» عن مسلسلين يحضرّ لهما، الأول من كتابة علي مطر عنوانه «شارع الحمرا» والثاني من كتابة نادين جابر عنوانه المبدئي «حب تشكيلي». ويؤكّد أنّه يؤمّن لهما كل ما يلزم ليظهرا بأفضل مستوى. «الإنتاج الصحيح كما أفهمه أنا يبدأ بقراءة النص وتفريغه ومعرفة ما يحتاجه من ديكور وملابس ومواقع تصوير يتمّ تأمينها له مهما بلغت كلفتها» يشرح الصبّاح. «أنا أعرف أنّ هذه الكلفة لا تسدّها السوق المحلية ولا تغطّيها المحطات اللبنانية، لذلك يجب علينا البحث خارج نطاقنا الضيق، وهنا تبدأ مهمة الإنتاج الأساسية!» صادق الصبّاح يؤكّد أنّ طريقة العمل التي يتم على أساسها إنتاج المسلسلات اللبنانية تعاني من خطأ في أبسط مبادئ الإنتاج، فلا يجوز أن يُنتَج عملٌ على قدر مبلغٍ محدد بل يجب تأمين مبلغٍ محدد بمقدار ما يحتاج العمل.

 

... وهل هي موجودة؟

في المقابل نسأل المخرج والمنتج يوسف الخوري إن كان ابتعاد شركته «سيدرز أوف آرابيا» عن الإنتاج الدرامي المحلّي سببه عدم إيمانه بالدراما اللبنانية، فيجيب: «وهل هي موجودة حتّى نؤمن بها؟» ويشرح جوابه المفاجئ قائلاً إنّ وجودها أو عدمه لا يرتبط بإنتاج بعض المسلسلات والتنافس على عرضها على الشاشات المحلية، بل بجعلها حاضرة في أسواق غير لبنانية كي تحظى بمردود لائق يُسهم بالدخل الوطني ويجعل منها صناعة. ويختم: «حين تُصبح صناعة يُمكن عندها أن نؤمن بها أو لا». واقع الدراما اللبنانية يصفه بدائرة مغلقة؛ فالسوق محدودة، المحطات لا تدفع كما يجب، المنتجون يبخلون في الإنتاج، مستوى الإنتاج يأتي بما لا يسمح بتجاوز السوق، فنعود إلى السوق المحدودة. ويؤكّد: «نحن لسنا بعيدين عن الدراما اللبنانية بل نتحيّن اللحظة المناسبة للدخول فيها بما يتناسب مع الشروط الأساسية للعبة».

ونعرف أنّ «سيدرز أوف آرابيا» تحضّر لإنتاج مسلسل ضخم عن مَي زيادة بموازنة قد تصل إلى خمسة ملايين دولار، لكننا لا نعرف إلى أي مدى سيُعتبَر هذا المسلسل «لبنانياً»، أو إلى أي درجة سيكون في إطار «الدراما اللبنانية»، فهل على كل مسلسل ضخم، كي ينجح، أن يُطعَّم بأشخاص من الوطن العربي؟ يقول الخوري إنّهم استقدموا نجوماً عرباً إلى مسلسل «الآنسة مي» لأن طبيعة السيناريو تقتضي مشاركة هؤلاء كون مي زيادة تنقّلت بين فلسطين ولبنان ومصر، وليس لإنجاح العمل. أما إذا كان العمل لبنانياً فيقول إنّه لا يعرف ما هي المعايير لذلك؛ هل هو «الكاست» الذي يصبغ العمل بهوية معينة؟ أم الفريق التقني، أم المموّل؟ «فاجأني المصريون كما السوريون عندما حاول معي كل منهم إدخال عناصر على العمل كي يبدو حاملاً لهويته» يفصح يوسف الخوري فاضحاً كيف حاول البعض إبعاد الممثلة نور عن العمل لأنّها لبنانية وكيف حاولوا إبعاده هو عن الإخراج بحجّة أن اسم المخرج اللبناني لا يبيع! «ما هذا الغباء الشبيه بالعنصرية؟ الدراما فن والفن ليست له هوية!» يقول، «والمنافسة يجب أن تكون على أساس الجودة، لا على أساس الهوية!» ويعتبر الخوري أنّ الأسواق تتسع للتنوّع وأنّ الدراما هي الوسيلة الفضلى لتبادل الثقافات، أما حجب بعضها - كما هو حاصل مع الدراما اللبنانية - فيزيد من الانغلاق وانعدام الثقافة. «لا يهمني إذا كان مسلسل «الآنسة مي» لبنانياً أم لا، بل يهمني القول إنّ اللبنانيين يعرفون كيف تُصنع الدراما، لذلك اسمحوا لنا أن ندخل في التنوّع الدرامي ولا تحكموا علينا بمجرد أننا لبنانيون». ما دام اللبنانيون يعرفون «أصول اللعبة الدرامية» فلماذا لا يظهر ذلك؟ يشرح الخوري أنّ اللبنانيين متمكنون من اللعبة الدرامية؛ كأفراد وليس كمجموعات منتجة، وهذا لن يوصل إلى أي مكان. «ينقصنا تنظيم المهنة، منتجون يفهمون ما معنى «تصميم إنتاج» فتكون إنتاجاتهم أضخم وبكلفة أقل، وينقصنا كمنتجين التخلي عن أنانيتنا والتعاضد تحت راية «صناعة الدراما اللبنانية» وليس المسلسلات اللبنانية». وأخيراً يختم أن الفرصة سانحة أمامنا الآن للخروج من عزلتنا الإرادية، «فتوقيت المعركة غالباً ما يكون أهم من القوة العسكرية».

الحياة اللندنية