الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحاجة أبو الهيجاء: ليتني مت قبل تهجيرنا يا حدثة
الحاجة أبو الهيجاء: ليتني مت قبل تهجيرنا يا حدثة

بقينا عرب ببلادنا وأصحاب صهوة ونصب للجواد قهوة، يا مسقط رأسي يا حدثة يا حبيبتي، بلدي شافتنا شْفِينا، فراقك موت وما عدنا على فراقك قادرينا'، بهذه الكلمات التي رافقتها الدموع وآهات الحنين بدأت الحاجة زكية أبو الهيجاء (84 عاما) من طمرة بسرد معاناة تهجير أهالي قريتها الحدثة، وتروي مسيرة التهجير بفصولها الشائكة إلى أن استقرت هي وعائلتها في مدينة طمرة الجليل.

لا تزال الحاجة زكية تذكر معالم الحدثة التي عاشت بها 14 سنة قبل التهجير، وتحمل في جعبتها ذكريات الحياة التي وَصَفَتها بالــ'الزمن الجميل'، وقالت: 'كان يسكن قرية الحدثة أبناء عائلة أبو الهيجاء وتضم العائلة حمولة سعد وحسين ودواهدي والطواعنة، جميعهم خرجوا من قرية الحدثة في 1948، وما أذكره بأن رجل كبير من العائلة يدعى محمود الخطيب توجه للأردن وتلقى بلاغا من مقربين من الملك بأن يخرجوا من الحدثة ليوم أو يومين فقط ومن ثم سنعود، وهذا ما قمنا به، خرجنا جميعا مع المواشي من الحدثة وتركنا البيوت كما هي بخيراتها وغادرنا إلى قرية كوكب أبو الهيجاء، ولم نكن نعلم بأن العودة مستحيلة، في اليوم الثاني لخروجنا غطت الطائرات السماء وتم إعتقال أخي عند عودته للقرية ومكث في السجن طيلة عامين'.

ذكريات من الحدثة

تعود بنا الحاجة زكية أبو الهيجاء إلى معالم القرية حيث كانت تملأ جرار المياه من ينابيعها، وحصد القمح وتجميعه على بيادر القرية، وقالت: 'كنا نزرع النعنع والحبق والزعتر في محيط بيوتنا، وكنت أتوجه أنا ونساء الحدثة إلى عين الماء أبو البيجان والذي يقع بين الحدثة وطبريا بجانب قرية يّمّا، نملأ الجرار بمياهها ونعود للبيوت ونقضي أعمال المنزل، وفي كل موسم قمح كانت كل عائلة تجتمع في بيدر العائلة وتغربل القمح، أذكر عندما كان يغني والدي ويقول، 'غابت الشمس يا ابن شعلان'، كنا نعيش بأمان ومودة، ليس مثل حال اليوم الناس تتعامل مع بعضها البعض بتكبر، لقد عشت أجمل أيام حياتي في الحدثة، كانت خطوبتي على ابن عمي وقد اشتريت بدلة الخطوبة من قرية يّمّا، ولكني تزوجت بعد عامين في طمرة'.

فصول التهجير

وتابعت:'يا ريت متنا ولم نترك الحدثة، خرجنا من الحدثة إلى كوكب أبو الهيجاء استأجرنا في القرية لمدة خمسة أشهر، خرجنا وقضينا ليلة في طريقنا إلى سخنين، لنستقر لمدة عشرة أيام فقط، وتوجهنا بعدها إلى وادي الخشب، لكن في النهاية قررت العائلة أن نستقر في نحف، استأجرنا وسكنا في قرية نحف لمدة شهرين، إلا أن عصابات الـ'هاجاناه' دخلت قرية نحف، فأخذتنا أمي أنا وأخواتي إلى المسجد للاختباء، لم تعد قرية نحف آمنة بالنسبة لنا، فتوجهنا إلى ساجور وبقينا ليوم واحد في القرية هناك، وانطلقنا إلى طمرة، حيث استقبلنا أهالي طمرة بكل رحابة صدر، وأذكر أنه تم تقديم بيت لنا في بداية السكن في طمرة وتم تقسيم خيرات العائلة بيننا وبين العائلة المضيفة'.

ما بعد التهجير

تنتقل بنا الحاجة زكية إلى فصل آخر من فصول التهجير، إنه محاولة الاستقرار وتوفير لقمة العيش في طمرة، وقالت: 'كنت أركب على الحمار وأتوجه إلى قرية البروة لأجلب القمح والحطب، خاصة وأن أخي كان يقبع في السجن آنذاك، فأتى قريب للعائلة يدعى عبد العزيز وحذرني بأن عصابات الـ'هاجاناه' قادمة إلى البروة وقد تقوم باعتقال النساء المتواجدات في القرية، وهربت أنا والفتيات من وادي في المنطقة، كانت الطريق تحيطها الأشوك، عدت إلى طمرة والجراح تملأ جسدي من الأشواك والحجارة'.

حلم العودة إلى الحدثة

وأعربت الحاجة زكية أبو الهيجاء عن سرورها لقرار تنظيم مسيرة العودة إلى قريتها الحدثة، وقالت إن 'هناك مجموعة من الشباب الذين يخططون لتعبيد الشوارع المؤدية إلى قرية الحدثة، خاصة وأن مسيرة العودة في ذكرة النكبة ستكون في القرية، لقد تبرع ابني لأجل تعبيد الشوارع، وسأتبرع كذلك لدعم المشاريع المتعلقة بالحدثة. زرت القرية قبل عدة أيام أنا وأحفادي وأبناء عائلتي، وأخبرتهم بأنني سأوزع نشرة شكر لأهالي طمرة على حسن الاستقبال في المدينة، ولكننا سنترك بيوتنا في المدينة ونعود للحدثة'.

الحاجة زكية: 'وصيتي أن أدفن في الحدثة'

 لقد طلبت من رئيس بلدية طمرة السابق، عادل أبو الهيجاء، أن يتم دفني في مقبرة قرية الحدثة، وقد وضعت إشارة في مقبرة الحدثة حيث ترقد جثامين أعمامي وأخوالي كي يتم دفني إلى جانبهم وعلى تراب قريتي، إنه تراب وطني، وطني الغالي، إنها حبيبتي، بأمي وأبي أنت يا حدثة، ليتني متٌّ قبل أن أتركك'

عرب48