الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أساطير المطر...ميساء البشيتي
أساطير المطر...ميساء البشيتي

أساطير المطر

كلما هَممتُ أن أكتب إليك يعتريني الفتور .. يبددني الضجر .. تبعثرني الحيرة .. تلسعني سياط الأسئلة .. لماذا أكتب إليك .. وعن ماذا أكتب .. وهل في الكتابة إليك أي جدوى ؟!

اعتدت فيما مضى أن أكتب إليك كلما داهمتني الرياح المشبعة برذاذ المطر .. ترتوي الحروف في جوفي .. فتنتعش .. وترجوني أن تمطر عندك ! فأجمعها في غيمة صغيرة .. وأرسلها لتهطل على شرفات عينيك أكاليلاً من الزعتر والعنبر .

اليوم .. لم يحضر الشتاء كعادته .. ولم تلفح قلبي رياحه المشبعة بالمطر .. الحروف في جوفي متيبسة .. كسلى .. يعتريها الخمول  والفتور والملل .. لا تريد أن تخرج إليك .. لا تريد أن تحرجك بالأسئلة !

لا تريد أن تسألك عن الوطن الذي أسقطت أوراقه من فصول السنة .. وغاب من توقيت النهار .. وأصبح مجرد صورة منسية على جدران المتاحف .

لا تريد أن تسألك عن الرفاق .. كم مخرز نشِب في أواصرهم .. كم حاصرتهم ويلات .. كم صفعتهم  خيبات أمل .. والذي نجا منهم .. هل هلكَ .. أم على وشك ؟

لا تريد أن تسألك عن حبات الياسمين التي نبتت بين أناملك .. هل كَبُرت .. هل فاح ربيعها .. هل نامت على زنديك .. هل لسعت شفتيها عناقيد الحصرم ؟ أم أنها قبل أن تتفتح هجرتك .. كما هجرت براعم الربيع أشجار الوطن ؟

لا تريد أن تحرجك بالسؤال عنك .. هل أنتَ ما زلت تستطيع أن تُحِبَ وتُحَبُ .. وأن تَعشَقَ وتُعشَقَ .. وأن تدور عليك دوائر العشق .. فتخرج منها الصبُّ الذي فضحته عيناه .

لا تريد أن تسألك عن صمتك .. هل هو صمت الحكمة .. صمت الهيبة .. صمت العقل .. أم أنه صمت الهزيمة ..  صمت الانكسار .. صمت الضياع .. صمت الكفر بكل أيقونات الحياة ؟

الحروف لن تخرج إليك .. لم يأتها مطر .. فلم ترتوِ .. لن ترويك .. ولن تجد عندك إجابة تنعش كالمطر .. تشفي جراح المغدورين .. تسترجع  صورة الوطن عن جدران المتاحف .. وتعيدك إلى قوافل العشاق تلميذاً يتعلم أبجدية المطر .. فتفضحه عيناه .. وتجمله لآلىء القصيد .