الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قراءة سريعة في قصة 'ميلاد بائع' لـ صابر حجازي - بقلم محمود خطاب
قراءة سريعة في قصة 'ميلاد بائع' لـ صابر حجازي - بقلم محمود خطاب

 

 اولا ؛النص

ميلاد بائع 
...........
إنها القاهرة........
وهذه هى المرة الأولى  التى أزورها ، إنها كما قالوا عنها .. مزدحمة ، واسعة ، جميلة ، سيول السيارات من هنا وهناك ، كبارى ، زحام ، مبانٍ شاهقة ، متاجر ، فتيات (المكياج) الفاقع ، النشالون ، والمترو .
لا أدرى أي طريق  أتخذه إلى  سور (السيدة ) حيث سوق الكتب القديمة والحديثة  ذات السعر الزهيد ، عددٌ  من  أصدقائى جاءوا  إلى  السور وأخبرونى بذلك ولكن كيف أصل  إلى  هناك
هذا الرجل .. سأسأله :-
-من فضلك من أين  أستطيعُ  الوصول  إلى  السيدة زينب ؟
-  انظرْ  هناك أسفل الكوبرى يوجد  موقف (للأتوبيس ) مكتوب عليه المكان الذى يذهب له
- أين بالتحديد.. ؟  فأنا 
قاطعنى ..
-هناك أسفل  هذا الكوبرى
وفى سرعة البرق ورغم سيل السيارات كان فى الجانب  الآخر  من الميدان
******
فى المحطة .. جاء (أتوبيس) مكتوب عليه السيدة زينب ورغم الحشد الهائل من  الأجساد استطعتُ أن  أقذف بنفسى فيه.. و إذا بصوت من خلفى :
-حاسب يا ابن الـ...
 أنت حمار..
 يا أفندى عيب
 ... مفيش فكة ..
أخيراً وصلت  إلى  السيدة ..وفى المسجد شعرت براحة عميقة كان الوقت صلاة العصر 
فصليت ودعوت كثيراً
و أمام المسجد كان البائعون فى صف واحد وأعدادٌ هائلة من الكتب ، وكأننى ورقة فى مهب العاصفة ، كان  انتقالي  من بائع  إلى آخر  ، غرقت تماماً بين أكوام الكتب ، اشتريت .. و اشتريت .. و اشتريت ، وكأننى إنسان كان يسير فى صحراء وإذا به يجد نبع ماء يروى عطشه
*****
وعند أحد البائعين... 
-بكم هذا الكتاب ؟
نظر لى كأننى مخلوق من كوكب  آخر  ، ثم  إلى  الكم الهائل من الكتب والذى ضممته  إلى  صدرى غير ما حملته فى كيس ..
-خمسة جنيه يا أستاذ
-لماذا ..؟ إن أوراقه صفراء ، تكاد تتمزق من لمسها ، جنية واحد  فقط
- كيف إنه كتاب نادر ؟ ، لن تجد مثله فى السوق ولكن من أجلك بــ 3 جنية 
-قلت : جنيه
اتفقنا...والله لو لم يكن الوقت قد تأخر لما كنت أبيعه بهذا السعر-
وضعت يدى فى جيبى لأخرج النقود ، لم أجد  شيئا  سوى بعض من (الفكة ) ، فصرخت كأننى في حالة صاعقة كهربية 
-يا نهار .. الفلوس خلصت !!
جذب البائع الكتاب منى .. وقال :
-غداً اشتريه  يا أستاذ نريد أن نغلق
وانشغل  عنى فى جمع الكتب التى أمامه، ولكن كيف لى أن أعود ، إننى غريب هنا ، ونقودى انتهت .. هكذا حدثت نفسى ، إذاً ليس هناك سوى أن أعيد بعض الكتب التى معى  إلى  البائعين ، ورجعت إلى  بائع ..ثم  آخر  .. ثم ثالث ..كلهم قالوا
(جاى تبيع الماء فى حارة السقايين!!!)

يا إلهى ..........ماذا أفعل  الآن  وقد بدأت خيوط النهار فى الانسحاب كيف سأعود ، ماذا أفعل ، من أين  لى بنقود ؟..
نعم ..لقد وجدت الحل .. يا لها من فكرة رائعة .. مازالت الساعة السادسة ولا بد أن الناس لن ينقطعوا عن الميدان .. سوف أنظم الكتب .. أمامى ،
وبصوت منغم يكون النداء
-كتب كتب للبيع 

.....

ثانيا ؛ القراءة
................ 
هذة القصة للأديب الكبير الشاعر والقاص / صابر حجازى والتي بعنوان : ميلاد بائع أرى أنها جديرة بأن يقرأها عشاق القصة القصيرة و عشاق الأديب المصري صابر حجازي .. لقد قراتها و رغم أن علاقتي بالقصة علاقة هاوٍ إلا أن إعجابي دفعني لتسجيل انطباع لا يرقى بالطبع لمستوى النقد .. : 
هذه القصة قد تبدو لمن يقرؤها قصة عادية حتى إذا وصل إلى نهايتها فاجأته النهاية ، لكن القارئ المتأمل يرى فيها جوانب من الإجادة في الحكي الذي يتوارى خلفه إضاءات كاشفة لعدة مواقف يمثل كل منها جانبا إنسانيا يستحق التأمل ، أبدع القاص في تصوير نزول البطل القرويّ إلى القاهرة العامرة بكل تناقضاتها مع عاداته و ما طبع عليه ، و هو الذي نزل لإشباع رغبته في الاستزادة من العلم و نهم القراءة .. و لكن نهمه أوقعه فيما لم يعمل له حسابا ، فقد نفدت نقوده مع آخر كتاب فلم يستطع شراءه و اكتشف أنه لا يستطيع حتى العودة إلى بلده و لم يستطع التخلص من بعض تلك الكتب ليسترد نقودا تنفعه كأجرة للعودة .. و هو ثمن " مؤلم " ، إذ إن التخلي عن كتب سافر من أجلها خصيصا يصير هو البديل الوحيد أمامه ليحل مشكلته ، و حتى هذا الحل الأليم لم ينفع .. و ظلت الضغوط ( الغربة ، الحاجة للنقود و للكتب في ذات الوقت ) تتكالب عليه لتدفعه في النهاية للتخلي عن أحلامه ( كتبه ) ليتغير مساره كلية من هواية اقتناء الكتب إلى الاتجار فيها لينضم إلى زمرة البياعين و تشهد النهاية .. ميلاد بائع

.....................................
-الشاعر والناقد الاستاذ محمود خطاب
-مصري \ مواليد بلقاس- الدقهلية  
- كـــتب ونشر العديد من المقالات والنصوص الادبية في الصحف والمجالات المحلية والعربية