الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
صور من حالات التعليم في فلسطين زمن الانتداب -3-..... تميم منصور
صور من حالات التعليم في فلسطين زمن الانتداب -3-..... تميم منصور

  رغم اتباع سلطات الانتداب سياسة الكيل بمكيالين بتفضيل الطلاب اليهود على الطلاب العرب ، خاصة في توفير الميزانيات التي كانت تصرف على الخدمات التعليمية ، وفي حرية القرار والتصرف في الميزانيات والمناهج ، رغم هذه السياسة العنصرية ، إلا أن هذا لم يؤثر على نسبة الطلاب العرب الناجحين فيما عرف باسم امتحانات نهاية المدرسة الثانوية – المترك – التي تخول من يحملون هذه الشهادة العمل في التدريس ، أو دخول الجامعات .

فقد ورد في الموسوعة العبرية ، الجزء التاسع ، ان نسبة عدد الطلاب العرب الناجحين ، في الحصول على الشهادة المذكورة ، أعلى من نسبة الطلاب اليهود ، ففي الجدول رقم واحد ، الذي يشير الى نتائج امتحانات – المترك – للسنة الدراسية 1945 والسنة الدراسية 1946 / ان عدد الطلبة العرب الذين تقدموا للامتحان النهائي بلغ 215 طالباً ، نجح منهم 129 طالباً ، في حين بلغ عدد الطلاب اليهود الذين تقدموا عام 1945 للامتحان ذاته 140 طالباً نجح منهم 46 طالباً ، أي بنسبة 40% .

عندما رأى العرب حالة التقصير والإهمال من قبل حكومة الانتداب في تلبية حتى المطالب الأساسية لتوفير المستحقات والخدمات التعليمية ، خاصة فيما يتعلق بتحديد عدد المقبولين في المدارس ، بادعاء عدم توفير الميزانيات الكافية لافتتاح مدارس جديدة ، أو توسيع المدارس القائمة ، قامت البلديات والمؤسسات التعليمية الوطنية والافراد بالتبرع بمبالغ وفيرة ، فمنهم من أقام مدارس جديدة تزيد في اتساعها وصفوفها عن المدارس التي أقامتها وزارة المعارف .

نذكر من هذه المدارس ، بناية مدرسة بيت حنينا ، أقامها " عبد الحميد شومان " عام 1946 ، بلغ عدد الغرف الصفية في هذه المدرسة 20 غرفة ، أقيمت على مساحة 150 دونماً ، وفي منطقة الخليل ، جمع الأهالي 45 ألف جنيه فلسطيني ، وأقاموا مدرسة ثانوية داخلية في قرية دورا ، وأقيمت في يافا أيضاً مدرسة جديدة ، ربما لا زالت قائمة حتى اليوم ، وهي مدرسة حسن عرفة ، أنشأها أحد أعيان مدينة يافا ويدعى حسن عرفة .

أقيم في مدينة يافا ملجأ للأيتام ، أقامه أحد أغنياء المدينة العرب ، ويدعى " زهدي أبو الجبين " خصص هذا الملجأ لأبناء الشهداء الذين قتل آباؤهم في ميادين الجهاد . إضافة الى ذلك أقامت بلدية يافا سبع مدارس ، واحدة للبنات ، والست الباقية للصبية وقد ضمت مدرسة البنات 468 طالبة ، يعلمهن 14 معلمة ، وكان بينهن 21 طالبة في الصفين الأول والثاني الثانويين ، وضمت مدارس البنين حوالي 1560 طالباً ، يعلمهم 40 معلماً ، كان المعلمون والمعلمات يتقاضون رواتبهم من بلدية يافا . بلغ مجموع ما تبرع به القرويون من أموال كي تنفق على مدارس قراهم في الفترة الواقعة ما بين شهر نيسان من عام 1941 الى آخر شهر آب أغسطس من عام 1945 مبلغ يساوي 325 الف جنيه فلسطيني ، انفق جزء كبير منها على إقامة المباني المدرسية ، مثلاً : انفق أهالي منطقة بئر السبع ، البالغ عددهم في عام 1946 ما يقارب مائة الف نسمة على مدارسهم في ذلك العام ، أكثر من ثمانية آلاف جنيه ، وبلغ عدد مدارسهم التي أنشاوها على نفقتهم 15 مدرسة ، درّس فيها 16 معلماً ، ولم تقدم لهم حكومة الانتداب أية مساعدة للإقامة هذه المدارس ، أما في غزة ، فقد بلغ ما صرفه قرويو غزة البالغ عددهم نحو 90 الف نسمة ، في العام الدراسي 47-1946 ، على مدارس قراهم نحو 30 الف جنيه فلسطيني ، كما قاموا بتعيين 82 معلماً على حسابهم ، وقد بلغ عدد المعلمين في قرى يافا في العام المذكور 275 معلما ومعلمة ، من بينهم 125 معلماً على نفقة القرويين .

لم تقتصر الخدمات والتبرعات التي قدمها أبناء المدن والقرى الفلسطينية على إقامة الصفوف التعليمية ، ودفع رواتب المعلمين ، بل شملت هذه الخدمات إقامة توابع هامة للمدارس ، مثل الفروع الداخلية – المنازل – لطلاب القرى ، وشملت أيضاً إقامة المكتبات في المدارس القروية خاصة ، لعدم وجود مكتبات عامة في هذه القرى ، المكتبات التي أقيمت في هذه القرى تتناسب محتوياتها مع مستوى المدرسة التي أقيمت في مدارس هذه القرى تتناسب محتوياتها مع مستوى المدرسة ، وقد بلغ عدد الكتب عام 1946 في 158 مدرسة قروية ، نحو 35 الف كتاب ، استفاد منها المعلمون وطلاب المدارس . أما بالنسبة لمعاهد المعلمين والمدارس المهنية التي عرفت زمن الانتداب ، فإن الكلية العربية ، تقف في مقدمة هذه المعاهد ، كانت هذه الكلية تعرف باسم دار المعلمين ، وقد تأسست عام 1918 ، درس على مقاعدها في سنتها الأولى 23 طالباً ، جميعهم من العرب باستثناء يهودي واحد ، ثم عرفت فيما بعد باسم الكلية العربية ، عملت هذه المؤسسة في البداية في بناية غير ثابتة تقع في منطقة حي باب الساهرة ، بعد ذلك أقيمت بناية فخمة أقيمت خصيصاً لها في جنوب القدس ، على جبل المكبر ، في عام 1945- 1946 بلغ عدد طلابها حوالي مائة طالب . كانت هناك كلية خاصة لإعداد المعلمات ، تأسست في القدس عام 1919 ، كانت مدة الدراسة أربع سنوات ثانوية ، وسنة واحدة لإعداد المدرسات لتدريس الطلاب في المدارس الابتدائية ، في عام 1925 ضمت 55 طالبة ، وفي عام 1945 -1946 ، زاد العدد ووصل الى 110 طالبات ، كانت دار المعلمات ، شأنها شأن مدارس البنات ، تعلم التدبير المنزلي ، وأعمال الاشغال والحياكة .

أقيمت أيضاً دار معلمات ثانية ، عرفت بدار المعلمات القروية ، تأسست هذه المدرسة في عام 1935 في مدينة رام الله ، وكانت تعد طالباتها للتدريس في مدارس البنات الريفية ، وتقدم هن التعليم والمسكن والطعام بالمجان ، وكانت بالأصل تشمل سنتين دراسيتين بعد مرحلة التعليم الابتدائي . كان هناك أيضاً دور للمعلمات غير حكومية ، من بينها كلية البنات في مدينة القدس التابعة للبعثة الانجليكانية ، وكلية " شميدت " للبنات في القدس التابعة الالمان الكاثوليك. لم يهمل الفلسطينيون التعليم المهني ، فقد أقيمت العديد من المدارس المهنية في كل من مدينة يافا وحيفا والقدس وغيرها ، من بين هذه المدارس المهنية مدرسة حيفا الصناعية ، التي أنشأت عام 1937 ، ومدرسة خضوري الزراعية في مدينة طولكرم ، أقيمت هذه المدرسة على نفقة يهودي يدعي أيلي خضوري ، كان بريطاني الأصل ، يقيم في مستعمرة " هونغ كونغ " بوشر بالتدريس فيها عام 1931 ، وكان يقبل فيها الطلاب الذين أتموا دراسة الصف الثاني ثانوي ، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات ، خصصت لهذه المدرسة أرض مساحتها حوالي 150 فداناً ، وفي عام 1948 اغتصبت إسرائيل من هذه المساحة خمسين فداناً ، ولا تزال هذه المدرسة قائمة وتعمل تحت إدارة السلطة الفلسطينية .

يتبع