الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
منظمة التحرير بين مطرقة السلطة وسندان المعارضة....بقلم جودت مناع
منظمة التحرير بين مطرقة السلطة وسندان المعارضة....بقلم جودت مناع

دخل المشهد الفلسطيني نفقا من التجاذبات السياسية بين قوى داخلية فلسطينية بسبب الخلافات الداخلية عشية انعقاد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله المحتلة.

هذا الاجتماع المثير للجدل نسق وأعد له بنفس الطريقة التي عقدت فيها اجتماعات سابقة ومنها مؤتمر حركة "فتح" بإدارة وتنسيق نفس الأشخاص المقربين من محمود عباس.
فاستبدل الأموات بأعضاء جدد وفصل البعض الآخر خلافا للوائح المجلس القانونية بواسطة مجموعة من الأشخاص نصبوا أنفسهم مسؤولين عن هذه المهمة.
علما أنه ينظر إلى المجلس الوطني كذراع تخطيطي بواسطة اللجنة التنفيذية التي تنبثق عنه لقيادة م.ت.ف.

المجلس الوطني ظل خامدا كالبركان خلال العقدين الماضيين وكانت آخر جلسة له عقدت في غزة بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون لاتخاذ قرار واحد هو إلغاء بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني في سياق عملية سلام مفترضة أخلت إسرائيل ببنودها، وكنت حينذاك داخل القاعة لتغطية الحدث.

الطريقة التي تمت بها إلغاء بنود الميثاق لم تكن قانونية ولا دستورية لعدم اكتمال النصاب أولاً، والفوضى التي سادت الجلسة والاكتفاء برفع الأيدي دون إحصاء للأصوات المؤيدة والمعارضة.

آنذاك كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يتمتع بنفوذ قوي في مواجهة المعارضة التي كانت مغيبة عن الساحة الفلسطينية قولاً وفعلاً. فكانت النتيجة المخيبة للآمال استباقاً لاحتمالات مفترضة وليست لحقائق مؤكدة.

اليوم أراقب المشهد ذاته عن بعد لكن بقيادة مختلفة. ولكن ما هي أوجه الاختلاف بين اجتماع المجلس عام 1993 ويوم غد 30 ابريل 2018.

فالمجلس الوطني المريض ظل صامتا وشاهدا عاجزاً على التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة الفلسطينية في نواحي مختلفة أبرزها التوسع الاستيطاني الكبير بأربعة أضعاف عما كان عليه في الضفة الغربية.

الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المدن الفلسطينية سواء أكانت على نحو مداهمات واعتقالات واغتيالات أو حرب أوسع كتلك الحروب التي شنت على قطاع غزة.

والمصيبة الأشد هي ظهور الانقسام وتكريسه قبل وبعد تمكن حركة "حماس" بالسيطرة على قطاع غزة بعد اشتباكات دامية مع حركة "فتح".

التغيرات لم تكن فلسطينية داخلية بل تجاوزت مسارها اقليميا وعربيا ودوليا.

وظل محمود عباس رئيسا وحاشيته من حوله منذ انتخابه قبل نحو 13 عاما في غياب الانتخابات وموت المجلس التشريعي وإقصاء الشرفاء من حركة "فتح". وهكذا ضعفت الحركة مما أتاح الفرصة لهيمنة فئة اختارت نهجا يتعارض مع رؤية الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني لا سيما أجيال الشباب.

وفي هذه الأيام ترتفع بعض الأصوات المنادية والمؤكدة على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية في وقت قتل فيها عباس ومن حوله المؤسسات التابعة للمنظمة واستبعد القادة العظماء الذين رفدوا الدماء في شرايينها لإبقائها حصنا منيعا في مواجهة العدو الإسرائيلي وحليفته الولايات المتخدة التي لم تتورع بإعلان القدس عاصمة لكيان مارق مستفيدا من انهيار النظام العربي والسيطرة على دول عربية متنفذة بالمال.

هذه الحالة خلقت تناقضا في الرأي حول تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني بوضعها الراهن في غياب الديموقراطية، ففي الوقت الذي تسعى فيه السلطة لهدم مؤسسات المنظمة والاستفراد بالقرارات لتشكيل المجلس الوطني بما يخدم اتجاهاتها نسمع أصواتا تحذر من المس بمنظمة التحرير ومن بينها أصوات من يحاولون تقليص دورها في في مواجهة اسرائيل.

وجاءت لعبة اصلاح المجلس الوطني الفلسطيني بعيدة كل البعد عن النوايا الحسنة، باستخدام النفوذ واستبعاد العمل الديموقراطي، وبأمانة لا أقصد تنظيما فلسطينيا بعينه مع أن كل التنظيمات باءت بالفشل في تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية في أصعب الظروف وأشدها قسوة التي يعيشها أبناء هذا الشعب العظيم وعائلاته الثكلى.

إن مصيبة الشعب الفلسطيني أنه ضحية لإرهاب اسرائيل وحليفتها أمريكا ولبعض العرب الذين فجروا غدرهم في وجهه، كما ويرون في ايران العدو الأخطر في المنطقة في الوقت الذي انبروا فيه عن التصدي لإسرائيل التي تحتل ارض فلسطين العربية مما خلق حالة غير مفهومة لدى الشعب الفلسطيني إزاء هذا الموقف.

وسار عباس على النهج الأمريكي بوضوح مع أن الشعب الفلسطيني يدرك عدم مصداقيتها في أن تكون طرفا عادلا في حل الصراع. وكانت رؤيته هذه ليست جديدة بل قبل إبرام اتفاقية اوسلو، وبرغم موقف عباس هذا إلا أن ترامب أعلن القدس عاصمة للكيان المارق واعترف بالمستوطنات جزاءا من هذا الكيان.

فماذا كانت نتائج سياسة عباس في غياب الديموقراطية وتصفية الحسابات والانفراد باتخاذ القرارات واستمرار التنسيق الأمني مع اسرائيل في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وإمعانه في السيطرة على كل فلسطين وتهويد القدس وتحديد إطار الحل السياسي والأمني في البلاد وفقا لرؤيته الاستعمارية:

أولاً: تفشي الفساد واستحواذ المقربين منه على أموال طائلة لم يكشف عن مصادرها حتى اليوم في غياب محاسبة شفافة للمتورطين.

ثانياً: الانفراد في تشكيل طبيعة مؤسسات حركة "فتح" وإسناد وظائف مهمة لهم في السلطة الفلسطينية مما أدى إلى إضعاف الحركة في مواجهة انهيار الوضع الداخلي الفلسطيني من جهة وجرائم العدو الإسرائيلي من جهة أخرى.

ثالثاً: شلل المجلسين الوطني والتشريعي الفلسطيني وغياب الانتخابات التشريعية بذريعة الانقسام الفلسطيني.

رابعاً: الاستحواذ على " الإصلاحات" المفترضة في المجلس الوطني الفلسطيني معتمدا على نفوذه في السلطة ومنظمة التحرير معا لخدمة توجهه السياسي.

خامساً: افتعاله وحركة "حماس" أزمات حالت دون التوصل لاتفاق دون المستوى المطلوب للتوافق السياسي مما عزز ظاهرة الانقسام الداخلي الفلسطيني وتغييب الوحدة الوطنية.

سادساً: الاستمرار في التنسيق الأمني مع اسرائيل برغم المعارضة الشعبية له وفي انفراد الأخيرة بارتكاب جرائم حرب خطيرة ضد الشعب وممتلكاته وعدم الانصياع للمطالبة بوقف هذا التنسيق أو التصدي لهذه الجرائم.

سابعاً: فشل المفاوضات بعد استمرارها ربع قرن دون تحقيق اية مكاسب وطنية بل إلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية العليا وعدم إجراء تعديلات في إدارة المفاوضات وترك الباب مفتوحا لاستئنافها برغم الفشل الذريع الذي أصابها وتداعياته الهائلة.

ثامناً: استثناء قدرات ثلاثة أجيال من العمل السياسي وإضاعة الفرصة للاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم في صناعة القرار الوطني متيحا لسياسة الاستبداد بالسلطة وقرارتها الحيلولة دون ذلك.

تاسعاً: استخدام النفوذ في قطع رواتب المعارضين لسياسة السلطة وحرمانهم من أية حقوق لا بل توعدهم باتخاذ اجراءات "عقابية" باعتبارهم خارجين عن طوعها.

عاشراً: ضرب القرار الوطني الفلسطيني المستقل في عنقه وتخوفه من وضع حد لتدخل اطراف خارجية في مستقبل الحل السياسي.

بقي شيء أخير ...

هو عجز التنظيمات الفلسطينية بما في ذلك حركة "حماس" في إعادة الوحدة للعمل السياسي والأمني المشترك لمواجهة العدو مما يعني غياب القيادة الحقيقية للشعب في ظل استجابة السلطة لتوصيات الإدارة الأمريكية وإسرائيل بزعم ضرورة تلبية السلطة لاستحقاق السلام الوهمي من جهة، وتبعية "حماس" لجهات خارجية والعمل وفق أجندتها من جهة أخرى.

ما العمل؟

ومع تزامن هذا الجدل مع قرب حلول الذكرى السبعين لنكبة فلسطين وتصريحات معادية متبادلة انساقت في رؤية العدو وحليفته الولايات المتحدة لا بد من صحوة جماهيرية لإعادة نرتيب البيت الفلسطيني بتقوية منظمة التحرير الفلسطينية وفصل رئاستها عن السلطة الفلسطينية، ورفدها بمجلس وطني واسع التمثيل الحقيقي، قادرا على اتخاذ القرارات الوطنية لدحر قوة الاحتلال وحاسبة الفاسدين وإقصائهم قبل فوات الأوان.

جودت مناع
كاتب صحفي فلسطيني