الثلاثاء 14/10/1445 هـ الموافق 23/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
'الحب الأول' .... عبد الهادي شلا
'الحب الأول' .... عبد الهادي شلا

 

 لأن الحب أساس كل العلاقات الإنسانية الراقية التي تتخلق منها روابط قوية لا تنفصم وتبقى جذوتها ما بقي القلب محبا لأي كائن مهما كانت الصلة به أما أو أبا أو أختا وصولا إلى الحبيب .

هوغريزة يلتقي فيها الإنسان مع الكثير من الكائنات التي تعيش على هذه الأرض،لكنه الإنسان كما نعرف هو الأقدر على التعبير عن مشاعر الحب حين يمتلئ بها القلب.

 وهذا لا يعني أننا لا نشاهد بعض الكائنات تتبادل الحب والعاطفة وإنما لا نفهم منها إلا القليل الذي تعيننا عليه الإشارات أو الإيحاءات المتبادلة بينها.

 

ولعل الأشجار والحجارة وغيرها لها لغات وعواطف نعجز بقدراتنا الإنسانية عن التأكد منها وقد ورودت فيها بعض القصص كما في قصة سيدنا سليمان مع الهدهد وكذلك انصياع الجن لخدمته والتحدث إليهم كما جاء في القرآن الكريم.

ما قيل في الحب قد يكون أكثر مما قيل في غيرة فهو في الروايات و الشعر والأغنيات ،فمنها ما وقع وسجلته ملكة الشاعر والكاتب ومنها ما صنعه خياله على شكل كلمة أو صورة تطورت عبر الزمن ودخلت التقنيات لتضيف صورا اخرى تجلت في عالم السينما وصناعتها المبهرة التي وصلت بهذه الصور حد الخيال.

من المؤكد أن الحب قد جرى عليه ما جرى كل مسارات الحياة من تغير في جوهره وفي قيمته والتعامل به وطرق تبادله بين البشر .


منذ قرون قال ابوتمام (توفى 845 م) بيتا شعريا شهيرا مازال ردده الناس و مازالوا على قناعة وصلت ان القصيدة التي هو بيت فيها كانت ضمن المنهج التعليمي في بعض فصول المرحلة الثانوية منذ غير بعيد.

           
يقول أبو تمام:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى: ما الحب الا للحبيب الأول.

 

ولأننا نتحدث عن ما جرى على هذه الغريزة -الحب- ورغم ما تقدم فإننا نجد أنفسنا أمام قول أخر جاء من الروائي إحسان عبد القدوس الذ قال قولا مغاييرا أو هو أضاف قولا بجانب ما أتى في بيت الشعر عند أبو تمام :

( في حياة كل منا وهمٌ اسمه الحب الأول. ..)

           
فكيف نوفق بين ما قاله ابوتمام بأن الحب الأول يبقى صامدا على مر الزمن،  بينما يرى عبد القدوس انه وهمٌ !؟ أي يصنعه الناس ليعيشوا على خيالات وصور لا وجود لها ولكنها تبقى ضرورية لا تستقيم الحياة بدونه..

           
ما قاله الشاعر نزار قباني في الحب ، كثير إلا أن قولا واحدا تغنت به الفنانة"نجاة الصغيرة" في قصيدة "ماذا أقول له..": (الحب في الأرض بعض من تخلينا لو لم نجده عليها لاخترعناه).

 

يجعلنا نتساءل ،هل يعني هذا تأكيدا لما قاله عبد القدوس ليلفت نظرنا إلى إحساس جديد طرأ على قيمة الحب؟أ

م هو صيغة جديدة في تقييم هذه الغريزة تختلف عن ما كانت عليه في زمن أبو تمام الذي مال إلى أن الحب الأول يبقى في زهوه وبهائه مهما تنقل القلب حبا فيما سواه.  


هذه النماذج وعند غيرهم ممن كتبوا في الحب، تؤكد الحاجة له مهما كان شكله أو صفاته منذ ما قبل أبو تمام مرورا بشعراء الغزل إلى يومنا هذا .

ولا نظن أن "الحب" كشعور إنساني يمكن أن يموت تحت أي ظرف بل يتجدد باستمرار ويبقى تحت رماد الأيام على جذوته التي تتوهج نارها في القلب عند أول نسمة.

 

ولا يختلف هذا مع ما قاله أبو تمام،ولكن ما قاله عبد القدوس لا يستقيم مع طبيعة الحب السامية و ما وَصـْفُه "للحب" بأنه وهم فهذا تجني على سموه بين البشر الذين يستمدون طاقتهم في مواجهة الصعاب بالحب والتوادد بينهم ويمنحون الحياة إبداعا وجمالا.

 

29 أبريل 2018