الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كلمات لها معنى مختلف..!!! .... عبد الهادي شلا
كلمات لها معنى مختلف..!!! .... عبد الهادي شلا

 

 أحيانا نسمع بعض الكلمات لبساطتها نظن  أن لا صعوبة في فهم معناها وخاصة في عالم الإبداع بكل أشكاله وصوره.

نسمع ونقرأ مقالات وكتب تحمل هذا العناوين..كيف تقرأ لوحة ،أو كيف تقرأ أغنية ،أو كيف تقرأ لحنا.. إلخ .

يظن البعض من هذه الكلمات أن المطلوب قراة تقليدية لكلمات مكتوبة على ورقة أو في بحث فني..

مع أن الحقيقة غير ذلك،فالمعنى المقصود هو كيف تدخل إلى عالم هذه الفنون وتتعرف على جوهرها وتقترب من مضمونها ومغزاها والهدف منها،وكيف لك أن تنمي قدراتك على استيعاب ما هو حسي وفهمه بقدراتك وحدك أو بمشاركة أخرين.

الدخول إلى جوهر هذا العالم الشائك ليس سهلا كما يتصورالبعض من مظهره البسيط أو إيقاعه المألوف.

فوراء كل عمل جهد كبير وتجارب قد تمتد لسنوات،فكل واحد من هذه الفنون له وسائط مختلفة في تقنيتها وإن اتفقت في بعض قواعدها.

على سبيل المثال ،ليس سهلا أن نقف أمام لوحة فنية تبدو في ظاهرها شكلا مألوفا في قصة تقليدية ونبدأ في تفسيرها بعفوية وفطرة أو بأفكار ساذجة ..!

يقول ميشيل فوكو: "علاقة اللغة بالرسم علاقة لا متناهية، لأن الكلمة غير كاملة وتقع إزاء المرئي في عجز تجهد عبثًا لتجاوزه، لأنهما لا يُمكن أن يُختزل أحدهما الآخر، فعبثًا نقول ما نراه، لأن ما نراه لا يسكن أبدًا فيما نقول، وعبثًا عملنا على أن نجعل الآخرين بالصور والإستعارات والمقارنات يرون ما نقوله الآن".

الدخول إلى عالم اللوحة يسبقة معرفة بسيرة الفنان وأسلوبه الفني وتطور مسيرته الفنية وفلسفته التي ينبثق منها عمله الذي يقدمه للمتلقي بعد أن يمر بمراحل و " فلترة دقيقة " والتنقيب عن مضامين جديدة لم يتطرق لها غيره أو يطرحها برؤية جديدة.

ليس هذا فحسب،بل هناك قدرات وجهد عقلي مطلوب أن يتوافق مع الحس المتدفق من خلفية غنية بالتجارب العديدة ومعرفة بتجارب الفنانين الأخرين من كل بلاد العالم إن أمكن هذا.

كل هذه الأمثلة وغيرها مما يجد الفنان نفسه أمامها وجها لوجه وتضعه في موقف صعب عليه أن يجند قدراته الإبداعية ليصوغها بما يتوافق مع أسلوبه و مشروعه الفني.

هذا ينطبق على باقي فروع الفنون وربما أكثر في بعضها.

فليست المسافة بينها متقاربة دائما لأن طبيعة وأسس كل فن هي كيان مستقل له خصوصيته التي تلتقي مع بعضها الأخر في جزئيات هامة وإن كانت في بعض الأحيان صغيرة أو مجرد إحساس خفيف الظل.

يذكر الدكتور غازي الخالدي في كتابه "علم الجمال" إن القاسم المشترك بين تلك الفنون؛ هو الجمال، وما يميز الفنَّ التشكيلي أنَّه يعتمد على الإحساس المرهف والفكر الإنساني الواعي، وهو فنٌّ أبدي، يعيش مع الزمن ويقاومه.

فقرأة لحن موسيقي لا يعني أبدا مجرد قرأة " نوتة موسيقية "،لأن هذه القرأة لا يمكن لأحد أن يفهم معناها إلا المتخصص أو الدارس لها،أما المتلقي العادي فهو يستمتع باللحن الكامن فيها بطرق مختلفة قد يكون لمزاجه في وقتها دورا هاما في الاستمتاع والطرب منها،وقد يتغير هذا المزاج في وقت أخر ،لكن النوتة الموسيقية تبقى على حالها تحتضن اللحن بقوامه السليم لا تتغير تحت أي ظرف أو " مزاج"..!!

هنا يكون على المتلقي مسؤولية أن يثقف نفسه ويعدها للإستقبال وذلك بالبحث والمتابعة والتركيز في كل تفاصيل ما يصله من إبداع ،ولا يركن لمشاعره الوقتية التي قد تكون تحت تأثير الإبهار بجمال الشكل أو الإيقاع أو رجس الكلمة فهذا لا يكفي لقرأة عمل إبداعي بدون معرفة بكل ما تقدم والاستعداد الدائم لطرح الأسئلة التي لها جواب مقنع، مع العلم أن الوصول إليها لن يكون تاما.

وسيبقى المتلقي في عالم الإبداع سائح يستمتع بقدر يحكمة ما تـَحَصـَلَ عليه من خبرة.