الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رأيت عبد الناصر..!! .... عبد الهادي شلا
رأيت عبد الناصر..!! .... عبد الهادي شلا

 نعم.. لحظة لن أنساها ما حييت،و أنا أترجل من"المترو" في محطة "روكسي" بمصر الجديدة وذلك في العام 1966 عندما وجدت المئات يصطفون على جانبي الطريق وهم يهتفون ويحملون لافتات الترحيب بضيف مصر الذي كان الزعيم اليوغسلافي"تيتو" أحد قادة دول عدم الانحياز؟!

 

 

كان هذا هو عامي الأول في القاهرة للدراسة،وكنت أهم بالمسير نحو البيت دون الوقوف لانتظار الموكب القادم من المطار ولكنني أحجمت وتوقفت بفرح مترقبا مع المنتظرين فأنا ممن أحب هذا الزعيم منذ الصغر وتربيت على مبادئ الثورة التي أحييت الأمل في نفوس العرب في كل شيء و التفاصيل يعرفها كل من عاش تلك الحقبة من الزمن الجميل.

 

لم يطل انتظاري مع المنتظرين فقد علت الهتافات من بعيد وكلما اقترب الموكب علت أكثر فأكثر وأنا وسط الزحام أتقدم إلى الصف الأمامي حتى كنت على بعد مترين أو أدنى من سيارة الزعيمين.   
 

السيارة مكشوفة ..يقف في وسطها عبد الناصر وتيتو يدا بيد ملوحين للجماهير الغفيرة التي اصطفت على جانبي الطريق،حتى ظننت أنه يلوح لي وحدي دون هذه الآلاف التي جاءت لتحيتهما.

 

ابتعد الموكب وأنا أتابعه حتى اختفى عن نظري وبدأتُ المسير نحو البيت في حالة مختلفة تماما،وكنت سألوم نفسي مرات ومرات لو لم أقف لرؤية هذين العملاقين الذين ملأت سيرتهما وأعمالهما أسماع العالم أجمع.

 

في اللحظة التي كنت فيها على بعد مترين أو أدنى...ملأني شعور غريب وارتعش جسدي بما لا يمكنني تفسيرة سوى أنني كنت في لحظة نشوة غريبة وأنا شاب في السادسة عشر من العمر فتح عيناه على ثورة في مصر التي هي قبلة العرب أجمع،وقد فتحت أبوابها لكل العرب وشعوب العالم المتطلع إلى الحرية والاستقلال.

 

في ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 ، يتجدد العهد مع مبادئها عند الملايين الذين أصابوا من خيراتها ولمسوا التغيير الحقيقي في حياتهم في كل أرجاء العالم وليس في مصرأو البلاد العربية فقط،رغم السهام الملوثة التي توجه لأهدافها ونـُبل مقصدها ممن سقطوا في مستنقع الجحود والنكران وقد جندوا لذلك كل صاحب نفس مريضة لتجدف عكس التيار.

 

بعد هذه السنين طرأ الكثير من التغييرات في المنطقة العربية،طالت مبادئ الثورة وتجاوزتها في كثير من النقاط مما انعكس سلبا على المواطن الذي لم يستكمل تحصيل نتائجها الايجابية.

 

لسنا هنا لمتابعة ما ترتب على التخلي عن مبادئ الثورة وأهدافها، فهي باتت معروفة للقاصي والداني وبات معروف من يحاول طمس الحقائق وتلوين الصور بما ليس فيها وتحولها إلى صور قاتمه في عيون الجيل الذي لم يعش وهجها ولكن أبائهم بلا شك قد عاشوا وجنوا من ثمارها،ولا ينكر هذا إلا جاحد.

 

التاريخ لا يظلم أحدا، ويضع النقاط على الحروف ،ولكن العابثين فيه يلوثونه ويرسمون له صورا من خيالاتهم وهلوساتهم وامنياتهم القبيحة.!!

 

نحن جيل شهد وعاش التغيير،ومارس حقه في التعبير عن  أمنياته وقدم ما استطاع كل في مجال عطائه حتى يكون لنا وطن كبير مميز بعطائه للإنسانية.

 

نحن أمة وضعها الله في مكانها الصحيح على وجه الأرض ،وأرسل فينا أنبياء وأخرج منها عظماء و أبطال مازلت شجاعتهم وأعمالهم شاهدة على ذلك،فلا أقل من أن نحافظ على هذه الأمانة..!