الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نداء وطني مسؤول....حمادة فراعنة
نداء وطني مسؤول....حمادة فراعنة

 

 نداء توفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطيني الأسبق، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ومطالبته وقف انتهاكات الأجهزة الأمنية لحقوق وكرامة المواطن المحشور ما بين فاشية الاحتلال وعنصريته الهمجية، وأفق سلطة رام الله المحدود أسيرة سقف حكومة نتنياهو الاستعمارية، بما فيها تطاولات بعض قياداتها على مناضلي فتح أنفسهم كما قال، هي خلاصة أكيدة وجديدة دالة على عدم القدرة في التوفيق بين خياري السلطة والمقاومة المتعارضين، فقد وقعت حركة فتح في مخطط خبيث في أن تكون قياداتها أسيرة للوظيفة والوظائف، وأن تتحول عقيدة أجهزتها نحو الحفاظ على الأمن، والتراجع عن عقيدة مقاومة العدو الممثل بالاحتلال، فالذين يدفعون كلفة الرواتب والتدريب والتجهيز هم حلفاء وأصدقاء العدو الإسرائيلي ويتم ذلك برضاه وموافقته، وهو نفس السيناريو المعد لحركة حماس الذي سارت عليه ونحوه برضاها بدءاً من دور المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين محمد بديع في إقناع خالد مشعل في المشاركة بالانتخابات التشريعية عام 2006، بناءً على تفاهمات أميركية مسبقة مع حركة الإخوان المسلمين قادها عزت الشاطر وعصام الحداد مع واشنطن، مروراً بحكومة حماس الأحادية، إلى قرار الحسم العسكري وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة منذ 2007 حتى اليوم، والتوصل إلى اتفاقات التهدئة الأمنية مع العدو الإسرائيلي، على أثر كل حرب إسرائيلية على قطاع غزة.

الأجهزة الأمنية في رام الله تقوم بواجبها لضبط الأمن بما فيها الحد من النشاطات الجماهيرية حتى لا تتطور وتفلت الأمور من يد الأجهزة لصالح حركة الشارع المنفلت غضباً ورفضاً للاحتلال ولوجوده واتفاقاته، والتي تسير لمصلحة التفوق والمتمكن والممول، ونتيجتها واضحة لمصلحة الاحتلال وبقائه واستمراريته حيث لا كلفة على الاحتلال، فهو يستفيد من بقاء احتلاله دون كلفة.

وفي غزة تقوم أجهزة حماس بتنفيذ التزاماتها وفق اتفاق التهدئة الأمنية مع العدو الإسرائيلي بوساطة مصرية الأول في عهد الرئيس محمد مرسي يوم 21/10/2012، والثاني في عهد الرئيس السيسي يوم 26/8/2014، ويتم التجديد للاتفاق كلما لاحت في الأفق ظروف الخرق كما حصل قبل أيام حيث لعبت القاهرة والمندوب الأممي ميلادنيوف، الدور المطلوب في لجم الطرفين والالتزام باتفاق التهدئة الهشة من قبل العدو المتغطرس.

نداء الطيراوي سيجد استجابة جماهيرية لأنها متضررة من تجاوزات الأجهزة الأمنية وتطاولاتها، ولكنه لن يجد أي تفاعل من قبل الأجهزة مع ندائه لأنها تقوم بواجبها وفق اتفاق التنسيق الأمني وهو أحد أثمان بقاء السلطة واستمراريتها في رام الله، نفس الثمن الذي تدفعه سلطة حماس في غزة وفق التهدئة الأمنية، تمنع من خلاله أي عمل كفاحي ضد الاحتلال بما فيها مؤخراً وقف الطائرات الورقية، وربما المسيرات السلمية.

لم تتمكن حماس من جعل غزة نموذجاً للحرية والاستقلال بعد انحسار الاحتلال وإرغام شارون على الرحيل عن قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال، بفعل ضربات المقاومة الموجهة لمظاهر العدو ومؤسساته، فقد بقيت غزة محاصرة براً وجواً وبحراً، فاقدة لحريتها، أسيرة لمواقفها تحت سقف مصالح الاحتلال الأمنية، وأغرقت شعبها معها ليكون أسيراً لسقفها وخياراتها مع الإخوان المسلمين، وخاصة في سوريا ومصر قبل أن تتحرر نسبياً من علاقاتها التنظيمية مع مرجعياتها بعد صدور وثيقتها الاستقلالية في الأول من أيار 2017، فالماء والطاقة والطعام والصرف الصحي بيد الاحتلال الذي أحال قطاع غزة إلى منطقة منكوبة غير صالحة للعيش البشري وفق تقييم مؤسسات الأمم المتحدة.

نداء الطيراوي بعد استقالة ناصر القدوة تفاعلات فتحاوية داخلية تشير إلى مدى الامتعاض الذي يجتاح الوضع الفلسطيني بما فيها فتح علناً، وقد يكون لدى حماس مستتراً كالهدوء الذي يسبق العاصفة.

كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.