الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هل عجـز المثقف..؟! -.... عبد الهادي شلا
هل عجـز المثقف..؟! -.... عبد الهادي شلا

 يجمع المراقبون ومنهم المثقفون على أن الوطن العربي يمر بأزمة كبيرة متشعبة ومتعددة بل وشائكة إلى الحد الذي أصابهم بالصدمة. n

صور متضادة خلقت حالة من التيه بات من الصعب توصيفها وعجز أكثرهم عن إتخاذ موقف للخروج من هذا المأزق الذي اتسع وامتد بل واستشرى وتغلغل في قيم المجتمع ليقلبها رأسا على عقب بتشنج وصراع.

لفترة طويلة رسخت قواعد ثقافة عصرية جديدة وأفكار متفتحة أبدع فيها المثقفون والفنانون أعمالا مازالت في الذاكرة بقيمها وسط هذا البحر الهادر وأمواجه الهائجة، ومازالت على وهجها وبريقها رغم محاولات كثيرة لطمس قيمها الرفيعة الأصيلة،وهذا ما عانى منه المثقف في رسالة تمنى أن تحقق أغراضها وتسمو بروح الفرد عاليا وتخرجه من شرنقة القيم البالية.

 

عجزت الأقلام وأصحابها عن أن يخترقوا جدران روح "بعض" ممن ترسخت في عقولهم عقيدة سوداء النتائج وأرهقها الجري وراء سراب أفكار بالية تصارع عقيدة سامية ناصعة ، نافعة للإنسانية في كل ما حملت.

 

أسقط في أيدي المثقفين الجادين والمستنيرين وسط هذه الحالة الجارفة،و أعجزهم زرع فكر جديد يكسر الموروث الجاف الذي تربع في عقول الكثيرين وأغلقوا عليه عقولهم أمام كل شعاع نور يحمل جديد يأخذهم إلى عالم سريع الوتيرة ليكونوا جزء منه فاعلين ومنتجين.

 

هذا قدر كل المبدعين المجددين على مر العصور أن يتم مواجهتهم بالتشكيك بما لا يتوافق مع خطط العابثين بالعقل الإنساني الباحث عن الجديد، والتاريخ مليء بهم.!!

 

يقول الدكتور مصطفى الفقي:( فإذا كان الإمام محمد عبده هو مجدد فى إصلاح الدين والاجتماع فإن لدينا مجددين آخرين فى ميادين مختلفة، فالعقاد مجدد فى طرائق التفكير وأساليب التحليل ومناهج البحث، كما أن طه حسين هو صاحب القراءة الفريدة فى تاريخ الحياة العربية الإسلامية والذى انتقل منها إلى شئون الناس وأحوال المعذبين فى الأرض، كما أن لدينا فى الفكر السياسى المصرى المعاصر مجددين من نوع آخر اتسم بعضهم بالتوازن الشديد، واتصف بعضهم الآخر بالتهور فى طرح أفكار لم تكن مألوفة، فسلامة موسى فى نظرى مجدد فى أساليب الثقافة وطرائق التفكير كذلك فإن مصطفى كامل قبله كان مجددًا فى الخطاب السياسى الذى خرج به من دائرة العبارات الإنشائية المألوفة إلى منهج مختلف يجعل الخطاب رسالة قابلة للترجمة والوصول إلى العقل الأوروبى ذاته لكشف مظالم الإنجليز وجرائم احتلالهم، من هنا فإننا نرى أن التجديد ليس صفة تلحق بشخص بذاته، أو هى شعار يرفعه صاحبه، ولكنها قبل ذلك كله هى ثورة فكرية تدفع أصحابها للمضى فى طرق جديدة ودروب غير مألوفة بما لا يخالف الثوابت الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية، إن التجديد له شروطه وضوابطه ) .

 

إن كل المعوقات الطارئة على الحالة العامة في الوطن العربي تبقى جزء من طبيعة الزمن الذي هو في حالة مد وجزر حين ينصف اليقين الواضح ويبين حقائق الأمور في وقت يزداد إصرار المثقفين والمبدعين - رغم الشعور بالعجز-على أن يصححوا أوضاعا تعثرت في خطواتها نحو مستقبل أفضل .

ما يمر به الوطن من هزة قوية يفتح عيون المثقفين على حقائق لابد أن تثير في وجدانهم كوامن إبداع يرى البعض منهم أنهم على مفترق طريق غلفها ضباب كثيف،وكما عــَبـَرَ الأولون بفكرهم وإبداعهم غياهب ظلام دام سنين طويلة وفتحوا أبوابا جديدة على المستقبل، فالمؤكد أن يبقى قلم الكاتب وريشة الفنان وشدو المغني في حالة استنفار وتصد لكل ما يعبث بقيم المجتمع و يحول دون مواكبة ركب الأمم المتقدمة.