الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الضمان الاجتماعي_حق وطوبى لمن أنار الطريق....بقلم فراس جابر
الضمان الاجتماعي_حق وطوبى لمن أنار الطريق....بقلم فراس جابر

في العلوم الاجتماعية، وتحديداً في الفرضيات هناك العامل الأساسي والعامل الثانوي، وفي الصراع حول الحق في الضمان الاجتماعي يتم حرف الأنظار وتوجيهها نحو العامل الثانوي بدل التركيز على العامل الأساسي.

العامل الأساسي هنا هو صراع ومصالح رأس المال، ويبني هذا العامل نفسه على أرضية الخوف وغياب الثقة والفساد (وهو أساس محق)، بينما العامل الثانوي هو الصراعات الأخرى التي بدأت تظهر تباعاً كأن الحق في الضمان يجب أن يبتدأ من رأس الناقورة وينتهي في نقاش أصول الكنعانيين، ولا بأس بالأثناء بالمرور على كافة الصراعات الشخصية والحزبية والسياسية والمدنية والنقابية التي انفجرت كبالون ماء.

الضمان هو المستقبل لجموع العاملين، وهو أرضية من لا أرضية لهم، هو المبتدأ في الحماية الاجتماعية، وفي تأمين العمال والعاملات ضد المخاطر وضد جشع الشركات الكبرى واستغلالهم ونهب حقوقهم. بدأ الصراع على الضمان منذ تفويض شركة من قبل بنك فلسطيني إعداد نظام تقاعد غير حكومي كان غايته جلب الأموال لهم، ثم جرى دمج مصالح الشركة/ البنك مع المتنفذين في القانون الأول للضمان، والذي اتجه نحو تحصيل كافة أتعاب ومستحقات نهاية خدمة وتوفيرات الموظفين والعمال لصندوق تكميلي كان يسبح خارج المؤسسة، الأمر الذي أحبطته الحملة الوطنية. المرحلة الثانية من الصراع تتركز بين البنوك والشركات، حيث حصل بنك (أ) على اتفاقية الحافظ الأمين، الأمر الذي أغضب بنك (ب) ومجموعة شركاته الكبيرة، لذا قاموا بتكليف مدير أحد شركاتهم بقيادة حملة مضادة على الضمان، وقام بالتعاقد مع عدة متخصصين وإعلاميين من أجل بث الخوف وتأليب الموظفين، مدعومين طبعاً بموافقة مفتوحة من الشركات والمصانع على إعطاء العمال والموظفين إجازات مدفوعة (لدي/ لدينا عدد كبير من القرارات الإدارية بهذا الشأن)، وما زاد الطين بلة تحصيل قرار محكمة بشأن دفع نهاية الخدمة شهر عن كل عام، الأمر الذي دفع المزيد منهم الانسحاب من مجلس إدارة الضمان، وفي نصف الهجوم على الضمان يقوم بنك (ج) وهو تابع لبنك (ب) بتحريك عدة شكاوى وينتهي الأمر بحصوله على اتفاقيتين عبر الحكومة، الأمر الذي يسعده.

ولكن هل ينتهي الأمر هنا!؟

يقف أرباب القطاع الخاص الآن كما يبدو على الهامش دون الخوض في الوحل، إذ هناك من يقوم بالمهمة نيابة عنهم، وهم يعقدون الصفقات في هدوء وفي الظلال، اتفاقية هنا واتفاقية هناك، وإذا أحبط الضمان فهذا جيد إذ يمكنهم الاستمرار في استغلال ونهب حقوق العمال، وفي رفع الأسعار كيفما شاؤوا، وإذا أريد للضمان أن يستمر فيجب دفع الثمن لهم، اتفاقيات واستثمارات وتطمينات وخلافه. في هذه اللحظة تزداد حدة الصراعات، مع تفجر صراع التمثيل النقابي، والذي سيفتح الباب أمام نقاش التمثيل النيابي والحزبي والسياسي، وهذا بحد ذاته أمر جيد إذ ما تحول لحركة منظمة تتجه نحو التغيير. لكن وسط هذه الصراعات من الرابح ومن الخاسر، يبدو الرابح واضحاً كما أسلفت ومعهم مجموعة من المكتسبين، ومجموعة أخرى تحاول تسلق أي سلم من أجل الوصول لمكاسب ورصيد اجتماعي، فيما الخاسر الأكبر العمال والموظفين الذي سيستمر سحقهم وإفقارهم دون أي تغيير، حيث ستبقى الأجور منخفضة، والإجازات مربوطة "بحكمة" مالك الشركة، وإجازات الولادة مرتبطة "بعطف" الإدارة، أما أصابات العمل والوفيات ستبقى تحل على فنجان قهوة مصحوباً بمغلف أبيض فيه بعض النقود. محق من يريد تعديل الضمان، ومخطئ من يظن أن هذه معركة من جولة واحدة، إذ أن مبدئية وصلابة القوى والمؤسسات التقدمية ستجعلها دوماً تنحاز لحقوق المهمشين والفقراء والعمال دون خوف رغم كل الضغوط والحملات المضادة، ولكن يجب عليها استخلاص الدروس فيما يحصل الآن من أن ترك أي ساحة وأي موقع (وفقاً للمقولات الغرامشية) يعني الخسارة، فيما على الصعيد الأخر فعلى القوى المضادة أن تدرك أن مكاسبها وتربحها من هذا الواقع لن تدوم، إذ أن المجتمع الواعي سيدافع دوماً عن حقوقه حتى النهاية.