السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
صورة الشهيد في رواية الجرمق لمهند الاخرس....بقلم سليم النجار
صورة الشهيد في رواية الجرمق لمهند الاخرس....بقلم سليم النجار

 لقد كان البطل الرومانسي ؛ في رواية الأربعينات من القرن الماضي ؛ افضل حالاً من البطل المآزوم المهزوم في بعض الروايات العربية هذه الأيام ؛ " فالبطل الرومانسي" كما يقول بول فان تييغيم ؛ في كتابه " الرومانسية في الأدب الأوروبي" - ترجمة صياح الجهيم " قد يكون سيداً عظيماً ؛ لكنه في الأغلب من أصل وضيع مجهول ؛ وسواء كان ولداً لقيطاً ؛ او ابن زنى ؛ او شخصاً من العامة ؛ او خادماً او مهرجاً او قاطع طريق ؛ فأنه يحس احساساً مراً بالتضاد بين وضعه الاجتماعي وقيمته الخاصة .

وهو مفعم كبرياء ومرارة وغضباً ؛ ويتحدى العادات والقوانين. لكن البطل الرومانسي هذا ؛ متردد مثل هاملت امام الفعل ؛ يظل منفعلا اكثر منه فاعل ؛ يتبع اهواءه العمياء المحفوفة بالمكاره والمخاطر.

ان بطل بوشكين وليرمانتوف ؛ ارهاص بطل تشيخوف وغوركي ؛ وبطل عبد الحليم عبدالله ؛ ارهاص ببطل نجيب محفوظ ؛ وهذا مفهوم ؛ ومنطقي تاريخياً . البطل في رواية الجرمق شهيد ؛ انه مقاتل ؛ هو ؛ علي ابو طوق؛ وهو بطل واقعي وسببا في صعود الرواية لمصاف الرواية المحرضة ضد الهزيمة .

وضد ازمة البرجوازية العربية ؛ التي انسرحت على الرواية العربية الرومانتكية ؛ تم الواقعية ؛ وجاءت موجة الحداثة " التي تقوم على مبدا الفرد المقذوف الى وجود لا انساني ؛ لا يملك سواء ذله ؛ في مواجهة سيزيفية قدرية ؛ والمآل الشاك بكل القيم ؛ والسقوط في سديم اللامعنى العدمي" .

الشهيد في رواية الجرمق ؛ تم صياغته من الفضاء الأجتماعي الفلسطيني المقاوم ؛ الذي يرفض واقع الهزيمة؛ رفضاً كلياً. وهذه خريطة الرواية ؛ ومنها يتأكد جو المقاومة الذي يحيق برواية الموجة الجديدة ؛ رواية الصعود ؛ لا التعميم. ولن ازعم " الجرمق" تاتي من الشمس او من الغيب القدري ؛ بل جاءت من قيم تؤمن ان الثورة قدر الشعب الذي تعرض لهزيمة ؛ اذاً اصبحت رواية الجرمق عامل موضوعي في مواجهة الهزيمة. ولقد هجست الرواية بالبطل الإيجابي " الشهيد" وبعلاقته بفكرة الماضي الثائر ؛ لا في الزمن وحده ؛ الذي يزاوج الخنوع مع الأعتياد ليكون الجنين هزيمة.

البطل هنا ينقلب على هذا الجنين ؛ مؤكداً ان السيولة الزمنية ؛ هي سيولة الثورة. ان الشهيد في رواية الجرمق ؛ يرفض الواقع التام ؛ الثابت ؛ الساكن ؛ غير موجود ابداً ؛ الواقع ناقص ابداً ومن يملأ هذا النقص فكر الشهيد ؛ الذي له حياته الداخلية وقانونه الداخلي ؛ ونموه حسب هذا القانون. والواقعية المبنية على واقع ثوري ؛ هي واقعية تجعل من الشهادة قانون للحياة. ان الواقعية الثورية ؛ هي المؤهلة دائماً ؛ وهي مهاد البطولة الايجابية .

هنا يترابط الزمن الفلسطيني ؛ وتتحرك حدوده بوعي ؛ ويصبح التفكير مستقبلياً ؛ ويجري التعبير عن حقيقة ان الفلسطيني في كل الظروف ؛ لديه ما يأمله ؛ وما يحلم به ؛ وما يناضل من اجله ؛ حتى قبل مرحلة وعيه بعملية هذا النضال وقانونية صراع المتناقضات الطبيعية الاجتماعية . وحتمية انبثاق الجديد وانتصاره على القديم .

ان البطل الشهيد هو بطل مرحلة التكون بالنسبة للرواية الفلسطينية التي لها المستقبل؛ لأنها تقوم ؛ وتعبر ؛ عن حركة اجتماعية هي بذاتها في طور التكون ؛ وهي القادرة على تحريك حدود الزمن ؛ والأنتقال من الماضوية المهزومة الى حاضر الثورة .