الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الرواية العربيّة في فلسطين 48!/ آمال عوّاد رضوان
الرواية العربيّة في فلسطين 48!/  آمال عوّاد رضوان

جمعيّة الثقافة العربيّة عقدت ندوتَها في صالونها الأدبيّ في مقرّ جمعيّة الثقافة العربيّة، حول "الرواية العربيّة في فلسطين 48"، وذلك يوم الجمعة الموافق 12.10.2012، وسط حضورٍ من الأدباء والشعراء وذوّاقي الأدب، وقد رحّبَ القاصّ العكّاويّ إياد برغوثي بالحضور، وتولّى عرافة الندوة الشاعر علاء مخّول بكلمات موجزة عن المحاضرَيْن د. جهينة عمر خطيب، ود. منار مخّول.
قدّمت الباحثة الفلسطينيّة د. جهينة خطيب في القسم الأوّل مُلخّصًا عن كتابها "تطوّر الرواية العربيّة في فلسطين 48"؛ كتاب نقديّ عن المؤسّسةِ العربيّة للدراسات والنشر بيروت ومكتبة كلّ شيء، ويقع الكتاب في 360 صفحة من القطع الكبير، يتناولُ حركةَ الرواية الفلسطينيّةِ على نحوٍ يَجمعُ بين التتبّع التاريخيّ الدقيقَ وبين التحليلَ النقديّ، مثلما يستعرضُ النصوصَ الروائيّة وقراءاتها على نحوٍ منهجيّ، بقراءاتٍ تنحو إلى مساءلةِ المُنجَز الروائيّ، فتبدو دراساتٍ تأسيسيّةً فيها القواعد لدراساتٍ نقديّةٍ شاملةٍ مُقبِلةٍ لاحقًا، تتحدّثُ عن تطوُّرِ الرواية العربيّةِ في فلسطين 48، خاصّة فيما يتعلّقُ بالهُويّة، والكشفِ عن التجربة الروائيّة الفلسطينيّة، التي أخذت تتبلورُ بعدَ نكبة عام 1948، كما يكشفُ الكتابُ عن مجموعةٍ مِن السّمات المُهمّة التي تُضفي على العمل قيمةً علميّة وننقديّة، ويتناول بالدرس والتحليل حركة الرواية في فلسطين بعد العام 1948، وما ينطوي عليه من مظاهر كثيرة تتّصل بالهُويّة، والصراع على سرديّتيْن، وغير ذلك من المسائل.
ما يميّز أدب فلسطين الداخل أو أدب عرب 48 يحتلّ موقعًا خاصًّا ومتميّزًا، فهو جزءٌ من الأدب الفلسطينيّ بشكلٍ عام، حيث كتبه أدباء يُعانون مِن وضع فريد، فَهُم جزءٌ من الشعب الفلسطينيّ الذي تحوّلَ إلى أقلّيّة قوميّة، لكنّهم يعيشون كمواطنين في فلسطين 48 وسط أغلبيّة يهوديّة، وضعٌ خلقَ شكلاً مِن أشكالِ الازدواجيّة التي ترتبط بهُويّتهم ووجودهم، فانعكسَ هذا الوضعُ على تجاربهم الحياتيّة في كتاباتهم بصورة جليّة، وظلّوا مُتمسّكين بجذورهم وحضورهم السياسيّ والثقافيّ، رغم الحصار الخانق الذي يهدف إلى عزلهم عن محيطهم الثقافيّ العربيّ.
أهمّيّة الدراسة تأتي في كونها دراسة تأسيسيّة، تتناول الرواية الفلسطينية داخل فلسطين 48، وتكشفُ الستارَ عن تطوّر الرواية في ظلّ أقلّيّة عربيّة، فالكتاب يهدف إلى إزالة الغشاوة عن كثيرٍ من المَحاورِ الغامضة المُغيّبةِ عن العالم العربيّ، مِن خلال مُعاينةِ تصوير أولئك الأدباء لمجتمعهم في الرواية، وإظهار النواحي الفنّيّة في تطوّر الرواية الفلسطينيّة، أُسوةً بنظيرتها العربيّة. إنّ الرواية الفلسطينيّة في فلسطين 48 لم تحظَ إلاّ باهتمام قليل ودراساتٍ مُتفرّقة، بينما تعدّدت الدراساتُ المتعلّقة بالرواية الفلسطينيّة في الشتات، حيث اقتصرَ الاهتمامُ على الأديب "إميل حبيبي" وبعض النماذج الروائيّة للأدباء "سميح القاسم" و"إدمون شحادة" و"زكي درويش" و"أنطون شماس"، إضافة إلى أنّ ظروفَ الاحتلال أوجدت صعوبة لدى النقاد العرب في إعطاء بيبلوجرافيا دقيقة للنتاج الأدبيّ في فلسطين 48.
كما أنّ هناك محاولاتٍ سابقة لدراسةِ تطوّر الرواية في فلسطين 48، أهمّها دراسة محمود عباسي "تطوّر الرواية والقصّة القصيرة في الأدب العربيّ في "إسرائيل" 1948 - 1976"، وهي رسالة دكتوراه كُتبت بالعبريّة، وتمّت ترجمتُها إلى العربيّة، لكن تلك الدراسة لم تكن حصرًا على الرواية، فشملت دراسة القصّة القصيرة، واقترنت دراستها في الفترة الممتدة من 48-76، أي بدايات تشكّل الرواية في فلسطين 48، فتضمّنت الدراسة تحليلاً تاريخيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا لبداية تطوّر النتاج القصصيّ العربيّ في "إسرائيل"، ومِن ثمّ تطرّقت الى المضامين البارزة في روايات الفترة المحدّدة.
وهناك أيضًا "المدار الصعب- رحلة القصّة الفلسطينيّة في إسرائيل"، للبروفيسور محمود غنايم، وقد قصد  وهو يدرس القصّة العملَ النثريّ، شاملاً القصّة والرواية والمقالة في دراسته، بيدَ أنّ دراسته أخذت منحًى في التخصّص الفرديّ والدراسة المونوغرافيّة، في تمحورها حول كاتب معيّن، فتناول في فصل من فصول دراسته أدبَ الكاتبة نجوى قعوار، وخصّص فصولاً للأديبَيْن إميل حبيبي وتوفيق فيّاض.
أمّا دراسة إبراهيم طه فقد كُتبت باللغة الانجليزيّة، وهي تبحث في ستّ روايات، بيد أنّها تتناول جزئيّات بعينها في كُلّ رواية، فناقش فكرة الروائيّ ساخرًا وموظّفًا  للكوميديا السوداء، ومثّلَ لذلك إميل حبيبي في المتشائل، والروائيّ مثقّفًا، ومثّلَ له رواية "روح في البوتقة" لسليم خوري، والروائيّ قاصًّا في رواية  "الهامشي" لرياض بيدس، والروائيّ مؤرّخًا في رواية "عصيّ الدمع" لسهيل كيوان، والروائيّ شريكًا في أحداث الرواية، ومثّل له رواية "أحمد محمود والآخرون" لزكي درويش، والروائيّ فيلسوفًا في رواية "إلى الجحيم أيّها الليلك" لسميح القاسم.
   Ibrahim Taha ,Palestinian Novel,a Communication  Study Curzon Studies in Arabic and Middle Eastern Literatures ,Routed 2002
واستعرضت مجموعة من الدراسات التي تناولت الرواية في فلسطين 48، مؤكّدة أن تلك الدراسات اتخذت منهجًا تحليليًّا نظرًا لخصوصيّة الموضوع وشموليّته، مشيرة الى مجموع من المصاعب التي واجهتها في جمع مصادر الدراسة، فكثير من الروايات، خاصّة التي كتبت في بدايات السبعينيّات، صدرت لها طبعة واحدة، وكان العثور عليها صعبًا حتى في المكتبات العامّة، وتشير إلى قلة المصادر التي تتحدث عن الظروف السياسيّة والاجتماعيّة التي عانى منها روائيّو 48، فشكّلت الحوارات التي تمّ إرفاقها في الكتاب عونًا في الاستفسار عن الظروف السياسيّة والاجتماعيّة في تاريخ فلسطين، بعيدًا عن خطورة التأثر بتعليقات الكتاب على رواياتهم، فتمحورت الأسئلة في الظروف المعيشيّة بعيدًا عن رواياتهم.
يحتوي الكتاب على ستّة فصول:
التمهيدُ: يؤطّر لنشأة الرواية الفلسطينيّة بين أدب الداخل وأدب الضفّة والقطاع، ومعالجة الازدواجيّة، وأزمة الهُويّة لدى الروائيّين الفلسطينيّين في فلسطين 48.
الفصل الأوّل: يتناول البنية الثقافيّة والأيديولوجيّة للرواية في فلسطين 48، كما يلقي الضوء على الخلفيّة السياسيّة والثقافيّة لنشأة الرواية الفلسطينيّة، وذلك لأهمية العوامل المؤثرة على إبداع الروائيّ.
الفصل الثاني: يعرضُ البُنية الشخصيّة الروائيّة، حيث يحتفي العمل الإبداعيّ بالشخصيّة لأنّها العمادُ لنسيجه، والهاجسُ الذي تختفي خلفه جميعُ مقوّمات الخطاب، فمِن هنا تكمن أهمّيّة دراستها، فهي عالم مليء بالحركة، تجتمعُ فيها الأبعادُ والمُفارقات.
الفصل الثالث: يتناولُ الرواية النِسْوِيّة، لما امتازت به من خصوصيّة في فلسطين 48.
الفصل الرابع: يُلقي الضوءَ على جنسٍ أدبيّ يَحملُ في طيّاتِهِ إشكاليّةً وتماسًّا بينَ جنسيْنِ أدبيّيْن، السيرة الذاتيّة والرواية، وما يحملُهُ هذا النوع الأدبيّ مِن رونق خاصّ في توثيقٍ لتاريخ فلسطين.
الفصل الخامس: فيقدّم تحليلاً للبناء السرديّ لرواية فلسطين 84، فترى المؤلفة أنّ البُنية السرديّة هي المخاض الحقيقيّ للتحوّل الذي حدث في تطوّر الرواية.
أمّا الفصل السادس: فهو الفضاءاتُ الزمانيّة والمكانيّة في رواية فلسطين 48، فللمكان والزمان تجلّياتٌ واضحةٌ ومؤثّرة في المَتن الحكائيّ الروائيّ.
تستعرضُ الدراسة المسافةَ الفاصلة بين التوقّعاتِ من الرواية وبين واقع الأمر، وتتعرّضُ للاتّجاهاتِ الفنّيّةِ المختلفة والمضامين المتنوّعة في رواية فلسطين 48، وتتناولُ البناءَ السرديّ فيها والتقنيّاتِ السرديّة المُستخدَمة، مُشيرة إلى توظيف الحوار الداخليّ والخارجيّ، وازدواجيّة اللغة بين العربيّة والعبريّة ، والتي تجمعُ بينَ اللغة التراثيّة ومستوياتٍ لغويّةٍ أخرى، وتتناول تشكيل الشخصيّة الروائيّة واستقصاء العلاقة بين الذات وفضاء الآخر، وتأثيرها في رواية فلسطين 48، كما تُلقي الضوءَ على الفضاءاتِ الزمانيّة والمكانيّة في الرواية، وتتّبعُ الدراسة منهجًا تحليليًّا ثقافيًّا، لِما تتّسمُ بهِ مِن محاولةِ استقراءِ تطوّرِ الرواية في فلسطين 48 عبْرَ مراحلِها الفنّيّة، قصْدَ معرفة ثوابتها الفنّيّة والجماليّة، وقضاياها الدلاليّة ومصادرها القريبة والبعيدة.
وعن تواتر صدور الروايات من 1948 – 2012: عام 1954 كتاب، 1955- كتاب، 1958 كتاب، 1959 كتاب، 1960 كتاب، 1962 كتاب، 1963 كتابان، 1964 كتاب، 1967 ثلاثة كتب، 1972 كتاب، 1973 خمسة كتب، 1975 كتاب، 1976 كتاب، 1977 كتاب، 1978 كتاب، 1980 كتاب، 1981 كتابان، 1982 كتاب، 1983 كتاب،  1984 كتاب، 1985 كتابان، 1986 كتاب، 1987 كتاب، 1988 ثلاثة كتب، 1989 كتبان، 1990 كتابان، 1991 كتاب، 1992 كتاب، 1993 كتاب، 1994 خمسة كتب، 1995 كتابان، 1996 كتابان، 1997 اربعة كتب، 1998 كتاب، 2000 كتابان، 2001 كتاب، 2002 ثلاثة كتب، 2003 اربعة كتب، 2004 ثلاثة كتب، 2005 كتاب، 2006 كتابان، 2008 كتابان، و2012 كتابان.
عام 1973 كان خمس روايات: رحلة في قطار- فاطمة ذياب، وهي معالجة اجتماعية لمعاناة المرأة وكسر التابو. ورواية الجثة المجهولة لكمال سلامة، وهي معالجة اجتماعية للصراع بين الأجيال، والمتشائل لإميل حبيبي، وجنون وانتقام- حسني زعبي، وهي معالجة رومانسية لقصة حبّ، وَذَوَتْ بسمةُ الله - معين حاطوم،  معالجة لأمور فلسفية.
نشأة الرواية الفلسطينية قبل 48: لم تبدأ الرواية الفلسطينيّة من فراغ، وإنّما شكّل إبداعها جزءًا من إبداع العالم العربيّ، فلا يمكن أن نفصلها عنه، مازجة بين الثقافتيْن الغربيّة والشرقيّة، بدءًا بالترجمة وحتى كتابة روايات غلب على مضمونها الجانب الأخلاقيّ التعليميّ في ظلّ الانتداب البريطانيّ والحرب العالميّة الأولى، وإن اتّخذت في بعض منها مناحي سياسيّة، بيدَ أنّه طغى إطار الرومانسيّة عليها، وإن كانت هناك محاولاتٌ للخروج من هذا الإطار والبحث عن واقعية تُعبّر عن الإنسان الفلسطينيّ وحياته الاجتماعيّة  والسياسيّة في التعبير عن مخاوفهم وصراعاتهم، جرّاء صدور وعد بولفور، بيدَ أنّها كانت محاولات غير واضحة المعالم! ويُحدّدُ عبد الرحمن ياغي تطوّر القصّة قبل 48  في أربع مراحل، وقد قسّمها تقسيمًا سياسيًّا، لِما في السيّاسة من تأثير على تطور الأدب الفلسطيني:
المرحلة الأولى: من القرن التاسع عشر وحتى 1908، وهي مرحلة نشوء الفنّ القصصيّ في فلسطين، ويورد في هذه المرحلة "محمد بن الشيخ التميميّ" وروايته "أم حكيم"، وميخائيل بن جرجي، وخليل بَيْدس وترجمته للغة الروسيّة
المرحلة الثانية:  تبدأ من إعلان الدستور سنة 1908 وحتى نهاية الحرب العالميّة الأولى، فبرز "خليل بَيْدس" وروايته المترجَمة والموضوعة، ومساهمته في تعريب الروايات المترجَمة، كذلك ظهر "رشيد دجاني" و"إسكندر الخوري البيتجالي" .
المرحلة الثالثة: الممتدة ما بين نهاية الحرب العالميّة الأولى وبداية الثانية، وبرز "أحمد شاكر الكرمي"، وترجماته عن اللغة الإنجليزيّة، و"نصري الجوزي"، و"جميل البحري"، و"محمود سيف الدين الإيراني"، حيث تنوّعت رواياتهم بين الرومانسيّة ورواية المغامرات. أحمد شاكر الكرمي أديب فلسطيني وُلد عام 1894 في مدينة طولكرم في فلسطين، درس في الأزهر، وعمل في الصحافة، ثمّ استقرّ في مدينة دمشق إلى أن توفّي فيها شابًّا سنة 1927 م، وأصدرَ كتاب الكرميّات وهو مجموعة مقالات وقصص.
المرحلة الرابعة: وتمتدّ من بداية الحرب العالميّة الثانية وحتى النكبة، فبرز "خليل بَيْدس" و"الإيراني"، و"أسمى طوبي" و"جبرا إبراهيم جبرا "، وطغت على هذا الأدب المواضيع الاجتماعيّة، فعالجت حياة القرية مقابل حياة المدينة، وظواهر اجتماعيّة مختلفة ظهرت في تلك الفترة، وكتب "جبرا إبراهيم جبرا " في ذلك الوقت روايته "صراخ في ليل طويل" عام 1946، بعد عودته من بريطانيا. أسمى طوبي أديبة فلسطينية، وُلدت في الناصرة عام 1905 وتوفّيت عام 1983، من أعمالها الشعرية "على مذبح التضحية" 1946، و"حبّي الكبير 1972، ومن أعمالها المسرحيّة مصرع قيصر 1925، وصبر وفرج 1943.
تصنيف مضمون الروايات قبل 1948 في أربعة اتّجاهات: الاتجاه الأوّل يُمثّلُ التيّار المتأثّر بالذوق الشعبيّ. والاتّجاه الثاني يمثّلُ اتّجاهَ السيرة الذاتيّة ذا الملامح الرومانسيّة. والاتّجاه الثالث يتمثّلُ في المنحى الرمزيّ التقليديّ، أمّا الاتّجاهُ الرابع فيُمثّلُ اتّجاهَ ذا رؤيةٍ واقعيّة.
الرواية في فلسطين 48 ومسألة الهُويّة: السنوات الخمس الأولى بعد 48 اتّسمت بتوقّفٍ تامّ في مجال الأدب، ويرجعُ ذلك إلى عامليْن: أوّلهما الصدمة النفسيّة العميقة التي عانى منها الفلسطينيّون بعدَ النكبة، وثانيهما الكارثة السياسيّة التي لم تقتصر على الفلسطينيين، بل على العالم العربيّ، واستغرقت عشر سنوات.
مسألة الهُويّة للرّوائيّين العرب في فلسطين 48: لقد عانى الفلسطينيّون في فلسطين 48 من ازدواجيّة انتمائِهم النفسيّ والعاطفيّ للأهل في الضفّة والقطاع، ووجودهم في فلسطين 48، فقد عاش عرب 48 أجواء القلق والغربة، وشعروا بالانتماء الكامل إلى شعبهم الفلسطينيّ، وإلى ثقافتهم وتراثهم ودياناتهم، وعانَوْا من الحُكم العسكريّ ومصادرة الأراضي ومشاكل عدم المساواة والغُربة.
لقد عانى الأدبُ المَحلّيّ في فلسطين 48 من تهميشٍ وإهمال، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا توقّف الاهتمامُ العربيّ وغيرُ العربي بما يَصدرُ مِن شعرٍ وقصّة ورواية ونقد في فلسطين 48، خاصّة بعد الاهتمام الكبير بالجيل الأوّل؟ وهل للأدب الفلسطينيّ في الداخل مشاركة فعّالة في البُنية الثقافيّة العربيّة، وبالتالي العالميّة؟ وهل هناك حضورٌ إعلاميّ لأدباء فلسطين 48 عربيّا؟ إنّ محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تُدخلنا في دوّامة، وتكشف أنّ الأدب العربيّ في فلسطين 48 حُصِرَ داخل حدوده الجغرافيّة المُغلقة، وقد يرجع ذلك لعواملَ سياسيّة إيديولوجيّة تاريخيّة اجتماعيّة، وبسبب غياب حركةٍ أدبيّةٍ مُنظّمة، وهناك مَن يُلقي اللوم على دور النشر في قلّة نشرها للروايات، ويرجع ذلك في المقام الأوّل لسبب مادّيّ، في عدم إقبال القارئ على اقتناء الروايات، لسبب مِن اثنيْن؛ إمّا لضعفٍ في النواحي الفنّيّة لهذه الروايات، أو لاكتفاءِ القارئ بما يحصل عليه مِن أدباء العالم العربيّ.
إنّ معاناة الأدباء في فلسطين 48 هي جزءٌ من معاناة عرب 48 جميعهم، من الجغرافيا الفلسطينيّة والتي تسمّى 48، والهُويّة السياسيّة التي يحملونها، وهناك إحساس بالغبن والتهميش، ونوع من فقدان التواصل مع فلسطينيّي الداخل، ونوع من حالة عدم الاهتمام بالأدب الفلسطينيّ داخل إسرائيل، والنظر إليه بريبة وشكّ من قِبل الإعلام العربي، وحالة من التعتيم على نتاجاتهم الأدبيّة، رغم وجود مضامين ونواحٍ فنّيّة في رواياتهم، مِن حقّها أن ترى النور في ظلّ تطوّر الرواية العربيّة.
إن الرواية العربيّة في فلسطين 48 بدأت زحفها الحقيقيّ منذ بداية الستينات، وقبل ذلك كانت تتّسم في غالبيّتها بنَواحٍ فنّيّة ضعيفة وأدب مباشر، ففي تلك الفترة "اتّسم أدب الأقلّيّة العربيّة بالنبرة الخطابيّة، ويغلب المضمون على الشكل، ممّا يجعل هذا الأدب وثيقة اجتماعيّة للدارسين، ويرجع إلى افتقار الروائيّين الشباب في تلك الفترة للتجربة والممارسة الأدبيّة، ناهيك عن تجربتهم النفسيّة في ظروفهم السياسيّة الصعبة".
تشكّلات الرواية العربيّة في فلسطين 48: أوّلاً الرواية السير ذاتيّة كرواية "ظلّ الغيمة" لحنّا أبو حنّا، وهي أقربُ إلى الرواية من السيرة الذاتيّة. ثانيًا: الرواية التهكّميّة الرمزيّة كروايات إميل حبيبي- رياض بيدس وسهيل كيوان، وثالثًا: الرواية السياسيّة الاجتماعيّة كروايات إدمون شحاده- ناجي ظاهر- زكي درويش- نبيل عوده- رافع يحيى، ورابعًا: الرواية النِسويّة ومعالجتها لقضايا المرأة، وقضايا الشعب الفلسطينيّ من وجهة نظر تتخلّلها اللغة الشعريّة.
ملخص للموتيفات والمضامين في روايات فلسطين 48 (1948-2009): الاتّجاهات الفنّيّة في رواية فلسطين 48: الاتّجاه الواقعيّ السياسيّ، والاتّجاه الاجتماعيّ الرومانسيّ، والاتّجاه الرّمزي بأسلوبٍ تهكّميّ ساخر، والاتّجاه الأوطوبوغرافي المُغلّف بالتاريخ (تاريخ فلسطين)، والاتّجاه النفسيّ (تيّار الوعي)، والرواية النِسويّة حيث تتنوّع الاتّجاهاتُ الفنّيّة فيها، فمِن خلال حوارتٍ أجريتها مع الروائيّين، رفضَ معظمُهم مصطلح "الأدب النِسويّ"، وذكروا أنّ هذا المصطلح يُعَدُّ تهميشًا للمرأة، وقد قصدتُ مِن هذا الفصل توضيحَ خصوصيّة الخطاب النِسويّ، إذ غلبَ فيه خطابُ المتكلم والذاتية، وغلبَ فيه موضوع قمع المرأة في مجتمع ذكوريّ، وغلبت فيه ملامح السيرة الذاتيّة وكسْرُ التابو للثالوث المُحرّم؛ الجنس، السياسة، الدين، والجرأة في مناقشة هذا الثالوث، كما غلبت فيه اللغة الشعريّة والحوار الذاتيّ المونولوج. أمّا الرواية السير ذاتيّة في فلسطين 48 فلها دوافع: توثيق التاريخ، تخليد الذات، تخليد شخصيّات عامّة في مجالَي السياسة والأدب، تخليد المكان. ومن كُتّاب الرواية السير ذاتية: إميل حبيبي- حنّا أبو حنّا- حنا إبراهيم- جريس طنّوس- نجيب سوسان.
أسماء الروائيين العرب الذين يكتبون بالعبرية: عطالله منصور في روايته "في ضوء جديد" 1969، وأنطون شمّاس في روايته "أرابيسك" 1986، وسيّد قشّوع في رواياته "عرب يرقصون" 2002، "كان صباحًا" 2004، و"ضمير المخاطب المفرد" 2010.
الدوافع وراء الكتابة باللغة العبرية: أوّلاً: الرغبة في توصيل مأساة الشعب الفلسطينيّ مِن وجهة النظر العربيّة، وهذا كردّ فعلٍ على السرديّة الصهيونيّة، وتشويه صورة الفلسطينيّ في الرواية العبريّة، فقد كرّس كثيرٌ من الكتّاب اليهود "كتاباتهم في سبيل خدمة الحركة الصهيونيّة وتحقيق أهدافها، لذلك تعمّدوا التشويه والإساءة إلى العرب والشخصيّة العربيّة في كتاباتهم المختلفة".  وثانيًا: لتذكيرِهم بأنّ في إسرائيل عربًا، وكأنّهم يقتحمون اللغة العبريّة ويتمرّسون في أدواتها، ليتحدّثوا بلسانها عن أمورٍ قد لا ترغب اللغة العبريّة في كتابتها، وما يُميّز الأدباء العرب الذين اقتحموا عالم الرواية العبريّة، تمكُّنهم من اللغة، فجاءت لغتهم فنّيّة، محبكة الأدوات والعناصر الفنّيّة والسرديّة، فعبّروا ببراعةٍ تامّة عن سرديّتهم الفلسطينيّة بلغة عبريّة.
تطوّر البنية السرديّة في رواية فلسطين 48: تميّزت البدايات في كتابة الرواية الفلسطينيّة بالضعف في تقنياتها السرديّة، وبالاعتماد على مساحتها المضمونيّة، فكانت الأساليبُ تلهثُ وراء الأفكار، فلم يَدخل الروائيّ في وعي الشخصيّة الداخليّ، وهذا الأمر أدّى إلى اتّصاف بنية الصراع بالسطحيّة، فاتّسمت الرواية بالتصنيف النمطيّ الواضح بين ثنائيّة السلب والإيجاب، وانعكس على اللغة التي اتّصفت بطابع السرديّة والتوتّر في العبارات، وترجع هذه المآخذ على بدايات روايات فلسطين 48 إلى الحصار الذي عانى منه الفلسطينيّون في فلسطين 48، وبُعدهم عن العالم العربيّ، ووقوعهم في بوتقةٍ مغلقة. ظهرت في أوائل السبعينات بوادر ابداعيّة على مستوى أدبيّ راقٍ في روايات "إميل حبيبي"، فتناولته الأقلام الأدبيّة بترحيب بالغ، لأنّه شكّل حالة متفرّدة في ظلّ تطوّرٍ بطيء للرواية الفلسطينيّة في فلسطين48، فقد تميّز "إميل حبيبي" بصياغة سرديّة ميّزته بمرجعيّة سرديّة، وتوظيف للتراث العربيّ والفلسطينيّ، ولاحظنا تطوّرًا واضحًا في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات كمًّا وكيفًا، في إصدار الرواية الفلسطينيّة في فلسطين 48، فبرز سهيل كيوان، وحنّا إبراهيم، وحنّا أبو حنا، وإدمون شحادة، وناجي ظاهر، ورافع يحيى، فخرج كثير منهم من بوتقة الانغماس في المضمون، وبدؤوا بتشكيل مرجعيّة متخيّلة، بعيدًا عن الوقائعيّة التوثيقيّة المباشرة في الرواية، فعبّرت الرواية الفلسطينيّة عن نضوج فنّيّ لم نره في بدايات كتابة الرواية في فلسطين 48، ومن هنا جاءت مسوّغات اختيارنا لموضوع الرسالة، بهدف إظهار النماذج الحيّة لتطوّر الرواية الفلسطينية في فلسطين 48، لتأخذ حقّها بعيدًا عن الإجحاف، من خلال الأخذ ببداياتها الفنيّة.
تنوّعت الصيغ السرديّة في الرواية الفلسطينيّة في فلسطين 48: السارد العليم: طغى على الرواية الفلسطينيّة، فيُطالعنا السارد العارف بكلّ شيء في شخصيّات روائيّة كثيرة، والسارد الذاتيّ: المتكلّم في روايته.
لغة السرد: أوّلاً: تعدّدت استخدامات اللغة في رواية فلسطين 48 بين استخدام الفصحى والعامية، ومن الطبيعيّ أن تتراوح الأعمال القصصيّة خاصّة في استخدامها العاميّة بين مستويات ثلاثة: استخدام العاميّة، واستخدام العاميّة الممزوجة بالفصيحة، أو الفصيحة الممزوجة بالعامية. ثانيًا: ازدواجيّة اللغة العربيّة والعبريّة في الخطاب الروائيّ في فلسطين: معالجتها للواقع المعيش في ظلّ احتكاك يوميّ بالشعب اليهوديّ، سواء أكان ذلك الاحتكاك على صعيد السلطة، أم على صعيد التعامل اليوميّ مع عامّة الشعب، ومن هنا، فقد عبّر الروائيّ عن واقعه، مُوظّفًا ازدواجيّةً للغة العربيّة والعبريّة.
تقنيّة تعدد الأصوات: البوليفون: وقد وظّف بعض الروائيّين في فلسطين 48 هذه التقنيّة في تصويرها للشخصيّات فيما ترويه عن نفسها وعن الآخرين، فساهمت في خلق أجواء حميمة وقريبة من المتلقّي، وهي لعبة تداخل الأصوات بين ضمير المتكلّم وضمير الغائب.
هدف الروائيون من ازدواجية اللغة العربية والعبرية إظهار النقاط الآتية: أولاً: إظهار مخطط دولة إسرائيل في طمس لغتنا من خلال سيطرة لغتهم، وهو جزء من أهداف الاحتلال،  وثانيًا: التأكيد على الخطر المُحدق في الشعب الفلسطيني في فلسطين 48، من التماهي مع اللغة العبريّة.
تجليات المكان: شكّلَ الخوفُ من فقدان المكان بتغيير أسمائه مصدرَ ألم للروائيّ الفلسطينيّ، فهو يرى بأمّ عينيْهِ محاولة طمس تاريخ فلسطين من خلال تغيير أسمائه، وأوّلُ من أشار إلى ذلك الروائيّ "إميل حبيبي" في روايته "المتشائل"، من خلال إشارته إلى تغيير أسماء الأماكن، كمحاولة من الدولة الصهيونيّة إثبات ملكيّتها للأرض الفلسطينيّة، ومحو أثر الفلسطينيّ في أرضه. "ألم تقرأ عن المئات الذين حبستهم شرطة حيفا في ساحة الحناطير (باريس حاليًّا) يوم انفجار البطيخة"؟
الأماكن الخانقة: فرَضَ الاحتلالُ وجودَ أماكن تؤطّر فيها معاناة الشعب الفلسطينيّ وتُصوّر تأزّمه، فالمكان المحبوب "فلسطين" هو البؤرة المكانيّة الدافئة لدى الروائيّ الفلسطينيّ، بيدَ أنّ الاحتلالَ قد أوجد دلالات مغلقة وخانقة، كفضاء المخيّم والحاجز، وكلاهما قد رصدا حركة المعاناة الإنسانيّة في فلسطين، وإغلاق الدروب في وجوه الفلسطينيّين، فوقعوا تحت تأثير إشكاليّة القمع المستمرّ مِن قِبل الاحتلال، فسعى الراوي جاهدًا مِن أجل تحرير المكان روائيّا.
تجليات الزمان: الزمن التاريخيّ الكرونولوجيّ: تعني الكرونولوجيا "تقسيم الزمن إلى فترات، كما تعني تعيين التواريخ الدقيقة للأحداث، وترتيبها وفقا لتسلسلها الزمنيّ". يسير الزمن الكرونولوجيّ في رواية فلسطين 48 في نسقٍ زمنيّ صاعد، وفي رواية "موسى الفلسطينيّ" للروائيّ حنّا إبراهيم، يبدأ زمن الحكاية من خريف عام 1934، فترة الانتداب البريطانيّ، ومن ثمّ تتتابع الأحداث فيه تتابعًا زمنيًّا كرونولوجيًّا.
الزمن النفسيّ: هو زمن الشخصيّة الروائيّة "زمن نفسيّ ذاتيّ يخضع لحركة اللا شعور ومعطيات الحالة النفسيّة، لذلك لا يمكن قياس زمن الشخصيّة الذاتي بمقاييس الزمن الواقعيّ، وإنّما يخضع الزمن الذاتيّ في تحليله للحالات الشعوريّة التي تعيشها الشخصيّة في النصّ الروائيّ، لأنّ الزمن النفسيّ هو زمن مطّاطي، يخضع في عدده وتقلّصه للانفعال والحالات النفسيّة والشعوريّة؛ "انتبهت إلى نفسي، وإذ بي أحسّ كأنّ جسدي يحترق فعلاً، تابعت الرقصَ وكأنّني أقوم بمراجعةٍ نهائيّةٍ لباليه، رقصةَ الموتِ، رقصتُ كما لم أرقص في حياتي، مرّة أقفز عاليًا، ومرّة أخرى أمدّ أطرافي كراقصة محترفة، أو أقف على رؤوس أصابعي وأدور أدور، الغرفة تدور، المقاعد، كلّ شيء في الغرفة يدور". إدمون شحادة، الغيلان، ص 120.
تقنيّة الاسترجاع: الاسترجاع هو مخالفة لسير السرد تقوم على عودة الراوي إلى حدث سابق، وتطغى تقنيّة الاسترجاع على كثير من الروايات في فلسطين 48، لانّ طبيعة الاسترجاع الرجوعَ إلى الحدث السابق، وهذا ما نراه في روايات فلسطين 48، فالحاضر هو وليد الماضي.
الاستباق: هو مخالفة لسير زمن السرد، يقوم على تجاوز حاضر الحكاية، وذِكْر حدَثٍ لم يحن وقته بعد، وقد تنبّه الروائيّ الفلسطينيّ لتقنيّة الاستباق واستشراف المستقبل والتنبّؤ بما سيحدث، فوظّف "إميل حبيبي" هذه التقنيّة في روايته "المتشائل"، حيث يبدأ الرواية باستشراف واستباق المستقبل، فيُحدّثنا عن نهاية "سعيد أبي النحس" وما حصل له، قبل أن يستغرق في حكايته.
الخاتمة: مَرّت الرواية الفلسطينيّة في فلسطين 48 بتغييرات عدّة، تكشّفت عن تطوّر في المضمون والنواحي الفنيّة، ويمكن الحديث عن التطوّر بمراحل خمس تتمثّل كمراحل تاريخيّة:
المرحلة الأولى: بدايات الرواية حتّى عام النكبة 1948- 1920: تميّزت في مراوحتها للواقع الاجتماعيّ والإنسانيّ من حولها، وكان "خليل بيدس" رائد الرواية الفلسطينيّة، وتأثّره الواضح بالأدب الروسيّ، نظرًا لإتقانه اللغة الروسيّة، ونشره لرواية "الوارث" عام 1920 في مجلته "النفائس"، إضافة إلى رواية "مذكرات دجاجة" للروائيّ "إسحاق الحسيني"، واشتركت هاتان الروايتان في كونهما أتقنتا بناءً فنيًّا في صياغتهما، ورواية "جبرا إبراهيم جبرا" "صراخ في الليل الطويل" وتوظيفها لتقنيّة تيّار الوعي، بيدَ أنّه  فيما عدا هذه الروايات، فقد افتقرت الرواية في تلك الفترة لبناءٍ فنّيّ، وكانت رواية "مذكّرات دجاجة" أوّل بذور لرواية رمزيّة في فلسطين.
المرحلة الثانية 1948- 1953: تمثّلت بتوقّفٍ تامّ عن إصدار الرواية في فلسطين 48، ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة الذهول والصدمة التي عاشها الشعب الفلسطينيّ في دخوله العالم، كان ما زال مجهولا بالنسبة له.
المرحلة الثالثة 1953-1967: عادت الحركة الأدبيّة في هذه المرحلة فنشطت الرواية، وعالجت القضايا السياسيّة والصراع العربيّ اليهوديّ، فضلا عن المواضيع الاجتماعيّة السابقة، فقد شكّلت الظروف السياسيّة وعي الروائيّين الفكريّ، واتضح ذلك جليًّا في رواياتهم، بيدَ أنّه شكّلت الإرهاصات المبذولة في الرواية في تلك الفترة ضعفًا في توظيف التقنيّات الفنيّة، فطغت الأفكار على الرواية، حيث فرضها الروائيّ مُتناسيًا الناحية الفنيّة، فمالت الرواية إلى المباشرة وكانت أقرب ما تكون إلى الوعظ، ويرجع ذلك للانقطاع التامّ الذي تعرّض له فلسطينيّو 48، انقطاع عن العالمَيْن العربيّ والغربيّ، نتيجة الحصار العسكريّ الذي فُرض عليهم، ممّا أثّر سلبًا على تطوّر التقنيّات السرديّة في بناء الخطاب الروائيّ.
المرحلة الرابعة 1967-1994: طرأ تغيير على تطوّر الرواية في بداية السبعينات، وذلك بعد فكّ الحصار المفروض على فلسطين 48، والانفتاح على العالم العربيّ، ولعب الروائيّ "إميل حبيبي" دوْر الرائد لهذا التطوّر، فارتقت روايته لتُنافس الرواية في العالم العربيّ، فنجح في توظيف التقنيّات السرديّة الفنيّة، وبرَع في استدعاء التراث في روايته، وتوظيف السخرية والكوميديا السوداء، مُتجاوِزًا الواقع السياسيّ الفلسطينيّ، مُعبّرًا عنه بإبداع وموهبة متناهيَيْن، بيد أنّه شكّل حالة متفرّدة في فلسطين 48 في تلك الفترة، فقد كانت لا تزال الرواية تفتقرُ لنَواحٍ فنيّة متطوّرة، وطغى السارد الكلّيّ المعرفة.
المرحلة الخامسة 1994-2012: شهدت هذه المرحلة تطوّرًا في رواية فلسطين 48 من ناحيتَيْن:  أ- تطوّرًا في الكمّ، فزادَ الاهتمام والإقبال على كتابة الرواية ونشرها.  ب- تطوّرًا من الناحية الفنيّة والمضمونيّة، فبعد اتفاقيّة أوسلو وتداعياتها، شَعر المثقف الفلسطينيّ بخيبة أمل، وأنّ أحلام إخوته في الشتات بالعودة قد تداعت وتحطّمت، فازدادت روح النقد لديه، سواء أكان نقدًا لذاته أو نقدًا للأنظمة العربيّة، وصُوّرت مسألة الهُويّة التي يعاني منها الفلسطينيّ في فلسطين 48 بوضوح، هذا مع العلم أنّ "إميل حبيبي" كان أوّل مَن فتح الباب في هذا الموضوع في روايته "المتشائل"، فسُجِّلت إضاءات في تطوّر الرواية شكلاً ومضمونًا، فتنوّعت الاتّجاهات الفنيّة  في الرواية، وظهر هناك الاتّجاه الواقعيّ الاشتراكيّ، وكان من أكبر ممثّليه: "حنا إبراهيم" و "إدمون شحادة"، كما ظهر اتّجاه الرواية التهكّميّة الرمزيّة وممثّلوه: "إميل حبيبي" و "رياض بيدس" و "سهيل كيوان"، واتّجاه السير الذاتيّة وممثلوه: "حنا أبو حنا" و "حنا إبراهيم" و "نجيب سوسان" و "جريس طنوس"، وقد مالت السِّيَر إلى أن تكون ذاتيّة أكثر من كونها روائيّة، باستثناء الجزء الأوّل من سيرة "حنا أبو حنا" "ظل الغيمة"، واتّجاه رومانسيّ اجتماعيّ، وقد تميّزت المرأة في هذا الاتّجاه أمثال "فاطمة ذياب" و"رجاء بكرية"، ونهضت في كتاباتها فكتبت الرواية مُشكِّلة بوتقة مختلفة عن كتابة الرجل، في قدرتها على التعبير عن واقعها كأنثى في ظلّ مجتمع ذكوريّ، مُغَلّفَة كتاباتها باللغة الشاعريّة ، ونجاحها في خرق الثالوث المحرّم، الجنس والسياسة والدين، وتميّزت هذه المرحلة بتطوّر في البنية السرديّة، واستخدام تقنيّات متنوّعة من توظيف للحوار واللغة، والفضاءات الزمكانيّة لخدمة الخطاب الروائيّ، بيد أنّه لم تخلُ الرواية الفلسطينيّة إلى يومنا هذا من المباشرة لدى كثير من الروائيّين، وقد يرجع ذلك إلى أنّ القضيّة الفلسطينيّة لم تزل حيّة، وبتفاقم متزايد، ممّا يُؤثّر سلبًا على الروائيّ، فما زالت تُرى لدى كثير من الروائيّين غلبة التأثّر بالواقع الأيديولوجيّ التاريخيّ، على حساب الروائيّ المتخيّل الإبداعيّ، وخلاصة القول، فإنّ الرواية العربيّة في فلسطين 48 ما زالت في طور التطوّر، وثمّة ما يستحقّ أن يُشار إليه وإن غلب الواقع السياسيّ في كثير من الأحيان على قدرة التّخيّل الابداعيّ، بيد أنّه قد نجح كثيرون من روائيّي فلسطين 48 في إقامة هذا التوازن بين السياسة والإبداع، وبدأت محاولات جادّة بالخروج من النفق المُظلم  إلى النور.
أما د. منار مخول؛ مُنسّقُ التحشيدِ والمُناصرة في مركز بديل، والحاصل على شهادة الدكتوراه في  الدراسات الشرق أوسطيّة من جامعة كامبريدج/ المملكة المتحدة، فقد تحدّث عن الهُويّة والحراك الشبابيّ الفلسطينيّ، مِن خلالِ نظرةٍ تاريخيّةٍ في الأدب فقال:
ممّا يتّضحُ  للمُراقِب؛ أنّ الحراك الوطنيّ عمومًا مرتبطٌ  عضويًّا بالهُويّة، وبتطوّرِها على محور الزمن، بالاستناد إلى مُحاورةٍ تتطرّقُ إلى تطوّرِ الهُويّة الفلسطينيّة في أراضي 48 منذ النكبة حتى اليوم، وهذا من خلال قراءةٍ نقديّةٍ للروايات والسِّيَرِ الذاتيّةِ الفلسطينيّة المنشورة، ويمكن اعتبار الأدب الروائيّ الفلسطينيّ في الداخل أرشيفًا تاريخيًّا لتطوّر الهُويّة والخطاب السياسيّ، وقد توفّرَ للشباب دوْرٌ مركزيّ مُزدوَجٌ فيهِ من حيث تدوين الواقع السياسيّ، الاقتصاديّ والاجتماعيّ في القصّة الروائيّة مِن جهة، والمحاولة للتأثير على هذا الواقع وتحويله من جهة أخرى.
هناك ثلاثُ مراحل مفصليّة في تطوّر الهُويّة الفلسطينيّة في الداخل، والتي بإمكانها تسليط الضوء على العوامل المُحفّزة للحراك الشبابيّ اليوم:
المرحلة الأولى: مرحلة التأقلم - سنوات الحكم العسكري 1948- 1966: كان لأحداث النكبة والسنوات القليلة التي تلتها أثرٌ كبيرٌ على الفلسطينيّين، فقد تحوّل النسيج الاجتماعيّ للمجتمع الفلسطينيّ جذريًّا خلال هذه الفترة، نتيجة للتهجير القسريّ لأغلبيّة السكّان، الذي تبدّى جليًّا في تقطيع أوصال العائلات. الحُكم العسكريّ الذي فُرض بعد الحرب على بقايا الشعب المُتبقي في دياره كان يمتاز بالقمع والقسوة، كسِمَتيْنِ مميّزتيْن، مؤدّيًا بذلك لتحطيم الاقتصاد الفلسطينيّ من خلال مصادرة الأراضي والأملاك وتحديد حرّيّة الحركة من خلال نظام التصاريح، الذي لايزال مألوفًا حتى يومنا هذا في المناطق المحتلة عام 1967. 
كان على الفلسطينيّين الباقين فيما احتُلّ من فلسطين على أثر النكبة التأقلم مع الأوضاع الجديدة، بما عكس ذاته في طبيعة خطابهم السياسيّ من خطاب تحرّر وطنيّ وتقرير المصير، إلى الخطاب الذي دعا إلى دمج الفلسطينيّين في مشروع تأسيس الدولة. واستند هذا الخطاب إلى حقّ الفلسطينيّين الأوّلي على فلسطين إلى معاييرَ حقوق الإنسان، والمواطنة المبنية على المساواة، وفي هذا الصدد يمكن طرح عدّة عوامل دفعت لتبنّي هذا الخطاب  أوّلها يعود لميزان القوى بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، أما الثاني فيأتي استنادًا للخبرة المسبّقة في سنوات الانتداب البريطانيّ، حيث كانت مؤسّسات "الدولة" مختلطة (مثل الشرطة على سبيل المثال)، بالإضافة إلى ذلك، اعتقد كثيرون أنّ الوضع القائم في تلك الفترة كان مؤقّتًا، مثلما كانت كلّ الأنظمة السابقة في فلسطين.
في أواخر الستينيات طرأ تطوّر جديد على الخطاب الفلسطينيّ في الداخل، فبدلاً من التحدّث عن إدماج الفلسطينيّين في الدولة بناءً على حقوقهم كسكّان أصليّين، اتّخذ بعض المؤلفين الشباب خطابًا كان يربط بين وضع الفلسطينيّين وبين الحداثة، حسب هذا الطرح، المساواة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين متعلقة بشكل مباشر بمستوى تحديثهم، فالمجتمع الفلسطينيّ حسب روائيّي الحداثة، هو مجتمع متأخّر ومنحطّ؛ لذلك فإنّه لا يستطيع الاندماج في المجتمع الإسرائيليّ المتطوّر. بهذا وَضَعَ روائيّو الحداثة المسؤوليّة عن عدم تحقّق المساواة على الفلسطينيّين وليس على إسرائيل، مُتجاهلين في خطابهم ورواياتهم واقعَ الحكم العسكريّ، ومصادرة الأراضي وباقي السياسات القمعيّة ضدّهم.
وممّا يُؤخذ على خطاب "الحداثة" الفلسطينيّ إذا ما تمّ فحصه ضمن هذه المرحلة، أنّ جذوره مغروسة في خطاب الحداثة الصهيونيّ الذي يرى اليهود كشعب متطوّر، وحامل شعلة الحضارة والتقدّم لكافّة شعوب العالم، فهدف خطاب الحداثة الفلسطينيّ في إسرائيل أن يُقلّل من حدّة الصراع بين الشعبيْن والطبيعة العنصريّة للخطاب الصهيونيّ، ماحِيًا بذلك تاريخ الصراع على فلسطين. والحلّ للصراع بحسب ما تُمليه حيثيّات هذه الرؤية، يكمن في مسؤوليّة الفلسطينيّين في اللحاق بركب التطوّر على كافّة الأصعدة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتكنولوجيّة.
المرحلة الثانية: هوية مزدوجة متناقضة 1967 – 1987: منذ أواخر سنوات الستين، أدرك الفلسطينيّون أنّ التعايش  بين الشعبيْن لن يكون سهلَ المنال كيفما اعتقدوا سابقا، وبدأ يتطوّر خطابٌ بديلٌ يفصل بين مسألتي الحداثة وكيفية التعامل مع الصهيونية، سأتطرّق للمسألة الأولى باختصار، حيث أنّ قراءة شاملة لروايات هذة المرحلة تُظهر، أنّ نقاشًا فلسطينيًّا داخليًّا صاخبًا كان يدورُ حول موضوع الحداثة وتأثيرها على بنية المجتمع، من الفردانية، (وتأثيرها على العائلة) إلى العلمانية. كان هناك حذر من تفكك وتشرذم المجتمع نتيجة ضعف مكانة الدين فيه، وهنا يُمسي من الجدير القول: أنّ تأسيس الحركة الإسلاميّة في إسرائيل جاء ضمن هذه المرحلة، وكان هناك من دعا الى إعادة النظر في دوْر الدين في المجتمع، مقتبِسًا المُفكّرالمصري خالد محمد خالد.
أمّا بالنسبة لموضوع التعامل مع الصهيونيّة، فهناك عدد من ردود الفعل الجديرة بالذكر، بينما كانت هناك أصوات فلسطينيّة في الستينيّات، والتي دعت للاندماج في المجتمع الإسرائيليّ، مُتجاهِلة تاريخ الصراع وماحِية الهُويّة الفلسطينيّة، جاءت روايات عديدة في السبعنييات قلبت هذا الخطاب ومحت الوجود اليهوديّ، بينما كان التعايش التعايش مع الإسرائيليّين مُرتبِطًا بالحداثة سابقا، فإنّ التعدّديّة في التعامل في مسألة الحداثة   في هذه المرحلة عكست توجّهًا موحّدًا ورافِضًا تجاه الصهيونيّة، ومن ناحية أخرى، فإن الخطاب الروائيّ الفلسطينيّ منذ الستينيّات حتى أواخر الثمانينيات، قد تجاهل الفلسطينيّين خارج الخط الأخضر، نتيجة هذا التجاهل تكوّنت لدى الفلسطينيّين في الداخل هُويّة مزدَوَجة متناقضة، بما معناه؛ أنّهم ليسوا فلسطينيّين "مائة بالمائة"، وليسوا إسرائيليّين أيضًا، فكان تجسُّدُ هذه الهُويّة في الخطاب السياسيّ الفلسطينيّ الداعيَ لإقامة دولة فلسطينيّة في حدود 1967، بدون إشراك فلسطينيّي الداخل في حلّ القضيّة، وكان هذا الموقف مشترك  بين القيادات الفلسطينيّة على جانبي الخط الأخضر.
المرحلة الثالثة الحاليّة 1987 – 2012: كان للانتفاضة الأولى أثرٌ كبير على الفلسطينيّين في إسرائيل، بحيث لا يمكن إنكار هذا الأثر، الذي أدّى بهم  إلى إعادة  النظر في مسائل عديدة متعلقة بهُويّتهم ومواقفهم الوطنيّة والسياسيّة، وتطوَّرَ هذا التحوّل خلال مرحلة أوسلو وما بعدها، حيث طرحت اتفاقيّة أوسلو حلاًّ للقضيّة الفلسطينيّة دون أخذ وضع حقوق فلسطينيّي الداخل بعين الاعتبار، وقد عكست الروايات الفلسطينيّة تحوّلاتٍ جذريّة في الهُويّة الفلسطينيّة في هذه المرحلة، تتلخّص بإعادة وضع فلسطينيّي الداخل ضمن حيّز النظر إلى القضيّة الفلسطينيّة، مُذكِّرين أنّ "مركز ثقل" الصراع، ونقطة البدء للتفكير في الحلّ يجب أن يكون نكبة الـ 1948 وليس نكسة الـ 1967، أي؛ التركيز على النكبة باعتبارها الحدث الأساسيّ في القضيّة  الفلسطينيّة - الحدث الذي يجمع كلّ الفلسطينيّين بتأثيراته. طُرِحَ هذا روائيًّا عبْرَ فلكرة النكبة، أي سرد النكبة من خلال سرد الفولكلورالفلسطينيّ.
ركّزت روايات الفولكلور على أحداث النكبة وآثارها الماحية للهُويّة وللوجود الفلسطينيّ، من خلال مشروع الحداثة الصهيونيّ، ويمكن اعتبار هذا الخطاب قلبًا للخطاب الفلسطينيّ الحداثيّ في المراحل الأولى، معيدًا النظر في خيارات تلك الفترة، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ روايات الفولكلور تُنهي الحيرة المتجسّدة بالهُويّة المزدَوَجة المتناقِضة، مُكثفة لهُويّتها وتاريخها وثقافتها الفلسطينيّة. بعض الروائيّين رأى أهمّيّة سرد نضال الفلسطينيّين تحت الاحتلال، مُدوّنين في رواياتهم قصص الانتفاضة  ونضال الفلسطينيّين للحرّيّة، وهدفت روايات الانتفاضة أن تُعيدَ الصلة والتواصل بين جميع الفلسطينيّين في كلّ أنحاء العالم، ووحدة صراعهم ومصيرهم، وبينما كان الخطاب الحداثيّ في السابق يُشدّد على الفردانيّة، فإنّ الخطاب الحاليّ يعكس جماعيّة الهُويّة الفلسطينيّة.
روايات الفولكلور وروايات الانتفاضة تكمّل بعضها البعض مكانيًّا وزمانيًّا: هنا وهناك - الماضي والحاضر. روايات الفولكلور ركّزت على تاريخ الصراع من وجهة نظر التجربة الفلسطينيّة في الداخل هنا، بينما ارتأت روايات الانتفاضة التركيز على الصراع في الزمن الحاضر ضد الاحتلال الإسرائيليّ هناك. كلتا المجموعتان بالنتيجة تُعبّران عن الاغتراب (alienation) الفلسطينيّ في داخل الخط الأخضر، والبحث عن حلول لهذا الاغتراب في الماضي والحاضر الفلسطينيّ، فكان لهذا التحوّل تعبيرًا واضحًا في الخطاب والعمل السياسيّ الفلسطينيّ في الداخل.  على سبيل المثال، بينما كان هناك 180 مؤسسة أهليّة فلسطينيّة في إسرائيل عام 1990، فقد وصل عددُها عام 1999 إلى 656، وهذا من شأنه أن يُعتمَدَ كتعبير واضح لعدم ثقة الفلسطينيين بالمؤسّسة الإسرائيليّة، وتجسيدًا لخطابهم الذي يدعو لأخذ زمام الأمور المتعلقة بحياتهم ومستقبلهم. بكلمات أخرى، لم يَعُد النضال الفلسطينيّ في إسرائيل يتمركز بالمسائل المتعلقة "بميزانيّاتٍ للأقلّيّة الفلسطينيّة"، إنّما بوعي وطنيّ داعٍ لأخذ المبادرة.
بالإضافة لروايات الفولكلور والانتفاضة، هنالك مجموعة ثالثة من الروايات التي لا ترى حلاًّ في الماضي أو عبر الخط الأخضر، إنّما تعكس غربة الفلسطينيّين في الداخل وحيرتهم بالنسبة لمستقبلهم، لكنّ الخطاب في هذه الروايات أيضًا هو جماعيّ فلسطينيّ، فليست الهُويّة صلبة أو متحجّرة، إنّما ليّنة تلائِمُ نفسَها للبيئة المحيطة المتغيّرة، والأدبُ يُشكّلُ أحدَ المنابر المهمّة لطرح أفكار جديدة، وعمليّات إعادة النظر في خيارات سابقة، وصقل الهُويّة الوطنيّة. كان ولا يزال للشباب الفلسطينيّ الأديب دوْرٌ فعّالٌ في هذه العمليّة التاريخيّة المركّبة، فسمّى غسّان كنفاني الأدب الفلسطينيّ في إسرائيل في الستينيات "أدب المقاومة"، (مُرتكِزًا على الشعر آنذاك؛ وكما رأينا سالفًا فإن ذلك لا ينطبق تمامًا مع الخطاب الروائيّ في تلك المرحلة)، طابعًا هذه التسمية لكلّ آداب المقاومة في العالم، ومُعطِيًا الأدبَ مكانه الحقيقيّ في الفعل السياسيّ. إنّ الأدب الفلسطينيّ في الداخل في المرحلة الآنيّة يدلّ على تطوّر وعيّ فلسطينيّ جماعيّ، ويرى أنّ حلّ القضيّة الفلسطينيّة لا بدّ أن يكون شاملاً، للفلسطينيّين جميعًا ولقضاياهم الجمعيّة كذلك.