الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عدم شرعية الحرب الأمريكية على العراق ...د. غازي حسين
عدم شرعية الحرب الأمريكية على العراق ...د. غازي حسين

لا تزال تداعيات الحرب الأميركية دائرة في العراق تحرق الأخضر واليابس، تقتل البشر والشجر والحجر، تبيد الحياة وتدمر المنجزات وتعرقل التنمية والتطور والازدهار وتدنس المقدسات، وتخرب حضارة العراق التي يزيد عمرها عن سبعة آلاف سنة والضاربة الجذور في أعماق الأرض والإنسان، وتغيير هوية العراق العربية والإسلامية، وذلك لإعادته إلى العصور الوسطى كما أعلن الرئيس بوش الأب ونهب نفطه وأمركته وخدمة «إسرائيل» ورسم خريطة جديدة للمنطقة وتفتيت العراق إلى ثلاث دول على أسس طائفية وعرقية.

شكلت الحرب العدوانية انتهاكاً سافراً لميثاق الأمم المتحدة ولكل العهود والمواثيق والأعراف الدولية ومبادئ القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.

اشتعلت الحرب خارج نطاق الأمم المتحدة، وخارج صلاحيات مجلس الأمن الدولي، الجهة الوحيدة المخولة بحماية وحفظ السلام والأمن الدوليين، لذلك اعتبرتها فرنسا وروسيا والصين غير مبررة وغير شرعية.

سوّقت الإدارة الأميركية الحرب العدوانية بسلسلة من الأكاذيب أهمها أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعلاقته مع الإرهاب الدولي وبالتحديد مع تنظيم القاعدة ولحماية الشعب الأميركي من الخطر العراقي في الوقت الذي تملك فيه إسرائيل جميع أسلحة الدمار الشامل.

المواثيق الدولية تقر للشعوب حق اختيار النظام

لم يشكل العراق في يوم من الأيام خطراً على الولايات المتحدة وحتى عشية الحرب لم يعد يشكل خطراً على أحد بسبب الحصار الظالم الذي فرضته الأمم المتحدة لمدة 13 عاماً، وبسبب حرب الكويت والغارات الجوية الأميركية والبريطانية شبه اليومية منذ عام 1991 على المنشآت والمواقع العراقية.

إن العراق لم يعلن الحرب على الولايات المتحدة بل استجاب وحقق جميع المطالب والشروط المذلة التي كانت الإدارة الأميركية واليهود فيها يسوقونها لفرق التفتيش الدولية حتى إنهم فتشوا جميع القصور الجمهورية بما فيها غرف نوم الرئيس العراقي ودمروا آخر الصواريخ العراقية التي مداها (150) كم والمسموح بامتلاكها قبل شن الحرب العدوانية بتسع ساعات.

أن التذرع بتغيير النظام السياسي في العراق الذي لا يروق لإسرائيل وليهود أمريكا وللصهيونية العالمية، فهذه مشكلة من أخطر المشاكل في العلاقات الدولية، وتنسف الأسس التي استقر عليها التعامل الدولي بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتدمر أهم القواعد الآمرة في القانون الدولي ومنها: حق الشعوب والأمم في تقرير المصير واختيار الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

يتضمن ميثاق «حقوق الدول وواجباتها» الذي أقرته الأمم المتحدة في الدورة التاسعة والعشرين بتاريخ 29/12/1974 في المادة الأولى من الفصل الثاني «إن لكل دولة حق السيادة غير القابل للتصرف في اختيار نظامها الاقتصادي، فضلاً عن نظامها السياسي والاجتماعي والثقافي وفقاً لإرادة شعبها دون تدخل أو إكراه أو تهديد خارجي بأي شكل من الأشكال».

تؤكد هذه المادة التي أقرتها ووافقت عليها جميع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية عدم شرعية التدخل الأميركي العسكري في العراق وعدم شرعية تغيير نظامه السياسي وهويته العربية.

أما مسألة تحرير العراق التي أعلن عنها الرئيس بوش كذريعة من الذرائع الكاذبة لإشعال الحرب تظهر فكر وأساليب الرئيس بوش العفنة والوحشية، إذ لا يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة (150) ألفاً من جنودها والإبادة والتدمير لتحرير الشعب العراقي من نظامه، وبالتالي فإن المرء لا يمكن أن يصدق أن الرئيس بوش الابن المسيحي الصهيونيوالذي يكن العداء والكراهية والبغضاء للشعب الفلسطينيوللعرب والمسلمين، وللعروبة والإسلام ويدعم المجازر الجماعية والاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين العربية، والذي وصف السفاح شارون بـ «رجل سلام» يضحي بأرواح الأميركيين والأموال الأميركية من أجلتحريرالشعب العراقيللاطاحة بالنظام فيه.

عندما يعلن الرئيس بوش أن السفاح شارون «رجل سلام» في الوقت الذي تطالب فيه الشعوب في البلدان العربية والإسلامية والأوروبية بمحاكمته كمجرم حرب لارتكابه المجازر الجماعية في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس وفي غزة ورفح وخان يونس وصبرا وشاتيلا وقبية فإن هذا التصريح الأميركي يعني الاستخفاف بكل العرب والمسلمين وإهانة لمشاعرهم وتأييد أميركي مطلق للهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.

وأظهر هذا التصريح أن الرئيس بوش مجرد من أي مفهوم من مفاهيم الحق والعدالة والإنصاف، ومجرد من الحد الأدنى من الأخلاق والقيم الأخلاقية والحضارية والإنسانية والقانونية، وهو بالتالي شكل خطراً داهماً على جميع الشعوب والأمم في العالم بحكم موقعه كرئيس لأكبر وأقوى وأغنى دولة في التاريخ.

إنحاز الرئيس بوش انحيازاأعمى إلى حروب إسرائيل العدوانية ومجازرها الجماعية وممارستها للإرهاب والإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية، انحاز إلى لغة الحرب وسفك الدماء العربية وإلى بقاء المستعمرات اليهودية وتهويد القدس العربية بشطريها الغربي والشرقي، وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية لإرضاء اللوبيات اليهودية وإسرائيل.

الأمين العام للأمم المتحدة وعدم شرعية الحرب

فجر الأمين العام للأمم المتحدة في 16 أيلول 2004 قنبلة قانونية وأخلاقية انتظرها العالم منذ إشعال الحرب العدوانية على العراق في 20 آذار 2003 عندما أعلن في مقابلة مع الإذاعة البريطانية أن القرار الأميركي بغزو العراق كان غير شرعي.

لقد أخطأ الأمين العام للأمم المتحدة لمدة عام ونصف العام عندما سكت عن غزو العراق ولم يحدد موقف الأمم المتحدة انطلاقاً من الميثاق طبيعة هذه الحرب العدوانية، وعلى الرغم من هذا الخطأ وهذا التقصير في واجبه ينطوي تصريحه على أهمية قانونية وسياسية ودولية على درجة كبيرة من الأهمية. وللأسف لم يحدد الأمين العام للأمم المتحدة موقف المنظمة الدولية انطلاقاً من ميثاقها إلا بعد أن ظهر للعالم بأسره أن الأسباب التي تذرعت بها الولايات المتحدة لشن الحرب كانت واهية لا أساس لها من الصحة وبشكل خاص أكاذيب وزير الخارجية الأميركي أمام مجلس الأمن الدولي.

ويعني تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أن الولايات المتحدة انتهكت الميثاق ومبادئ القانون الدولي وشنت حرباً غير شرعية وغير قانونية وغير مبررة على بلد ضعيف ومحاصر ونفذَّ جميع القرارات الدولية.

وكان من تداعياتها نشر الإرهاب الصليبي والتكفيري والصهيوني في العالم.

 

تبعات عدم شرعية الحرب على العراق

تعني عدم شرعية الحرب على العراق حق الشعب العراقي انطلاقاً من مبادئ وقرارات محكمة نورنبيرغ الدولية التي حاكمت مجرمي الحرب النازيين، وأصبحت جزء لا يتجزأ من القانون الدولي الملزم بمحاكمة الرئيس بوش باعتباره كمجرم حرب والمطالبة بدفع التعويضات عن الخسائر البشرية والمادية التي ألحقتها الحرب الامريكية العدوانية بالعراق وبشعبه.

دافعت الحكومة البريطانية المجرمة عن الحرب العدوانية وأعلنت وزيرة التجارة والصناعة باتريتشاهيويت «أن الحرب كانت مشروعة وضرورية»، وأن أمريكا وبريطانيا تحركتا عسكرياً للدفاع عن إرادة الأمم المتحدة، مما يظهر بجلاء أن حكومة بلير وريثة حقيقية للاستعمار البريطاني وداعمة للحروب اليهودية والأميركية على العراق والمسلمين وتنتهك أهم مبادئ القانون الدوليوميثاق الامم المتحدة.

ووصلت غطرسة الرئيس بوش حداً بعد ثبوت خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل قال فيه: «إن الحرب حتى من دون أسلحة دمار شامل وعلاقة مع القاعدة كانت صحيحة وضرورية» وذلك إنطلاقا من معتقداته المسيحية الصهيونية.

ويعني هذا التصريح أن الولايات المتحدة استغلت ترويج الأكاذيب عن النظام العراقي لتضليل الكونغرس والشعب الأميركي وشعوب العالم ومجلس الأمن الدولي لتبرير الحرب على العرب والمسلمين ونهب النفط وخدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية.

هل يمكن لأي إنسان عاقل في العالم أن يصدق مزاعم الرئيس بوش الابن بأنه يريد تحرير العراق وجعله نموذجاً للديمقراطية في الشرق الأوسط، وكان من تداعيات الحرب انتشار الإرهاب في العالم وتقسيم العراق وظهور داعش والمجموعات التكفيرية الإرهابية الأخرى.

إن الحروب العدوانية على فلسطين وأفغانستان والعراق وسورية واليمن ولبنان وليبيا، والقوانين المعادية للإسلام وللإنسان العربي والمسلم التي أقرتها جميع الدول الغربية أدت إلى اندلاع هستيريا شعبية في البلدان الغربية معادية للإسلام وللعربي والمسلم حتى أصبح إحراق المساجد والاعتداء عليها وعلى العرب والمسلمين ومداهمة منازلهم من الأحداث شبه اليومية في العديد من البلدان الأوروبيةوامريكا.

وتترافق هذه الحملة العنصرية الهوجاء مع تصميم زعماء الدول الغربية ووزراء الداخلية فيها الإعلان عن عزمهم على صناعة «إسلام أوروبي» و«إسلام أميركي» خدمة لمصالح أمريكا وإسرائيل بمساعدة ودعم آل سعود وثاني ونهيان.

ومن المؤلم حقاً أن حكام الخليج والطاغية المخلوع مبارك ساعدوا الحرب الأميركية على العراق ويساعدون الحروب الأميركيةوالاسرائيلية على سورية واليمن وليبيا وعلى العروبة والإسلام ويساهمون فيها مما ينذر بأوخم العواقب للمنطقة إذا استمر الدعم السعودي والقطري والإماراتي للتدخل الخارجي الأميركي في شؤون الشعوب والبلدان العربية والإسلامية، وبالمقابل لا بد من الدفاع عن حقوقنا الوطنية والقومية والدينية وعن سيادتنا وكرامتنا وثرواتنا وثقافتنا وهويتنا العربية والإسلامية في مواجهة الحروب الأمريكية والإسرائيلية ومساعيهم في إنجاح الحل الامريكي- الإسرائيلي لقضية فلسطين بتهويد القدس وشطب حق عودة اللاجئين وتمرير صفقة القرن.