الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في يوم المياه العالمي / 22 اذار ألأمم المتحدة تحث دول العالم على المزيد من التعاون والشراكة في مجال المياه والفلسطينيون ما زالوا يراهنون على سراب المفاوضات ووهم التعاون ألأسرائيلي/ اعداد المهندس فضل كعوش

 الرئيس السابق لسلطة المياه الرئيس السابق للجنة المفاوضات حول المياه
مناسبة هذا اليوم ، يوم المياه العالمي ، ليست للأحتفال وتبادل التهاني ، بل هي مناسبة للتنبه والمزيد من الحذر، وتجديد الدعوة لتعزيز وتطوير أوجه التعاون والشراكة الفعلية ، بين دول وشعوب العالم ، وتبادل ألأفكار وألأراء والمعلومات والبحوث العلمية لمواجه المخاطر والتحديات الحقيقية ، التي باتت تشكل هاجسا كبيرا يتتهدد أهم ما يمتلكه ألأنسان على كوب ألأرض ، وهي مصادر المياه العذبة ، عنصر الحياة وأساس البقاء ، وقد تكون المياه ايضا سببا من اسباب الدمار والفناء في حالة هدر وإستنزاف وتلويث مصادرها ، ويبقى ألأمر دائما وأبدا لمشيئة الخالق وحده ، كما جاء في كتابه الكريم قوله تعالى في سورة ألمأمون (18) : {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖوَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} . لهذه ألآية الكريمة معاني عظيمة ، تلخص كل ما كتب ونشرعن ترشيد أوجه إستخدامات المياه والحفاظ على مصادر المياه العذبة ، لأنها نعمة عظيمة مَنَّ الله تعالى بها على الانسان ، فالماء العذب أعظم صدقة ورحمة الله على خلقه ، فحيث وجد الماء وجدت الحياة ، فالبلاد التي لا ماء فيها لا حياة فيها . ولهذه نزلت هذه ألآية الكريمة ، لتحذر بني ألأنسان من سوء إستخدام المياه ومن التبذير والهدر والتلويث ، لأن خالقها وباعثها قادرعلى ذهابها إن لم يحسن ألأنسان إستخدامها وإن لم يشكر العباد ربهم على هذه النعمة ، باالتقوى والعمل النافع ومخافة الله ، لا بالقول فحسب . كما ان الحديث الشريف لرسول الله ، صلوات الله عليه ، تناول أهم الجوانب المتعلقة بترشيد أوجه إستخدام المياه وتحريم الهدر والسرف : رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ ) . ولكن يبدو ان ألأنسان قد ضل الطريق الى ألأيمان بالله عز وجل فيما وهبه وإعطاه ربه من نعم ليحيا، فخرج عن طريق طاعته ، وأساء الحفاظ على تلك النعم العظيمة ، ومنها المياه والبيئة النظيفة ، فأفسد نظامها الذي خلقه خالق الكون ، ولهذا تقول ألآية الكريمة "وإنا على ذهاب به لقادرون" ، وهو ما يكفي لتفسير طبيعة المخاطر والتحديات التي اصبحت تواجه مصادر المياه العذبة وتتهدد نضوبها وتلوثها ودمارها كاملة . ولهذا تناشد ألأمم المتحدة في هذا اليوم ، يوم المياه العالمي ، كافة دول العالم في تحمل المسؤولية وألتعاون والعمل المشترك ، في التصدي للمخاطر الحقيقية التي تواجه مصادر المياه العذبة . فالتحديات كبيرة وقد اصبحت تتسع وتتزايد ظواهرها وابعادها ، نتيجة للعديد من ألأسباب ، وفي طليعتها التأثيرات السلبية المباشرة لظاهرة التغير المناخي المتفاقمة ، وألأنحباس الحراري وألأرتفاع العالي في المعدلات السنوية لدرجات الحرارة المصاحبة لتلك التغيرات ، الى جانب الضغط المتزايد على مصادر المياه العذبة ، وخاصة ما اصبحت تتعرض له ألأحواض المائية الجوفية من حالات إستنزاف قصوي في العديد من دول العالم ، نتيجة للنمو الهائل في عدد السكان وتوسع المدن الكبرى والمناطق الحضرية وزيادة النشاطات الصناعية والزراعية ، وما يتوازى مع ذلك من زيادة في الطلب على المياه العذبة ، يضاف الى هذين البعدين مخاطر زيادة مصادر التلوث ، في كافة أشكالها وأنواعها ، العضوية وغير العضوية ، والتأثير السلبي الكبير على نوعية المياه ، وعلى مكونات البيئة المائية وأحواضها السطحية والجوفية على السواء ، كما ان النزاعات بين العديد من الدول ، حول أحواض المياه المشتركة ، اصبحت هي ألأخرى ، تشكل جوانب ضغط اضافية لأزمات المياه والمشاكل ألأجتماعية والصحية وألأقتصادية المترتبة عن تلك ألأوضاع ، وخاصة ظاهرة الفقر المائي ، ألآخذة في ألأتساع الكبير والسريع ، في أكثر من 65 % من دول العالم . في ظل تزايد هذا القلق المصاحب للتحذيرات الشديدة لخبراء المياه والبيئة في العالم ، سارعت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، للتحرك وتبني قرارا ، بأعتماد يوم 22 اذار من كل عام ليكون يوم المياه العالمي ولنقل يوم لقرع أجراس الخطر ، وتوجيه إنتباه دول وشعوب العالم الى اهمية هذا ألأمر والى طبيعة وأبعاد المخاطر، التي أصبحت تتهدد مصادر المياه العذبة المتاحة التي لا تقدر قيمتها البالغة بأي ثمن ، وقد اصبح هذا اليوم يحمل في كل عام رسالة جديدة تتعلق بترشيد أوجه إستخدامات المياه ، والحث على صون وحماية أحواض وأنظمة المياه ومصادرها الطبيعية من مخاطر ألأستنزاف والنضوب والتلوث . رسالة هذا العام 2013 تحمل شعار التعاون في مجال المياه ، ولهذه الرسالة معانيها ألأدبية وألأخلاقية ، لمدى ألألتزام الدولي بمرجعيات القانون الدولي والقانون ألأنساني ، تجاه قضايا المياه في كافة جوانبها الهيدروسياسية والبيئية والأقتصادية ، وعلى رأسها قضايا حقوق ألأخرين ، وقضايا التعاون بين الدول للحفاظ على مصادر المياه العذبة من مخاطر ألأستنزاف والتلوث والعمل على ضمان إستدامتها . يحمل هذا الشعار رسائل هامة لدول وشعوب العالم اجمع ، للتأكيد مجددا ، على ان التعاون الحقيقي في مجال المياه ضروري وهو مطلب أخلاقي بالدرجة ألأولى ، يقود الى تحقيق فوائد كبرى لمصلحة الجميع ، أهمها العمل المشترك على تجنبيب البشرية كوارث العطش والجفاف والتلوث ، وإنتشار ألأمراض ، كما يعزز ويقوي من فرص السلام وألأستقرار ويحقق التنمية المستدامة والنمو ألأقتصادي ومواجهة ظاهرة الفقر والجوع ، وحماية النظام البيئي وضمان سلامة النظام ألأيكولوجي ، والحد من إتساع مناطق التصحر ، وغير ذلك من ألأهداف التي حددتها برامج ألأمم المتحدة المتتالية وعلى كافة المستويات عبر المؤتمرات والندوات الدولية ، وفي جميع المناسبات وخاصة مناسبات يوم المياه العالمي . وفي هذا ألأطار وفي ضوء المخاوف المتزايدة بشأن مصادر المياه العذبة ، يشهد العالم منذ أكثر من ثلاثة عقود ، العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات على كافة المستويات الحكومية وغير الحكومية ، تركزت جميعها حول أهمية التعاون في التطوير المؤسسي والمهني ، لتحقيق التعاون الفعال ، من خلال ألتعاون والعمل المشترك لآدارة وحماية أنظمة أحواض ومجاري المياه الدولية ، وحث وتشجيع الدول المتشاطئة لتطوير وتوحيد العمل والجهد المشترك من خلال إبرام إتفاقيات للتعاون وفق المباديء وألتوجهيات التي وضعت في إطار القوانين والقرارات والتوصيات والندءات والبيانات التي تم التوصل الى صياغات حكيمة بشأنها من خلال تلك الفعاليات والنشاطات التي عقدت لهذا الغرض ، ومن اهم تلك المبادرات والتوجهات نذكر على سبيل المثال لا الحصر ، ما صدر مبكرا عن معهد القانون الدولي بما سمي إعلان مدريد بشأن إستخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية ، إعلان قواعد هلسنكي والتي تركزت حول معايير تقاسم المياه ، وفق مبدأ ألأستخدام المنصف للموارد المائية الدولية المشتركة وألألتزام بعدم التسبب في الضرر الملموس ، التصريحات الدولية لعام 1972 الصادرة عن مؤتمر ألأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية ، وألأعلانات الدولية لعام 1977 والقرارات التي تضمنها بيان دبلن والمنتدى العالمي للمياه عام 2000 ، وألأهم من كل ما اشرنا اليه ألأتفاقية الدولية التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997 والتي تضمنت في مادتها الخامسة مبدأ ألأنتفاع المنصف والمعقول وألألتزام بعدم التسبب بالضرر الجسيم ، يضاف الى ما تقدم مصادر قانون المياه الدولي وهي مصادرالقانون الدولي التي حددتها المادة 38 من النظام ألأساسي لمحكمة العدل الدولية نفسها ، والمتمثلة بالمعاهدات العامة والخاصة والعرف الدولي والمبادئ العامة للقانون الدولي وأهمها مبداء ألأستخدام المنصف والمعقول لمصادر المياه المشتركة مدعما بالأحكام القضائية والفقه الدولي، ومن ضمنها ألأحكام القضائية الصادرة عن محكمة العدل الدولية والأجراءات التحكيمية بشأن العديد من حالات النزاع الدولية المتعلقه بالمجاري المائية المشتركة وألنصوص ألتشريعية وأحكام المعاهدات الخاصة بأستخدام الأنهار الدولية لغير الملاحة وتقع في اكثر من 300 معاهدة دولية وتعتبر بمثابة مراجع قانونية هامة جدا، يتم الأستناد اليها في النزاعت حول المياه الدولية ، خاصة وأن القانون ألدولي الأتفاقي أي المبني على النصوص الواردة ضمن الأتفاقيات الدولية غير ملزم وغير كاف نظرا لقلة عدد الدول الموقعة عل تلك الأتفاقيات،وفي مقدمة تلك الدول اسرائيل التي رفضت التوقيع على كافة الأتفاقيات الدولية بشِان المجاري المائية المشتركة ومن ضمنها ألأتفاقية الأخيرة لعام 1997. كما ان منظمات وهيئات حكومية وغير حكومية تعمل في مجال المياه ، بادرت وأصدرت إعلانات وبيانات ودراسات عديدة ، واسعة النطاق تحث المسؤولين والمتخصصين في مجال المياه والبيئة المائية ، في كافة دول العالم ، على إتخاذ ألأجراءات والترتيبات الصارمة والحازمة لدرء الخطر وإتخاذ كل ما يمكن من إجراءات عملية ، لحماية مصادر المياه العذبة من مخاطر األأستنزاف والتلوث وعلى رأس تلك الجهات المنظمات التابعة للأمم المتحدة ، المجلس العالمي للمياه ، المجلس ألأوروبي لحماية البيئة ، منظمة التعاون ألأقتصادي والتنمية ، الجماعة ألأنمائية للجنوب ألأفريقي ، العديد من المنظمات ألأوروبية وغيرها . هناك تطورات هامة جدا حدثت في مجال التعاون بين الدول المتشاطئة للأنهار الدولية ، فرضتها المصالح المشتركة ، مدفوعة ومعززة بالحكمة السياسية لقادة تلك الدول، اللذين إهتدوا الى الحكمة السياسية وألأخلاقية وإلتزموا بالمباديء التي يقوم عليها القانون الدولي ، وللنداءات وألأعلانات الصادرة عن المؤسسات الدولية ، حيث سارعت دولهم الى إبرام إتفاقيات تعاون وألأمتناع عن الضرر في كل ما يهم المصلحة المشتركة مع دول الحوض الواحد ، إشتملت على التقاسم المنصف والمعقول لموارد المياه العذبة ، وبذلك نجحت تلك الدول من خلال إتفاقيات التعاون فيما بينها في تحقيق فوائد مشتركة بدلا من الصراعات والخلافات والحروب التي ليست في مصلحة احد . لقد قدمت ألأمم المتحدة قانون إتفاقية إستخدام المجاري الدولية لغير الملاحة لعام 1997 كمرجعية قانونية وأخلاقية وأدبية لدول العالم المتشاطئة في مجاري مياه دولية مشتركة ، حيث أكدت هذه ألأتفاقية على مباديء عدة ، إستقرت عليها ألأتفاقيات الدولية وألأعراف ، وهي تتجلى بمبدأ ألأستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة المرتبط بمبدأ ألألتزام العام بالتعاون بين الدول ، حيث ان ألأنتفاع العادل والمنصف يلزم الدول المشتركة في مجرى مائي دولي بأستخدامه وتطويره وحمايته بطريقة عادلة ومعقولة وان تفعل ذلك بروح التعاون الحقيقي ، كذلك فأن مبدأ عدم الحاق الضرر ومبدأ واجب ألأخطار يعتبران من المباديء المستقرة في مجال ادارة وحماية ، وهما مبدأن مرتبطان إخلاقيا وقانونيا ، , حيث يتوجب على جميع ألأطراف المتشاطئة ألا تلحق ضررا بحقوق ألأخرين . هذه هي ألأسس والمباديء والمفاهيم ألأخلاقية والقانونية للتعاون بين الدول في مجال المياه وخاصة ما يتعلق بمجاري ألأحواض المائية المشتركة والتي أرتكزت عليها مؤسسات منظمة الأمم المتحدة ، ومعظم دول العالم ، لفض النزاعات وتوحيد الجهود وتبادل المعلومات والخبرة والمعرفة في مواجهة المخاطر التي تهدد مصادر المياه والبيئة المائية . تعاون يقوم على مرجعيات ومباديء القانون الدولي كأساس وخاصة مبدأ ألأحترام المتبادل ومبدأ المصالح المشتركة في مواجهة الخطر وفي تحقيق الفوائد المرجوة . اما فلسطينيا ففي هذا اليوم ، يوم المياه العالمي ، أسئلة عديدة تفرض حالة الوضع المائي الفلسطيني الحرج جدا طرحها في هذه المناسبة العالمية الهامة .... • ماذا حقق الفلسطينيون من خلال الرهان على برامج التعاون مع الأسرائيليين في مجال المياه خلال المراحل التي مرت بها عملية السلام على مدى اكثر من 20 عاما ، وحتى يومنا هذا ...؟ • وهل التعاون مع ألأسرائيليين طيلة ال20 عاما الماضية قد أعاد للفلسطينيين ولو ليترا واحدا من حقوقهم المائية المنهوبة بأكملها ...؟ • وهل ساهم التعاون الفلسطيني ألأسرائيلي في تخفيف أزمات العطش والمعاناة لدى الفلسطينيين خلال ال20 عاما الماضية ....؟ • وما هو نوع التعاون الذي يسعى ألأسرائيليون الى فرضه على الفلسطينيين في هذا المجال ، هل هو تعاون المصلحة المشتركة المبني على إحترام كل طرف لحقوق الطرف ألأخر... وهو أمر مستبعد جدا من الفكر الصهيوني ، حسب ما اثبتته المراحل السابقة للعملية التفاوضية وألمواقف ألأسرائيلية المتشددة التي طرحت أثناءها ، ام انه تعاون من أجل المصالح ألأسرائيلية العليا ، وفي مجالات محددة ، تركزت فقط على قضايا التطبيع والتعاون ، من خلال ما عرف بلجان المفاوضات التطبيعية ، والتي تضم لجنة شعب لشعب ولجنة ثقافة السلام ، ولجنة وقف التحريض ولجنة البنية التحتية ، ولجنة القوانين ولجنة الصحة ولجنة الزراعة ولجنة البيئة وما شابه ذلك ، والعمل والضغط من قبل الأسرائيليين على تحقيق تقدم سريع على مسار هذه اللجان ، وإدارة ظهرهم ، لقضايا الوضع الدائم ، وعلى رأسها ملف القدس وملف اللاجئين وملف المياه وملف ألأراضي والحدود والمستوطنات . بعد أكثر من 20 عاما من الدروس التفاوضية المكتسبة ، هل ما زال الفلسطينيون يراهنون على وهم التعاون مع الأسرائيليين، في مجال المياه وهل ما زالوا يأملون في إستعادة حقوقهم المائية من خلال ما يسمى بمفاوضات الوضع الدائم .....؟؟ الدروس التفاوضية المكتسبة اثبتت ان التعاون الذي سعى ويسعى الى تحقيقه ألأسرائيليون ، وكما بدى وظهر وثبت من خلال الترجمة العملية للمواقف والممارسات ألأسرائيلية على أرض الواقع ، خلال السنوات ال 20 الماضية كما أسلفنا ، هو تعاون من نوع أخر، يقع خارج كل المفاهيم الدولية للمباديء وألأسس ألقانونية وألأخلاقية وألأنسانية ، التي يقوم عليها التعاون الحقيقي المبني على ألأحترام المتبادل ، انه التعاون القائم على عدم المساس بالمصالح ألأسرائيلية العليا المعززة بعلقية التسلط والقوة والغطرسة في فرض سياسة التطبيع والتركيع والتبعية القاهرة للطرف ألأسرائيلي المغتصب للأرض ولحقوق وإرادة الشعب الفلسطيني ، في كل المجالات والى ألأبد.... انه التعاون ألأسرائيلي المخالف لكل ألأسس والمباديء التي قامت على أساسها عملية السلام . في كلمة ألأفتتاح لمؤتمر السلام في مدريد عام 1991 شدد وزير الخارجية ألأسباني انذاك ، السيد فيليب جونز اليز ، في كلمته امام المشاركين في المؤتمر ، بأن امام إسرائيل فرصة تاريخية ، ستدخل من خلالها في علاقات جديدة مع العرب وخاصة مع جيرانهم الفلسطينيين ، قائمة على ألأحترام المتبادل والتعاون الواسع لفائدة كافة شعوب المنطقة . أي ان احد اهم الركائز التي قامت عليها عملية السلام التي إنطقلت في مدريد ، هي التعاون المبني على ألأحترام المتبادل ، وخاصة إحترام كل طرف لحقوق الطرف ألأخر، وهو ما أكد عليه وزير خارجية إسبانيا ، ومعه غالبية المسؤولين الكبار اللذين تحدثوا في جلسات ألأفتتاح . كما ان اتفاقية إعلان المباديء الموقعة من قبل الطرفين عام 1993 ، إرتكزت وبشكل رئيسي على محاور التأسيس لبناء علاقات ووضع الترتيبات العملية ، للتعاون المشترك بين الجانبين الفلسطيني وألأسرائيلي وفي كافة الجوانب ، والمبني فقط على ألأحترام المتبادل . وعلى المسار الثنائي لعملية السلام ، ُنذَكِرْ بما نصت عليه المادة أل40 من اتفاقية طابا المرحلية للعام 1995 ، بأعتراف الجانب ألأسرائيلي بمسألة حقوق المياه للفلسطينيين ، وألألتزام بالتعاون مع الجانب الفلسطيني من خلال لجنة المياه المشتركة ، التي شكلت وفق هذه المادة ، وحددت طبيعة مهامها وصلاحياتها ، والتي يرتكز بألأساس على مبدأ التعاون بين الجانبين ، لتنفيذ ما تضمنته إتفاقية المياه المرحلية ، وخاصة ما يخص تسهيل وتوفير كميات إضافية من المياه للجانب الفللسطيني خلال فترة المرحلة ألأنتقالية 1995-1999 ، وبمعدل 80 مليون متر مكعب في السنة ، بألأضافة الى التعاون في ألأمور المتعلقة بمجال تصريف ومعالجة مياه المجاري ، الى حين التوصل الى اتفاق نهائي حول المياه في إطار مفاوضات الوضع الدائم . ألألتزام بالمباديء وألأسس التي قامت على أساسها عملية السلام وخاصة مبدأ التعاون القائم على ألأحترام المتبادل ، وهو ما كان ينتظره الفلسطينيون من الجانب ألأسرائيلي في تنفيذ ما نصت عليه ألأتفاقية المرحلية أعلاه ، بشأن المياه والمجاري ، في إطار لجنة المياه المشتركة ، وخاصة ما يتعلق بتسهيل حفر ابار جديدة لأغراض الشرب في كافة مناطق الضفة الغربية ، لسد العجز الكبير في نقص المياه وتخفيف حدة وأبعاد أزمات المياه المتفاقمة سنة بعد سنة ، لدى الفلسطينيين كما ونوعا ، وفي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء . إلا ان ألأسرائيليين لم يلتزموا لا بالمباديء التي قامت على أساسها عملية ألسلام ، ولا بما نصت عليه إتفاقية إعلان المباديء بشأن أسس التعاون ، ولا أيضا بما تضمنته المادة ألأربعون من إتفاقية طابا المرحلية لعام 1995 ، ولا بمرجعيات القانون الدولي ولا القانون ألأنساني ، ولا بأي شكل من إشكال التعاون المبني على حسن النوايا ، وألأحترام المتبادل المفترض تطبيقه . في يوم المياه العالمي للعام 2013 الذي يحيه العالم تحت شعار التعاون الدولي في مجال المياه ، في هذه المناسبة يجدر بنا ان نراجع ونقييم ، ملفات التعاون في مجال المياه على مدى ال 20 سنة الماضية ، منذ بدء عمل لجنة الميا المشتركة في بداية العام 1996 ، إستنادا الى محاضر هذه اللجنة التي أنشأت خصيصا لتفعيل التعاون الفلسطيني ألأسرائيلي المشترك في مجال المياه ، وخاصة ما يتعلق بالحلول العاجلة ، لمعالجة الوضع المائي الحرج والصعب جدا لدى الفلسطينيين ، شركاء الأسرائيليين في عملية السلام ، ملفات ومحاضر هذه اللجنة ، تثبت بأن الفلسطينيين قد خدعوا بالعبارات والمفردات التي تصدرت ألأتفاقيات التي تم التوصل اليها في إطارعملية السلام بشأن التعاون الوهمي ، فألأتفاقيات والمعاهدات الموقعة ، وما تلاها من خطب و بروتوكولات وملاحق ، تقول شيء والممارسات الأسرائيلية على أرض الواقع شيء أخر . منذ بدء عمل لجنة المياه المشتركة في بداية العام 1996 وحتى العام 2008 قدم الجانب الفلسطيني لهذه اللجنة ، عددا كبيرا من ملفات هامة جدا تتعلق بمشاريع مياه ومجاري مركزية ، من ضمنها وأهمها حوالي 216 ملفا تتعلق بمشاريع حفر وصيانة أبار لمياه الشرب والزراعة ، موزعة حسب توزيع المحافظات ووفق ألأحتياجات المائية لمناطق الضفة الغربية ، لم تتم الموافقة من قبل الأسرائيليين ، سوى على عدد محدود جدا من تلك المشاريع قد لا تتجاوز 24 مشروعا ، تقع معظمها في مناطق الحوض الشرقي في محافظي بيت لحم والخليل وتحديدا في مناطق بطن الغول ويطا وبني نعيم ، وعددا قليلاً جدا في الحوض الشمالي الشرقي ، لا يتجاوز عددها ال8 ابار ، بينما لم يتتم الموافقة على اي مشروع في الحوض الغربي بالمطلق ، علما بأن هذا الحوض أي الحوض الغربي ، هو أكبر وأهم ألأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية ، تصل طاقته السنوية المتجددة الى حوالي 400 مليون متر مكعب في السنة ، إلا ان اجمالي ما يحصل عليه الفلسطينيون فعليا من هذا الحوض لم يعد يتجاوز 12 مليون متر مكعب ، بعد بناء جدار الفصل العنصري وبعد قيام الجيش ألأسرائيلي بتدمير أو إغلاق العديد من الأبار الزراعية الواقعة غرب وشرق الجدار ، لأسباب أمنية حسب ألأدعاء ألأسرائيلي ، أي ان ما يحصل عليه الفلسطينيون من هذا الحوض لا يتجاوز حاليا نسبة 3% فقط من إجمالي طاقتة السنوية المتجددة . مع التذكير ايضا ، بأن ما يحصل عليه الفلسطينيون من الحوض الشمالي الشرقي ، لا يتعدى 45 مليون متر مكعب من مجموع طاقة هذا الحوض والمقدرة بحوالي 145 مليون متر مكعب ، أي دائما أقل من 30% من الطاقة ألأجمالية . وبأجمال ما يحصل عليه الفلسطينيون من ألأحواض الرئيسية الثلاثة ، وهي المصادر المائية الوحيدة المتاحة للفلسطينيين ، وتشمل الحوض الشرقي والحوض الشمالي الشرقي والحوض الغربي وتقدرطاقتها ألأجمالية السنوية المتجددة ، بحوالي 750 مليون متر مكعب ، ما يحصل عليه الفلسطينيون حاليا وفعليا من هذه ألأحواض ألثلاثة لا يتعدى 110 مليون متر مكعب ، أي أقل من 15% من الطاقة ألأجمالية للأحواض الثلاثة مجتمعة ، وهي أحواض فلسطينية نسبة 95% من مصادر تغذيتها تقع داخل حدود الضفة الغربية . يضاف الى ذلك حرمان الفلسطينيين من حصتهم في مياه حوض نهر ألأردن منذ العام 1967 والمقدرة بحوالي 220 مليون متر مكعب في السنة . نشير ايضا الى ان الفلسطينيين يحصلون ، على كميات إضافية من المياه يتم شراءها من خلال شركة ألمياه ألأسرائيلية ، المعروفة بأسم " شركة ميكوروت " يقدر حجمها بحوالي44 مليون متر مكعب في السنة ، بعدل 3.6 شيكل ، او ما يقارب الدولار للمتر المكعب الواحد، بذلك تكون حصيلة ما هو متاح من المياه للفلسطينيين في الضفة الغربي من كافة المصادر ، حوالي 154 مليون متر مكعب ، تشكل نسبة تقل عن 15% من مجموع طاقة ألأحواض الجوفية ، مضافا اليها حصة الفلسطينيين في مياه حوض نهر ألأردن . أي ان نصيب المواطن الفلسطيني الواحد من المياه المتاحاة لأغراض الشرب في الضفة الغربية لا يتجاوز 70 ليترا في اليوم ، يقابل ذلك 440 ليترا للفرد الواحد في إسرائيل و800 ليتر للفرد الواحد في المستعمرات ألأسرائيلية ، اما ما هو متاح للفلسطينيين من المياه لكافة أنواع الأستخدامات ، وهي الأستخدامات المنزلية والشرب وألأستخدامات ألصناعية وألأستخدامات الزراعية ، لا يتعدى حاليا 52 مترا مكعبا في السنة ، يقابل ذلك 450 مترا مكعبا للفرد الواحد في إسرائيل ، وأكثر من 650 مترا مكعبا للفر الواحد في المستعمرات ألأسرائيلية . اما باقي المشاريع فقد رفضت من قبل ألجانب ألأسرائيلي لأسباب أمنية وهيدرولوجية حسب ألأدعاءات والتبريرات ألأسرائيلية الملفقة والمبنية دائما على سياسة العرقلة والتنكر للحقوق المائية الفلسطينية ، لضمان استمرار الهيمنة وممارسات النهب للمياه الفلسطينية . وعلى سبيل المثال لا الحصر هنا ، نذكر بعض الملفات التي رفضت من قبل لجنة المياه المشتركة وأسباب رفضها : • ملف لحفر مجموعة أبار لآغراض الشرب في منطقة بطن الغول، جنوب شرق بيت لحم ( تقع هذه ألأبار في الحوض الشرقي) : رفض عدد كبير من المشاريع التي تضمنها هذا الملف بحجة ان مواقع الأبار المقترحة ، قريبة من الطرق المؤدية الى بعض المستعمرات ألأسرائيلية في تلك المنطقة ، وبالتالي فأن الرفض جاء من الجيش ألأسرائيلي ولدواعي أمن المستعمرات وسكانها . • ملف لحفر عدد من ألأبار في منطقة جنين وطولكرم وقلقيلية ( تقع هذه ألأبار في الحوضين الشمالي الشرقي والغربي ) : رفض هذا الملف بأكمله ، لأسباب هيدرولوجية كما يدعون ، بحجة ان ألأبار المقترحة ستؤثر على الأبار والينابيع الأسرائيلية داخل الخط ألأخضر في مناطق بيسان وسهل مرج ابن عامر وفي المناطق الممتدة غربا مع المحافظات الثلاثة قرية سالم شمالا وحتى اللطرون جنوب غرب القدس . وهي إدعاءات باطلة وغير صحيحة بالمطلق لا من النواحي العلمية ولا من النواحي القانونية . • بناء محطات معالجة لمياه المجاري لمعظم المدن الفلسطينية الكبرى منها : الخليل ، سلفيت ، نابلس ، قلقيلية وطولكرم : رفضت هذه المشاريع ، بحجة ان بعضها يؤثر على المناطق ألأسرائيلية المجاورة لها من داخل الخط ألأخضر ، وبحجج ثانية ان على الفلسطينيين إستيعاب مياه المجاري من المستعمرات ألأسرائيلية القريبة من تلك المحطات ، مثل محطة مجاري مدينة نابلس الواقعة بالقرب من بلدة دير شرف ومحطة مجاري سلفيت ، ومحطة مجاري قلقيلية ، بألأضافة الى مشروع محطة مجاري منطقة وادي النار . حاول ألأسرائيليون من خلال فرض هذا ألأمر على الفلسطينيين ، لتحقيق غايات وأهداف سياسية تتعلق بأعتراف الفلسطينيين بالوضع القائم للمستعمرات ألأسرائيلية القريبة من مناطق المدن الفلسطينية الكبرى المشار اليها اعلاه . للتنويه هنا بأن ملفات هذه المشاريع قدمت الى اللجنة المشتركة خلال فترة العامين 1998 ، 1999 وإستمر النقاش حولها الى ما بعد العام 2008 . نتيجة للنهج المتشدد ولسياسة الرفض والعرقلة المتعمدة والسلبية في التعامل ، التي انتهجها الجانب ألأسرائيلي ، تجاه المشاريع الفلسطينية ، التي قدمت الى لجنة المياه المشتركة ، منذ العام 1996 ، لذلك لم يتمكن الفلسطينيون من تنفيذ غالبية مشاريع حفر ألأبار ، للحصول على حاجتهم من المياه ، وإن كل ما تمكنوا من الحصول عليه خلال الفترة 1996- 2008 لم يتجاوز فعليا أكثر من 36 مليون متر مكعب ، وفي نفس الوقت ، فقد الفلسطينيون ما يقارب 32 مليون متر مكعب ، من تصريف العديد من الينابيع الرئيسية ومن ضمنها ينابيع الفارعة ، فصايل ، العوجة وغيرها ، والتي تراجع تصريفها بشكل حاد او جفت بشكل كامل ، بسبب ظاهرة التغير المناخي وإنحباس ألأمطار من جهة ، وألأستنزاف المستمر من خلال الأبار ألأسرائيلية للطبقات المائية الجوفية التي تتغذى منها تلك الينابيع من جهة أخرى ، كما ان العديد من ألأبار الزراعية قد تراجع تصريفها أيضا ، الى اقل من النصف او جفت تماما لنفس ألأسباب أعلاه ، اوتوقفت عن ألعمل بسبب أعطال مختلفة حصلت ، ورفض طلب إعادة إصلا حها ، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أية مكاسب للفلسطينيين ، في إطار مساعي عملية السلام على مدى ال20 عاما الماضية ، وحتى منتصف العام 2008 . ولا نعتقد بأن الفلسطينيين قد حصلوا على كميات إضافية من المياه خلال الفترة ما بعد 2008 وحتى ألأن . وما بات يخشاه الفلسطينييون، ان يفقدوا خلال السنوات القادمة ، المزيد مما تبقى لديهم من المياه ، لنفس ألأسباب أعلاه وهي ظاهرة التغير المناخي ، وإسمترار عمليات ألأستنزاف ألأسرائيلي لمصادر المياه الفلسطينية الجوفية . أي بخلاصة شديدة ، فأن الوضع المائي الفلسطيني ، كان قبل العام 1967 أفضل بكثير مما هو عليه اليوم ، او مما سيكون عليه غدا ، في حالة إستمرار النهب والسيطرة والتحكم ألأسرائيلي لحقوق ومصادر المياه الفلسطينية . نشير هنا الى ان كافة مشاريع المياه والمجاري التي قدمت الى لجنة المياه المشتركة ، كانت من ضمن البرامج الممولة من قبل الدول والجهات المانحة ، وقد تكون تقديرات ألأموال التي خصصت لها تتجاوز قيمتها 800 مليون دولار ، فقدها الشعب الفلسطيني الذي كان ولا زال بأمس الحاجة لتلك المساعدات ، لأستكمال إعادة البناء والتطوير للبنية التحتية ، لقطاعيين حيويين وهامين جدا ، هما قطاع المياه وقطاع الصرف الصحي ، حيث تم إلغاء العديد من تلك المشاريع المركزية ، وتجميد وتأجيل البعض ألأخر. والسبب في كل ذلك يعود الى سياسة الرفض الأسرائيلي لتلك المشاريع ، وعلى كافة المستويات السياسية ممثلة بالحكومة ألأسرائيلية ، وألأمنية ممثلة بما يسمى بمكاتب التنسيق للأدارة المدنية والفنية ممثلة بلجنة المياه المشتركة وسلطة المياه الأسرائيلية . خلاصة ما نريد قوله في هذا الصدد ، ان حصيلة ما حققه الفلسطينيون من التعاون الذي كانوا ينشدونه من خلال ألأتفاقيات والبروتوكولات والتفاهمات والخطب وكافة الصيغ التي تم التوصل اليها خلال المراحل ألأولى والمرحلية لعملية السلام مع الجانب ألأسرائيلي ، هي حصيلة ألأنجاز الوهمي غير الموجود بالمطلق على أرض الواقع بالنسبة لقضايا المياه والمجاري ، منذ بدء تنفيذ اتفاقية المرحلة ألأنتقالية وحتى العام 2008 كما اشرنا . هذه نتائج التعاون المتفق حوله في إطار آليات التعاون التي تضمنتها ألأتفاقيات والتعهدات المبرمة والموقعة والمعلنة من قبل الطرفين ، اما على الصعيد التفاوضي ، فألأمر قد يكون أكثر وضوحا وفق المواقف التفاوضية المعلنة والتي طرحت من قبل ألأسرائيليين على طاولة المفاوضات بشأن حقوق المياه الفلسطينية وبشأن مجالات وأوجه التعاون ، ودائما فق المفهوم ألأسرائيلي للتعاون في مجال المياه . ففي ألأجتماع ألأول لما عرف بمجموعة العمل حول المياه ، وهي المجموعة الخامسة ضمن مجموعات المسار التفاوضي متعدد ألأطراف ، في هذا ألأجتماع ، الذي عقد في العاصمة النمساوية "فيينا" عام 1993 ، أعلن يومها رئيس الوفد ألأسرائيلي السيد كاتز عوز ، بأن إسرائيل على إستعداد تام للتعاون مع الفلسطينيين ومع كافة دول المنطقة من جيرانها العرب في مجال المياه ، وخاصة في مجال تطوير مصادر مياه جديدة غير تقليدية ، وفي مقدمتها تحلية مياه البحر وإستيراد المياه من تركيا واليونان وغيرهما ، وتطبيق تقنيات استمطار الغيوم وما شابه ذلك ، وذلك لمصلحة كافة شعوب المنطقة ، مضيفا بأن إسرائيل لن تتفاوض على مياه مستخدمة من قبل ألأسرائيليين ، لأن إسرائيل ودائما حسب كلام رئيس الوفد ألأسرائيلي كاتز عوز ، تواجه نقصا شديدا في مصادر المياه ، ولن يكون بأمكانها التنازل عن ليترا واحد من مواردها المائية المستخدمة بأكملها لصالح الفلسطينيين او غيرهم . هذا الموقف ألأسرائيلي المتشدد الذي جاء في كلمة ألأفتتاح لمجموعة العمل حول المياه في "فيينا" ، تجاه حقوق الفلسطينيين الثابتة في أحواض المياه الجوفية المتركة وفي حوض نهر ألأردن ، لم يتغير في كافة ألأجتماعات واللقاءات ألأخرى التي تلت إجتماع "فيينا" ، والتي عقدت في عواصم دولية أخرى ، برئاسة الراعيين لعملية السلام ألأمريكي والروسي ، وبمشاركة وحضور أكثر من 44 وفدا من الدول الأجنبية الكبرى ومن بعض الدول العربية ، أصر الجانب ألأسرائيلي على مواقفه المتشددة ، رغم ان الأهداف التي قامت على أساسها مجموعة العمل حول المياه المنبثقة عن المسار متعدد ألأطراف ، كانت محددة ومعروفة ومعلنة منذ إنطلاق عملية السلام وهي ترسيخ وتعزيز التعاون المبني على ألأحترام المتبادل وصيانة حقوق جميع ألأطراف دون إستثناء . مع التنويه هنا بأن المسار متعدد ألأطراف هو بألأساس المسار التعاوني لعملية السلام ، او مايسمى بمسار التطبيع من خلال تطوير اوجه التعاون المنشود بين إسرائيل والعرب ، وفي كافة المجالات . أما على المسار الثنائي فلم يحصل اي تقدم حقيقي بالنسبة لقضايا المياه ، فمفاوضات المرحلة ألأنتقالية والتي إنتهت كما أشرنا أعلاه الى اتفاقية طابا او ما يسمى بأتفاقية أوسلو الثانية للعام 1995 والتي تضمنت المادة ألأربعون حول المياه ، فأن حصيلة هذه المفاوضات حول المرحلة ألأنتقالية ، لم تمكن الفلسطينيين من توفير حاجتهم لمياه الشرب في الحد ألأدنى ، بل تفاقمت حدة أزمات المياه بعد هذه المفاوضات ، وإزدادت المعاناة لدى الفلسطينيين في كافة مناطق الضفة الغربية ، حيث ان أكثر من 35 % من اهالي الضفة الغربية لا توجد لديهم مصادر آمنة لمياه الشرب ، وان أكثر من 55% يعانون من نقص كبير في مصادر المياه ، لا يتجاوز معدل ما يصل الفرد الواحد بالحد ألأقصى 70 ليترا في اليوم ، اما في قطاع غزة فالوضع المائي كارثي بكل معاني الكارثة كما ونوعا ، وهذه حقيقة قائمة ، يعرف ألأسرائيليون والعالم إجمع طبيعتها وأبعادها الخطيرة ... رغم ان إتفاقية المرحلة ألأنتقالية لعملية السلام المنشود ، قد تضمنت إلتزام إسرائيلي بالتعاون في توفير كميات مياه إضافية وصفت بالعاجلة ، كما أسلفنا سابقا ، إلا ان ما كان يأمله الفلسطينيون في مجال المياه لم يتحقق منه أي شيء بالمطلق . مع إنطلاق مفاوضات الوضع الدائم في واشنطن عام 2000 ، عاد ألأسرائيليون ، ليأكدوا عن تمسكهم بمواقفهم المتشددة ، تجاه قضايا المياه ومسالة الحقوق المائية للفلسطينيين ، حيث تنكروا للبند ألأول في المادة ألأربعون بشأن إعترافهم بحقوق المياه الفلسطينية ، وعلى ان يتم التفاوض حول هذه المسألة في مفاوضات الوضع الدائم ، فقد أكد رئيس وفدهم الى إجتماعات واشنطن السيد نوح كنارتي ، بأن مشكلة المياه هي مشكلة فنية وليست سياسية وان البحث في فيها يجب ان يتركزعلى التعاون الفني في البحث عن مصادر مياه إضافية وعلى حماية ألأحواض المائية ، وبأن مسألة الحوق تعني بالنسبة لهم توفير ما يمكن من ألأحتياجات ، ولا تعني أي جانب مرتبط بألأمور السياسية ، مضيفا السيد كنارتي ، بأن ما كانوا يعنوه من نص ألأعتراف بحقوق المياه الفلسطينية في المادة ألأربعون أعلاه ، هو إلتزامهم تجاه توفير ألأحتياجات المائية للفلسطينيين ، هذا إذا ما توفرت مصادر مياه إضافية كافية ، وليس المقصود ودائما حسب كنارتي بأن مسألة ألأعتراف بالحقوق تعني ألأعتراف بمنح الفلسطينيين اي نوع من السيادة والسيطرة على أي ليتر واحد يستخدمه ألأسرائيليون ، لآن ذلك لا يجوز ان يحصل بالمطلق ، هذا ما أوضحه ولخصه ، السيد كنارتي رئيس الوفد الأسرائيلي الى مفاوضات كامب ديفيد الثانية للعام 2000 . وفي بداية العام 2008 ، إنطلقت عملية المفاوضات للوضع الدائم مجددا ، ومن ضمنها المفاوضات حول ملف المياه ، حيث عقدت لجنة لجنة المياه حوالي ثمانية إجتماعات ، على مدى عشرة أشهر متتالية ، لم يتم التوصل خلالها حتى على أجندة عمل واحدة ، حيث تمسك الجانب ألأسرائيلي بمواقفه ومفاهيمه المتشددة تجاه الحقوق الفلسطينية الثابتة في أحواض المياه الجوفية المشتركة وفي حوض نهر ألأردن ، ولخص رئيس الوفد ألأسرائيلي السيد أوري شاني ، الموقف الأسرائيلي ، حول قضايا المياه بطرح الحلول التالية : يعتبر ألأسرائيليون أن قضية المياه هي قضية فنية وليست سياسية وأن حلها يكمن فقط بالتعاون الفني أي لا حاجة لأضاعة الوقت في الحديث حول ما يسمى بمسألة الحقوق المائية ، حسب ما يطالب به الجانب الفلسطيني ، ولذلك يجب على الجانبين البحث في أوجه التعاون الفني ، لا مناقشة أمور سياسية حسب رأيهم ، وقد اعلن رئيس الوفد الأسرائيلي للجنة المياه ، ، منذ بدء المفاوضات بأنه وفريقه من أعضاء الوفد المفاوض مكلفين بمناقشة أمور فنية وفق أجندة محددة ، تنحصر ووتركزعلى المواضيع التالية : أ- تطوير أوجه ومجالات العمل والتعاون المشترك لمعالجة قضايا المياه التي تهم مصلحة وفائدة الجانبين: • ألتعاون في مواجة المخاطر والتهديدات للمتغيرات المناخية . • التعاون في تطوير مصادر مياه إضافية غير تقليدية وأهمها إقامة مشاريع مركزية لتحلية مياه البحر . • الحماية البيئية المائية وخاصة ما يتهدد الأحواض المائية الجوفية المشتركة من مخاطر الأستنزاف والتلوث . • تطوير الرقابة المائية المشتركة من خلال إعادة تفعيل دور فرق الرقابة والتفتيش التابعة للجنة المياه المشتركة الدائمة . ب- مصادر المياه ألأضافية المتاحه للجانب الفلسطيني: • لن يكون بألأمكان السماح للفلسطينين بحفر أبار جديدة في مناطق الحوضين الجوفيين الغربي والشمالي الشرقي، وسيتم دراسة الأحتياجات وزيادة الطلب على المياه للفلسطينين، لآغراض الشرب والمنزل ليتم توفيرها من خلال شركة المياه الأسرائيلية "ميكوروت" . • ليس للفلسطينيين حقوق في مياه نهر ألأردن العلوي ، ولكن سيكون بأمكانهم سحب المياه المتبقية في المجرى السفلي في المناطق المحاذية للضفة الغربية ، وسيتم تحويل المزيد من مياه الينابيع الجانبية لبحيرة طبريا الى هذا المجرى ، بمعدل قد يصل الى 30 مليون متر مكعب . ( إلا ان هذا الكرم الأسرائيلي لا معنى له ولن يكون له أية فائدة لأن معظم المياه المتبقية في المجرى السفلي للنهر بما في ذلك مياه الينابيع الجانبية لبحيرة طبريا هي مياه عالية الملوحة وملوثة ولا تصلح لأي نوع من ألأستخدام، ومعالجتها مكلفة جدا). • لا يمانع الجانب ألأسرائيلي تزويد قطاع غزة بكميات مياه إضافية مباشرة من محطة التحلية في منطقة عسقلان بمعدل سنوي يمكن ان يصل الى20 مليون متر مكعب وبسعر 3 شيكل للمتر المكعب الواحد، ويمكن البدء فورا بضخ 5 ملايين متر مكعب من خلال الوصلة الموجوده في منطقة نحال عوز (تم طرح هذا الموضوع في السابق وجرت مناقشته وربطه بمشروع الخط الناقل ألذي بوشر العمل في تفيذه بتمويل من الأمريكان، ولكن بسب ألأوضاع السياسية وألأمنية المتلاحقة تم تجميد تلك المشاريع المركزية الهامة) • لا يزال الجانب الأسرائيلي مستعدا لمناقشة موضوع إقامة منشأة لتحلية مياه البحر على ساحل منطقة الخضيرة لتزويد الضفة الغربية بالمياه المحلاه من خلال هذه المنشأه بمعدل يمكن ان يصل الى 50 مليون متر مكعب في السنة وبسعر3 الى 3،7 شيكل للمتر المكعب الواحد، على ان يوافق الفلسطينيون على ذلك، علما بأن تكاليف الأنشاء ستكون وفق نظام (بي أو تي) أو من خلال جهه مانحة اذا توفر ذلك. بناءً على ما تقدم ، نستطيع الجزم بأن لا لبس ولا غموض في المواقف ألأسرائيلية الثابتة تجاه قضايا المياه وملف المياه التفاوضي ، المعلنة جهرا عبر وسائل الأعلام ، والمترجمة عبر ممارسات الرفض والفيتو في وضع العراقيل والعقبات التي تم وضعها في إطار عمل لجنة المياه المشتركة وعبر ما يسمى بلجان التنسيق المدني ، وكذلك عبر الممارسات وتنفيذ المخططات والمشاريع المائية ألأسرائيلية لأستكمال عمليات ألأستنزاف لما تبقى من مصادر مياه فلسطينية متجددة ، وعبر ألأجندات التي طرحت على طاولة المفاوضات على مساريها الثنائي والمتعدد ألأطراف ، منذ إنطلاق عملية السلام ، ولا لبس و غموض في مفاهيم التعاون المنشود والمطلوب من قبل ألأسرائيليين في هذا المجال ضمن الثوابت ألأسرائيلية لضمان استمرار السيطرة والهيمنة والتحكم بكل قطرة مياه تسقط فوق ألأراضي الفلسطينية وبأن التعاون الذي تبحث عنه إسرائيل مع الفلسطينيين ، هو تعاون محدد ومحصور في البحث عن مصادر مياه إضافية غير تقليدية ، تأتي من مشاريع التحلية ، او من مياه نهر الليطاني او نهر النيل ، او إستيراد المياه من الخارج وغير ذلك من أفكار إسرائيلية متعددة بعيدة كل البعد عن ما يطالب به الفلسطينيون بشأن حقوقهم المائية المغتصبة والمنهوبة بأكملها من فبل ألأسرائيليين . وكما يبدو ان لافرق أبدا في مواقف اليمين واليسار ألأسرائيلي بشأن قضايا المياه وعلى رأسها مسألة حقوق المياه الفلسطينية ، حيث لا خلاف ابدا فيما طرحه السيدان كانز عوز رئيس الوفد ألأسرائيلي الى محادثات السلام ، لمجموعة العمل حول المياه المنبثقة عن اللمسار متعدد ألأطراف ، والسيد نوح كنارتي وهو كبير المفاوضين ألسرائيليين حول قضايا المياه ، وهو رئيس الوفد ألأسرائيلي المفاوض للوضع الدائم حول المياه وألأثنان كاتز عوز وكنارتي من حزب العمل ، وبالمقابل مع ما طرحه السيدان مائير بن مائير وهو يميني متطرف ، شغ منصب مفوض المياه الأسرائلي ألأسبق وتولى رئاسة لجنة المياه المشتركة عن الجانب ألأسرائيلي ، والسيد أوري شاني وهو رئيس الوفد ألأسرائيلي المفاوض خلال الفترة 2008-2009 ، ورئيس سلطة المياه ألأسرائيلية ، وألأثنان مائير بن مائير وأوري شاني من اليمين ألأسرائيلي ، هذا بألأضافة الى ما صدر من تصريحات علنية على لسان قادة اليسار واليمين ألأسرائيلي على السواء حول قضايا المياه ، تؤكد جميعها ان المطبخ السياسي ألأسرائيلي المرتبط بالمصالح ألأسرائيلية العليا ، له طباخ واحد ، ومرجعية واحدة ، وهي العقيدة الصهيونية ، ألتي نشأ وتربى في أحضان ايديولوجيتها كل قادة ألأحزاب ألأسرائيلية ، من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ، وهذه ألأحزاب جميعها ليست إلا أدوات تنفيذية للمخططات وألأطماع التاريخية لهذه الحركة في ارض فلسطين وثروات فلسطين وعلى رأسها الثروة المائية . وهذا ما يدعونا قبل ان نختم هذا لمقال، ان نعيد طرح السؤال الذي طرحناه أعلاه : بعد أكثر من 20 عاما من الدروس التفاوضية المكتسبة ونتائجها المخيبة لآمال الفلسطينين ، فهل ما زال الفلسطينيون يراهنون على وهم التعاون مع الأسرائيليين ، في مجال المياه وهل ما زالوا يأملون في إستعادة حقوقهم المائية من خلال ما يسمى بمفاوضات الوضع الدائم .....؟؟

2013-03-20