الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
صراع متبادل في واشنطن/د.عادل الاسطل

 قبل الشروع في المفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في واشنطن، بدى من السهل على الإدارة الأمريكية أن تعلّق على موافقة الطرفين، بأنها شرارة أمل محظورُ على أحدهما أن يكون سبباً في إطفائها، وأمِلت في الباب الأول، بأنه ينبغي أن يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" التصرف كسياسي شجاع قادر على أن يواجه التحديات التي تقف أمامها إسرائيل، وأن ينظر بجدّية أكبر إلى المستقبل فيما إذا كان حريصاً على نماء دولته (اليهودية) وتطورها. ومن جانبٍ آخر فقد تمنّت الإدارة نفسها على الرئيس الفلسطيني "أبومازن" بعد تقديم آيات التهديد، بوقف المساعدات الأمريكية الأمر الذي سيؤدي على الفور إلى افلاس السلطة الفلسطينية، على أن يكون على قدر المسؤولية وأن يسارع إلى اتخاذ قرارات أكثر شجاعة من الماضي. حيث اعتبرته أنه لم يقُد حتى الآن أيّة خطوة إيجابية ذات مغزى، وحثّته على فعل الشيء المفيد للعملية السياسية، على أن هذه الفرصة تعتبر الأفضل للفلسطينيين لتحقيق رغباتهم نحو الدولة. الإدارة الأمريكية قالت الكثير وهي تعلم أن الأقوال ليست كالأفعال، وأن الطرفين اللذين لديها الآن هما في الزاوية الكاشفة، إذ لم تمر بضع ساعات على بدء المفاوضات، حتى بدأت المناوشات السياسية الصاخبة بينهما، نتيجة اكتشاف أن اللسان الذي ما فتئت تتحدث به المكلّفة بإدارة الملف التفاوضي "تسيبي ليفني" ليس تابع لها. شعر بصخبها ليس من هم خارج القاعة وحسب، بل من كانوا ما يزالون ينتظرون هنا في المنطقة أيضاً. وكان الرائي والسامع لما يدور، يظنان أن لا معنى للعودة لبقية الجلسات التي ستستمر لتسعة أشهر وزيادة، لأن العناوين المطروحة وببساطة، دلّت بوضوح على المضامين. حيث كان يعتقد كل طرف بأنه من يحاول وضع الشوكة في حلق الطرف الآخر. الفلسطينيون يطالبون، ويعتبرون بأن مطالبهم وجيهة وهي مستحقة ومدعومة من قِبل الجمهور الفلسطيني والعربي والمجتمع الدولي بشكلٍ عام. وهي معجزة وغير مقبولة في نظر هؤلاء – الطرف الإسرائيلي- الذين يطالبون بما ليس بالاستطاعة تصوّره أيضاً، ويقولون بأن مطالبهم أكثر عقلانية، ودوافعها المصير الإسرائيلي والأمن الإسرائيلي والاحتياجات الإسرائيلية. لقد اكتفى الأطراف عند اغلاق هذه الجولة بإعلانات مشابهة للطقوس المعتادة، فقد قال الراعي الأمريكي وزير الخارجية "جون كيري" بأنه ما زال على قناعته بوصول الطرفين في النهاية إلى بر الأمان بتلبيتهما نداء التاريخ. ومن جانبه قدّر مسؤول الوفد الفلسطيني المفاوض "صائب عريقات" جهود الولايات المتحدة لالتزامهم بتحقيق سلام دائم وعادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين". وبدورها شكرت "ليفني" الإدارة الأمريكية على التزامها التام بأمن إسرائيل. إن "نتانياهو" لا يبدو سعيداً بالرغم من موافقته على استئناف هذه المفاوضات، إذ يستولي عليه شعوره بالعجز عن التقدّم في شأن العملية السياسية، بسبب أنه واقع تحت معارضة حزبية داخل ائتلافه الحكومي خاصة حزب (البيت اليهودي) في حال حاد عن الثوابت الإسرائيلية، تحت أيّة مبررات، ومعارضة أقوى من جهات يمينية ودينية متشددة، تسكن أرجاء إسرائيل وتسيطر على اقتصادها، لا زالت تتمسك بمزاعم (إسرائيل الكبرى). وبالرغم من أنه أثبت قدرته في تمرير قراره بتحرير أسرى فلسطينيين من خلال حكومة يمينية، فإن ذلك سيتوقف عند نيّته فيما إذا أراد التفريط بالمزيد من التنازلات لأجل الفلسطينيين. فهذه القدرة لا تعطيه بالضرورة في أن يتوسع في خطواته، وكانت عملية تحرير الأسرى (الملطخة أيديهم بالدماء) تمثّل السقف الأعلى في تنازلاته لصالح الدفع باتجاه استئناف العملية السياسية، لا سيما وأن عملية كهذه غير واردة في إسرائيل. من الجهة الأخرى، فإن الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" هو الآخر، الذي وجد نفسه بين السيّار والباب، من حيث التهديد والمرغّبات الوهمية، لم يكن راغباً تماماً في الانقياد لاستئناف المفاوضات بهذه الصورة، بسبب أنها لم تأتِ بما يتمنى، لأن من الصعب أن يكون بوسعه تمرير أي اتفاق بمعزل عن الثوابت الفلسطينية المعلنة، وسيلاقي معارضة وطنية قوية من أغلب الأطياف الحزبية والشعبية الفلسطينية، ناهيك عن أن هناك من الفلسطينيين بدوافع دينية أيضاً، ما زالوا يرغبون في استعادة فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، كما أن عملية تفويضه في التصرّف في المسائل المصيرية غير مكتملة ومشكوك أيضاً في مقدرته على فرض أي قرار على شرائح مهمة في الضفة العربية وبصورة أكبر على خمس محافظات مهمة التي يشملها القطاع. وضمن الصورة الفائتة، فأن من المتعذّر إعطاء أي نوع من التفاؤل خاصةً للطرف الفلسطيني بجدوى المفاوضات ولو في المستقبل المنظور على الأقل، وهذا ما أكّد عليه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير"ياسر عبد ربه"، نظراً على حد قوله، لإدراك القيادة الفلسطينية بأن هناك مصاعب هائلة تعترضها وأهمها قضايا القدس والحدود والأمن وعودة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية وتعاظم قوة المستوطنين، فضلاً عن الاضطرابات التي يشهدها الوطن العربي. من المهم أن نذكر بأن هذه الجولة من المفاوضات لم تأت برغبة حقيقية من جانب الطرفين وخاصةً من الطرف الإسرائيلي، وهي لم تكن لتتم لولا تدخل عددٍ من الأسباب بضرورة عقدها. فبالإضافة إلى الضغوطات الدولية التي وجد "نتانياهو" الحاجة إلى إخراج إسرائيل من الجمود السياسي حيث كان السبب الرئيس في فرضه على إسرائيل، والمحفزات العربية المنتظرة، فإن هناك مشتركاً أمام استمرارية المفاوضات، وهو توصل الطرفين إلى قناعة، مفادها الابتعاد إلى أقصى درجة عن السماح بطرح حل الدولة الواحدة، بعدما توصل "نتانياهو" إلى الفهم بأن الخشية من طرحها، كانت إحدى الأمور المهمة التي قادته إلى استئناف المفاوضات على أمل التقدم والوصول الى تسوية ما، كما أن الطرف الفلسطيني ولأنه يستبعد تماماً من أن إسرائيل مستعدة لتقبل هذا الأمر، فإنه يتوق في أن يرى نفسه على رأس دولة ذات سيادة. في واشنطن وبالرغم من خطأ القيادة الفلسطينية في الإقدام على خطوة المفاوضات، كما أعربت الغالبية الحزبية والشعبية، فإنه يتعين على أن يواصل الطرف الفلسطيني على إصراره على ثوابته التي خرج لتحقيقها فقط، وحتى في حال عكفت الإدارة الأمريكية على اتهامه بالعناد بسبب أن هذه الثوابت مُحقّة وتمثل آخر ما يمكن للقيادة الفلسطينية الاحتفاظ بها، إذ أن أيّة محاولة تهدف إلى الانتقاص منها أو تجزئتها، فإنها لا تمثل حلولاً مقبولة، وستكون عملية مواصلة الاحتلال أفضل حالاً. واذا كان "نتانياهو" يعتزم فقط إدارة مفاوضات لغرض المفاوضات، لكسب المزيد من الوقت ولتخفيف الضغوطات الدولية عن إسرائيل، فإنه يتعمّد سياسة خطيرة وعديمة المسؤولية وسيجلب المزيد من العداء. وهو يعلم أن تجارب الماضي عند إفشال المفاوضات أفادت دائماً بأنها تمثل الشرارة التي تقود إلى إشعال دوائر العنف وعدم الاستقرار وهو ما تخشاه دوماً ليس إسرائيل وحسب، بل الدول الغربية والولايات المتحدة، التي لا يمكنها عندئذٍ تبرئة نفسها من المسؤولية في الوصول إلى ذلك الوضع، ولو جاءت بالمزيد من الحجج والمبررات. خانيونس/فلسطين 1/8/2013

2013-08-01