السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رحيل الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكه س

توفي أول أمس، الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكه س، عن عمر يناهز السبعين، وأعلن عن وفاته بمستشفى كارولينسا في العاصمة السويدية ستوكهولم جراء توقف كليتيه.

وكان الشاعر قد أدخل المستشفى قبل أكثر من ثلاثة أشهر بعد وجود اختلال في أحباله الصوتية وآلام في حنجرته، ثم تبين من الفحوصات التي أجريت له لاحقا بأنه مصاب بمرض سرطان الرئة.

وترك الشاعر الراحل تراثا شعريا ثريا أغنى المكتبة الكردية، وخصوصا أشعاره الثورية. وكان بيكه س أحد البيشمركة في جبال كردستان، وكتب مجموعات كبيرة من قصائده الثورية هناك، منها النشيد الخاص بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، الذي ما زال يفتتح به المناسبات الخاصة به والمعروف بنشيد "مشخلان."

أول وزير للثقافة في إقليم كردستان العراق

وشيركو هو نجل الشاعر الكردي الأكبر فائق بي كه س، الذي تجاوزت شهرته آفاق كردستان العراق، وكان قريبا مقربا من الرئيس طالباني الذي رشحه لعضوية أول برلمان كردي عام 1992، ثم أصبح أول وزير للثقافة في حكومة الإقليم قبل أن يستقيل وينتقل للعيش في السويد.

وبعد سنوات، أقنعه الرئيس طالباني بالعودة إلى مدينة السليمانية ليترأس مؤسسة "سردم" الثقافية التي أنشأها طالباني خصيصا لهذا الشاعر الكبير، وهي المؤسسة التي حققت في ظل الشاعر إنجازات أدبية وثقافية كثيرة.

وبى كه س حائز على الكثير من الجوائز التقديرية الدولية والعربية، وترجمت أشعاره إلى أكثر من عشر لغات عالمية، وكتب الكثير من قصائده باللغة العربية. وأصبح الوجه المعروف المعبر عن الثقافة الكردية في الأوساط الثقافية العربية.

جماعة "روانكه"

قرأ صاحب "مضيق الفرشات" الشعر الكلاسيكي الكردي، ولكن الأوزان والقوافي كانت تُضجره، إضافة إلى أن اللغة كانت مخلوطة مع العربية والفارسية، مع تجارب شعراء معاصرين مثل عبد الله كوران (1904 – 1962) وأحمد هردي (1922 – 2006)، اهتدى بيكه س إلى النبرة أو الحساسية الشعرية التي يمكنها أن تتسع للتجريب وللقضايا الوطنية معا.

هكذا، أسس مع عدد من أقرانه الشعراء والروائيين جماعة "روانكه" (المرصد) سنة 1970، وأصدروا بيانا يشرح طموحاتهم الكتابية. تحرّر الشاعر من قيود الشعر الكردي القديم وتقاليده، ولكنه ظل أسيرا لمأساة شعبه وهويته الكردية.

ظلت المذاقات الرعوية والرومانسية والأسطورية تنبعث من قصائده القصيرة ومسرحياته وملاحمه الطويلة. كان التجريب محكوما بلغةٍ محكومة بدورها بمعجمها الشعبي والغنائي، وكانت فكرة أن يكون ناطقا باسم شعبه جزءا من حضوره الشعري والثقافي. حضورٌ لاقى حفاوةً عربية مع ترجمة أعماله إلى لغة الضاد، إضافة إلى صداقاته مع عدد كبير من الشعراء العرب.

شاعر حداثة.. شاعر قومية

بطريقة ما، انتمى الشاعر إلى الحداثة، ولكن هويته الكردية جعلته شاعر شعب وأمة. شيركو يشبه ذلك النوع من الشعراء الذين ارتبطت سيرتهم وإنجازتهم مع قضايا بلادهم. إنه يشبه لوركا بالنسبة لإسبانيا، ونيرودا لتشيلي، وناظم حكمت لتركيا، ورسول حمزاتوف لداغستان.

كان في استطاعته أن يكتب تجريبا مثل: "لا مثيل للوحتي/ رسمتُ الهدير لا الموجة / رسمتُ هيبة الجبل لا الجبل / ابتسامة الطفل لا الطفل / نشيج الخبز لا الخبز / صراخ الحجر لا الحجر / رسمتُ حبّ حبيبتي / وليس حبيبتي."

لكنّ شيئا لا يفهمه سوى الأكراد يمكن أن يمرّغ لغته وذاكرته بتاريخ كردستان، وهو ما نقرأه في قصيدة عن أمه: "حين كبرتُ/ رأى معصم يدي اليسرى الكثير من الساعات/ لكنّ قلبي لم يفرح مثلما كان يفرح/ حين كانت أمي تعضّ معصمي الأيسر وأنا طفل/ وتصنع بأسنانها ساعتها على يدي."سسة "سردم" الثقافية التي أنشأها طالباني خصيصا لهذا الشاعر الكبير، وهي المؤسسة التي حققت في ظل الشاعر إنجازات أدبية وثقافية كثيرة.

2013-08-06