الإثنين 17/10/1444 هـ الموافق 08/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مستقبل الأغنية الجبلية اللبنانية بعد رحيل وديع الصافي

المتتبع للكتابات والمقالات التي نُشرت بعد رحيل وديع الصافي، يلمس فيها نوعا من الأسى،لا فقط على فقدان واحد من عمالقة الطرب العربي، بل على مستقبل الغناء اللبناني، والعربي عموما. إذ اعتبر كثيرون رحيل الصافي، نهاية عصر طرب جميل، لن يتكرر.

فجريدة السفير اللبنانية كتبت عن رحيل وديع الصافي:"رحل طاوياً معه عصر الطرب، وقد ترك صدى صوته يتردد في أجواء الوطن العربي جميعاً، بمشرقه ومغربه". فهل تكون حقبة من الطرب قد انتهت في العالم العربي برحيل الصافي؟ وهل يكون التراث الجبلي والفلكلوري قد تأثر بهذا الرحيل؟

قوة صوت صافٍ بلا منافس

"وديع الصافي صوت لا يتكرر" هكذا يقول الكاتب اللبناني نذير رضا في حديثه مع DW. ويرى نذير أن "قوة وديع الصافي في صوته". فوديع الصافي لم يكن ذلك الفنان الذي اعتمد على وسامته أو على معجباته ليكون ذلك المطرب العظيم.

كان آخر ظهور لوديع الصافي على خشبة المسرح سنة 2010، ورغم بلوغه التسعين عاما آنذاك، استطاع وديع برفقة المطربة نجوى كرم والمطرب وائل كفوري أن يقدم عرضا غنائيا رائعا. يقول نذير رضا:" لقد ظلت هذه الوصلة القصيرة التي قدمها سنة 2010، يتردد صداها على مدى ثلاث سنوات، فوديع الصافي خلق ذلك الجو التنافسي للأغنية الجبلية".

كثير من المطربين الشباب حاولوا الاقتراب من صوت وديع الصافي، غير أنهم لم يستطيعوا الوصول إليه، كما يقول الكاتب نذير رضا. غير أن هناك مطربا واحدا استطاع أن يقترب من صوت وديع الصافي، هو معين شريف بشهادة وديع الصافي نفسه، إذ يقول نذير رضا: "في سنة 2008 وفي أحد لقاءاتي بوديع الصافي سألته عن المطرب الذي يرى أنه اقترب من صوته، فقال لي:"ما حدا قَرّب على صوتي غير معين شريف". حسب قول الكاتب نذير رضا.

مصير الأغنية الجبلية

لا يرى نذير رضا أن الغناء الجبلي اللبناني قد انتهى برحيل وديع الصافي، إذ يقول:"منذ ثلاث سنوات هناك إعادة إحياء للأغنية الجبلية، فالمطرب عاصي الحلاني مثلا كرس مفهوم الأغنية الجبلية الفلكلورية". ويتابع الكاتب اللبناني:"هناك العديد من المطربين غنوا الأغنية الجبلية، صحيح لم يصدروا أغان جديدة، لكنهم أعادوا الغناء الجبلي في شكل جديد".

واحدة من المطربات اللواتي تميزن بهذا الغناء، هي نجوى كرم، والتي تلقب بشمس الأغنية اللبنانية، فصوت نجوى كرم هو صوت جبلي بامتياز. لم يسبق لنجوى أن غنت بلهجة أخرى كأغلب زميلاتها، بالمصرية مثلا، بل احتفظت لنفسها بطابع لبناني جبلي أصيل يناسب أيضا خامة صوتها القوية، ذات الخامة الجبلية. كما استطاعت أن تجعل جمهورا عريضا من الشباب يُقبل على سماع هذا اللون من الغناء، الذي تحرص أيضا على تصويره على طريقة الفيديو كليب الحديثة.

المطرب اللبناني وائل كفوري له أيضا إمكانيات صوتية هائلة، تجعله قادرا على تأدية المواويل و"العتابا" والأغاني الجبلية، ورغم أن أغانيه في الفترة الأخيرة تميزت بطابع رومانسي وابتعدت عن الغناء الفلكلوري الجبلي، فإنه يبقى أملا كبيرا للأغنية اللبنانية الجبلية، خاصة وأن له أغان شهيرة في هذا المجال، كأغنية "شو رأيك" أو أغنية" ما وعدتك".

لماذا ستستمر الأغنية الجبلية؟

هناك أسباب أخرى غير جمالية الأغنية الجبلية وروعتها، ستجعلها قادرة على الاستمرار. إذ يلخصها الكاتب نذير رضا في إيقاعية هذا الغناء والذي يحفز على الرقص، سواء في الحفلات أو في الأعراس. كما أن الربيع العربي أثر على الأغنية العربية بشكل عام، فتقلصت أعداد المهرجانات والحفلات، الأمر الذي جعل المطربين يُقبلون على إحياء الأعراس أو الحفلات الخاصة.

هذا النوع من المناسبات لا يتحمّل الأغنية الرومانسية الهادئة، كتلك التي تقدمها مثلا أصالة نصري، أو إليسا، وإنما تتطلب هذه المناسبات أغانٍ إيقاعية، تستطيع خلق جو من الفرح. "لذلك فإن المطرب أيمن زبيب من أكثر المطربين الذين اشتغلوا في لبنان في سنة 2011". كما يقول نذير رضا. إذ تتميز أغاني أيمن زبيب بالإيقاعية، المحفزة على الرقص.

مطرب آخر سار في درب الأغنية الجبلية هو ملحم زين، الذي أعاد غناء بعض الأغاني الجبلية، كما له أغان خاصة في هذا النوع الموسيقي. فارس كرم هو صوت جبلي أيضا، اختار نمطا غنائيا يعتمد على الإيقاع الجبلي، لكن بمواضيع جديدة، يعتبرها البعض جريئة شيئا ما، كأغنيتي " التنورة" أو "نسونجي".

هناك لائحة طويلة من المطربين اختاروا الغناء الجبلي عنوانا لتجربتهم، كل يتميز بصوته وبطريقته، وهذه كلها علامات على قوة نبض الغناء الجبلي، الذي لن يموت. ويبدو أن غياب وديع الصافي لن يعني رحيله، فصفاء وقوة صوته يستحضرها محبوه في المشرق والمغرب.

دويتشة فيلة

2013-10-19