الإثنين 17/10/1444 هـ الموافق 08/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
خالد بيّومي يحاور الشاعرة آمال عوّاد رضوان

الشاعرة الفلسطينية آمال عوّاد رضوان: الربيع العربي ومضة خاطفة، لم تكتمل في سماء الفكر العربيّ.
آمال عوّاد رضوان شاعرة وكاتبة وصحافيّة فلسطينيّة، والشرط الإنسانيّ بأشواقه وتحرّقاته ووعيه الشقيّ بالعالم حولها، حاضرٌ بقوّة في قصائدها، التي تُعدّ عودةً للمنابع الفطريّة للشعريّة العربيّة، حيث يتحوّل عالمُها الشعريّ إلى كلمات تمتلك الواقع، وتخلق الكينونة، وتتحدّى العدمَ المُتربّص بها، وليس بوسعنا أن نعثرَ بسهولةٍ على تلك المنطقةِ الفاصلة، بين حياةِ الشعرِ وشعريّةِ الحياة لديها، كما أنّ خاصيّة (الصدق التعبيريّ) في تمثيل الحياة، يكادُ يطغى على كلّ ما عداها، ويكتملُ لديها الوعيُ بموقفِ الإنسان المُعاصرِ بالقضايا مِن حولِه.
لا تؤمن آمال عوّاد رضوان بمنطق الشلليّة في الوسط الثقافيّ في الترويج للكاتب، حيث استطاعت أن تخترقَ حدودَ وطنِها إلى آفاق عالميّة، مِن خلال شبكة الإنترنت، وحصلت على تكريم عربيّ ودوليّ، حيث حصلت على شاعرة العام عام 2008، وحصلت على جائزة نعمان العالميّة للشعر عام 2011، كما حصلت على درع ديوان العرب من أمريكا في نفس العام، تقديرًا لمقالاتها وتقاريرها الثقافيّة، وتوّجت هذا العام بجائزة المثقف الأستراليّة في الحوارات.
ما هيَ دوافِعُكِ لكتابةِ الشّعر وتيمة الفقد والسفر والرحيل حاضرة في شعرك.. لماذا؟ هل لها علاقةٌ بالمعاناةِ الّتي يَعيشُها الفلسطينيّ؟ أم التأثّر والضّجيج الذهنيّ الّذي تتتعرّضُ لهُ مجتمعاتُنا العربية؟
لأنّ الوطنَ الصّغيرَ الكبيرَ والكونيَّ العالميَّ ما هو إلّا قبَسَ نعيمٍ مُغلّفٍ بجَحيمٍ ناريٍّ، مَرهونٍ بخِصبِ المُؤامراتِ والحُروباتِ والفقدِ، وبدَوافعَ عديدةٍ، تُغرقُ أوطانَنا بالتّرحيلِ والتّهجيرِ والتعذيبِ والموتِ، وتتمرّسُ بهِ همومٌ مُتباينةُ المَنابعِ ومُتعدّدةُ المَشاربِ، فيتلوّنُ العنفُ بأشكالٍ تتلوّى، لذا تتسيّدُ المَشاعرُ بطغيانِ لواعجِها الحزينةِ الكئيبةِ، المَفجوعةِ والمُتعاقبةِ على مَرِّ العقودِ، هذهِ التجربةُ القصيرةُ الطويلةُ نضجَتْ على حبالِ تاريخ موتورٍ، مشلوحةٌ نارُهُ الوقّادةُ على شواطئِ المعاناةِ، ولا تتجاوَزُ رمالَها، وما انفكّت العينُ المبدعةُ شاخصةٌ نصبَ غدٍ حيٍّ بالآمالِ والحياةِ والاستقرارِ والأمانِ!
ما عين الشعرِ إلاّ رَنينَ فتنةِ الإصغاءِ إلى عوالِمِ النفسِ الشفّافةِ، وإلى حنينِ بَواطنِ الروحِ الخافيةِ، تلكَ المَنافذِ الرحبةِ العميقةِ، العابقةِ ببخورِ الطفولةِ المَنهوبةِ، والمَشدودةِ الموتورةِ بالحاضرِ المألومِ، والتوّاقةِ إلى مستقبلٍ عارمٍ بالانفلاتِ بتجلّياتِهِ الحُرّةِ معَ الغيم، تسوقُهُ الريحُ إلى كلّ اتّجاهٍ بعفويّتِهِ وألقِهِ، ليتكثّفَ غيمًا يُمطرُ شِعرًا سماويًّا نقيًّا، تَعمّدَ في يَمٍّ مِن كلماتٍ وجدانيّةٍ مخياليّةٍ، تتماوجُ وتتلاطمُ وتُزبدُ، وتَحفرُ في الصّخورِ والقلوبِ والنفوسِ سراديبَ نورٍ وأزقّةَ جَمالٍ، تاركةً بصماتِها الأثيريّةَ، وآثارَها الشهيّةَ غامضةَ النكهةِ.
الشعرُ بتصوّراتِهِ البلاغيّةِ الاختزاليّةِ هو لغةُ الروحِ الإنسانيّةِ الحياديّةِ، برحابتِها التصويريّةِ المخياليّة، والمُلاصِقةِ لأنفاسِ الوطنِ بكلِّ أبعادِهِ وأكوانِهِ، بعيدًا عن التعصّبِ، فالشعرُ هو لغةُ المُساءلةِ الكونيّةِ الخلّاقةِ والبنّاءةِ الشفّافة، بهِ نختزلُ المسافاتِ العمياءَ والزمكانيّةَ الهوجاءَ، إذ هو امتدادُ الإبداعِ والأحلامِ والآمالِ، بإرثٍ إنسانيٍ مُتوازِنٍ خلّاقٍ.
هل القصيدةُ وطنًا تركنينَ إليهِ؟
القصيدةُ كلمةٌ مُتراميةُ الخيالِ، مُتعطِّشةٌ إلى نبضِ حياةٍ، تخفقُ بيَراعِ المَسرّةِ والتّوازنِ والأمانِ والحنانِ والعدالةِ، القصيدةُ هي آمالٌ قد تكونُ بعيدةَ المنالِ، لكن ليست مستحيلة، وتمامًا كما هو الوطن!
كيفَ تُقيّمينَ مُستوى تَأثُّرِ المُبدعةِ الفلسطينيّةِ- رغمَ طبيعتِها الرقيقةِ- بما حولَها، قياسًا بتأثُّرِ الرجُلِ بالأحداثِ؟
طبيعةُ المُبدعِ أشبهُ بميزان حرارة، تتفاعلُ مع الأحداثِ اليوميّةِ والمُتراكمَةِ والجاريةِ، والأحداثِ القريبةِ والبعيدةِ، ولكن بتفاوتٍ، فالإبداعُ لا يتعلّقُ بجنسويّةِ المُبدع، وإنّما بالزاوية الّتي يتأثّرُ بها ويَنطلقُ منها، فلا يمكنُ فصْلُ روحِ المُبدعِ عن عالمِهِ الخاصّ أو الكونيّ، لأنّ أي خللٍ في الغرب يَنعكسُ على الشرق،ِ وبالعكس، فهذا الكيانُ الكونيُّ تَحكمُهُ جاذبيّةٌ أرضيّةٌ وسياسيّةٌ واقتصاديّةٌ وحضاريّةٌ، لا يُمكنُ إغفالُها، لأنّها قادرةٌ أن تلعبَ بمَساراتِ التاريخ، وأنْ تَقلَب المَعالمَ الجغرافيّةَ رأسًا على عقب. المُبدعُ يَستشعرُ بمِجسّاتِ روحِهِ مُجرياتِ الأحداثِ ويَستبطنُها ويستشرفُها، ويُعبّرُ عنها في إبداعِهِ بكافّةِ أشكالِهِ، والمُبدعةُ الفلسطينيّةُ المَصقولةُ بالمَواجعِ والأحداثِ المُهتزّةِ على الدّوامِ، نجحتْ وبجَدارةٍ، أن تُثبتَ حضورَها الإبداعيّ، وفي شتّى الميادين، رغمَ قلّةِ الفُرصِ المُتاحةِ لها بسببِ الظّروف قاطبةً.  
برأيكِ.. كيفَ يُمكنُ مُقاومةُ العدوانِ ثقافيًّا؟
بالفِكر والكلمةِ، فمَنْ يَزرعُ الكلمةَ المُمنهَجةَ الصادقةَ، يحصدُ الحياةَ الكريمةَ، فهي الخالدةُ والباقيةُ والشاهدةُ على التراثِ والتوثيقِ، فالعِلمُ يَحملُ رسالةَ المَعرفةِ، وتنويرِ الفِكرِ، وترسيخِ الجذورِ، وإعلاءِ شجرةِ البقاءِ المُثمرةِ، والفارعةِ بأغصانِها الصامدةِ، وظِلالِها الحميمةِ، وثِمارها المُباركةِ، ومِن ثمّ، الكلمةُ تُطلِقُ ألسِنةَ المعرفةِ والحقِّ، وتشرّعُها في المُطالبةِ بالحقوقِ السلميّةِ، ومُواجهةِ أيِّ عدوانٍ مهما كانَ مُجحِفًا.   
أصدرتِ كتابًا عن محمود درويش.. بعد رحيلِ هذا الشاعرِ الكبير. أيُّ الشّعراءِ ترَيْنَ أنّهُ يَستحقُّ أن يَحملَ لقبَ شاعرِ فلسطينَ الأوّلِ؟ ولماذا؟
(محمود درويش في عيونٍ خضراءَ)، هو عنوانُ كتابي الّذي أصدرتُهُ عام 2009، وقد جاءَ بإيعازٍ من د. عودة خليل مِن جامعةِ النجاح في نابلس، فولّاني بتجميعِ موادّ كَتبها أدباؤنا المحليّون عن درويش بعدَ مَماته، لإصدار كُتيّبٍ في ذكرى أربعين درويش في فلسطين، فاتّصلت بأسماءَ محدّدةٍ تجاوبتْ معي، ولكنّ الموادّ كانت كبيرة، اختيرَ منها مقتطفاتٌ للكُتيّب، ممّا اضطرّني أن أصدرَ كتاب درويش كاملًا.
شخصيًّا لا أومنُ بالألقابِ، وإنّما هناكَ قصيدةٌ أولى مِن بينِ المَجموع، والأمرُ مَنوطٌ بالذائقةِ الشعريّةِ أوّلًا، وباعتباراتٍ أخرى ثانيًا قد لا تكون موضوعيّةً، فهناكَ شعراءُ لمَعوا وبَرزوا، وشعراءُ ليسوا أقلَّ لمعانًا، لكن لم تُحالفْهُمُ الحظوظُ أو الفرَص، وظلّتْ حُروفُهُم رهينةَ العتمةِ والخفاءِ.
حصلتِ على لقب شاعرةِ العام ضمنَ منتدى شعراء بلا حدود عام 2008، وجوائز أخرى، فهل نجحتْ آمال عوّاد رضوان في إرسال صوتِها الإنسانيّ إلى كلّ الآذانِ والآفاق؟
كتبتُ، وما هاجَسَني للحظةٍ خاطرٌ بالحصولِ على أيِّ لقبٍ أو جائزةٍ. ومُنذ عام 2005 خرجَت آمال عوّاد رضوان مِن ثوبها المستعار "سحر الكلمات"، وبفترةٍ وجيزةٍ استطاعتْ أن تخترقَ حدودَ زنزانتِها الجليليّة عبْرَ الإنترنت، رغمَ الحدودِ والقيودِ المَفروضةِ على بلدي وأهلي، وقد وصَلَ صوتي إلى العالم العربيّ والمَهجر، وبدأت أحصلُ على التقديرِ والتقييمِ ومِن بعيدٍ وبغيرِ توقّعِها، ورغم علاقاتِي الشخصيّةِ المَحدودةِ، إلّا أنّ نصوصي الشعريّةَ أيضًا كان لها صدى، فحظيت بالكثيرِ مِن القراءاتِ النقديّةِ، وحازتْ مَنشوراتي الشعريّةُ عام 2011 على جائزةِ نعمان العالميّةِ للشعر، وعام 2011 حازت مَقالاتي وتقاريري الثقافيّةُ على درعِ ديوان العرب من أمريكا، وعام 2013 حازتْ حواراتي على جائزة المثقف مِن أستراليا، وبموضوعيّةٍ تامّةٍ ودونَ علاقةٍ خاصّةٍ تربطني بأفرادٍ يُجاملونني.
كيف تصفين العلاقة كشاعرة مع الجمهور؟
بالرغمِ مِن وفرةِ الإبداعِ وزخمِ الإنتاج، إلّا أنّ هناكَ خللًا بارزًا للعيانِ بينَ المبدع وتأثيرهِ على الجمهور المُتلقّي في عالمنا العربيّ ككلّ، بالرغم من وفرةِ وسائلِ الإعلامِ المَرئيّةِ والمَسموعةِ، في المسرح، والإذاعة، والتلفاز، والصحيفة، والمجلة، والكتاب، والإنترنت، والمعارض وغيرها.
قبلَ مئاتِ العقودِ كانتِ الأسواقُ الشعريّة تلقى نشاطًا ورَواجًا مُحفّزًا بإنشادِ القصائد، فتستثيرُ حواسّ الجمهورِ وتذوُّقِهِ الفنّيّ وخيالِهِ، وقبلَ عشراتِ السنين كانَ تجنيدٌ وتجييشٌ للجمهورِ بالمئاتِ والآلافِ في الأمسياتِ الشعريّةِ، والمؤتمراتِ الثقافيّةِ، والمهرجاناتِ التثويريّةِ والخطابيّةِ والشعريّة، بينما اليومَ نلحظُ حضورَ عشراتِ المثقّفين في الندوة، وعزوفًا واضحًا مِن عامّةِ الناس، وهذا الخللُ نلحظُه حتّى في العزوفِ والانقطاعِ عن القراءةِ بتعمُّقٍ وشغفٍ، مع أنّ وسائلَ الاتّصالِ والإعلامِ انتشرَتْ بشكلٍ أكبرَ وأوسعَ وأعمّ، فأين مَكمنُ المُشكلةِ وهذا الاضطراب؟
هل اختلطَ الحابلُ بالنّابل، والصّالحُ بالطالح، وضاعتِ الطاسةُ الثقافيّة؟
هل تاهتْ بوصلةُ الاصطفاءِ والانتقاءِ، فتخبّطَ الجمهورُ في الغربلةِ؟
هل اختلفتِ الذائقةُ الإبداعيّةُ في نقْشِها وصياغتِها، مع ذائقةِ الجمهورِ المُتلقّي؟
هل ضعُفتِ اللّغةُ العربيّةُ وهبطَ مُستواها لدى الجمهورِ والمدارسِ والمَناهج التّعليميّةِ؟
ألا يُجيد القارئُ والنّاقدُ قراءةَ النّصوصِ الإبداعيّةِ؟ هل بالغَ المُبدعُ في التخيُّلِ والتصويرِ والبلاغةِ، وغالى في إغراقِهِ وتَراكيبِهِ ومَضامينِهِ؟
هل نحتاجُ إلى بَرمجةِ جديدةِ للمثقّفِ العربيّ، بسببِ ما مرّ بهِ العالمُ العربيُّ مِن مآسٍ، ربّما دمّرتْ انتماءَهُ المعنويَّ لحرْفِهِ وتُراثِهِ وثقافتِهِ؟ نحن بأمسّ الحاجةِ إلى وقفةٍ مؤسّساتيّةٍ مختصّةٍ موضوعيّةٍ جادّةٍ، وباحثةٍ ودارسةٍ للمُسبّباتِ، ولآليّاتِ التداركِ العاجل!
كيف تفاعلتِ إبداعيًّا معَ الربيعِ العربيّ، وتأثيرِهِ على حركةِ الإبداعِ في المُستقبل؟
الربيعُ العربيُّ هو ومضةٌ لمعتْ في الأفق، لتُبشّرَ باستفاقةٍ موقوتةٍ للفكرِ العربيِّ مِن سُباتِهِ العَميق، وهو مُحاولةٌ لصياغةٍ جديدةٍ للكرامةِ الشريفةِ والمُواطنةِ العادلةِ الحقّة، في وطنٍ يَحترمُ مُواطنيهِ، والفكرةُ غيرُ مُبرمَجةٍ وغيرُ مَدروسةٍ، لكنّها ابتدأتْ عشوائيّةً، وعساها تستمر وتكتملُ، ولكن ليس بالدم، وإنّما بتنظيمٍ وتخطيطٍ مَدروسينِ مستمرّينِ بالحوار والكلمة، لما فيهِ خيرٌ وأمانٌ وسلامٌ، يَرفعُ مِن شأنِ الإنسانِ والأوطانِ، وعلى مدار السنتيْنِ الماضيَتيْنِ كنتُ بمُتابعةٍ وافيةٍ للأحداثِ اليوميّةِ في جميعِ أقطارِنا، وواكبتُها بكتابةِ مَقالةٍ أسبوعيةٍ حاويةٍ لقضايا وهمومِ الإنسانِ البسيطِ، بكلّ تطلُّعاتِهِ وأحلامِهِ ومُلمّاتِهِ، والظلمِ المُحيقِ بهِ، وقد أصدرتُ كتابي "رؤى" والذي يتحدّثُ بمُجمَلِهِ عن الربيع العربيّ والمرأةِ العربيّة!

Khaled Bauomy- [email protected]

مجلّة روز يوسف الثقافيّة

2013-10-26