السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أين أصوات "قيادات" الداخل التي كانت تجلجل في عين التينة؟!/سعيد نفاع

عين التينة هي عين ماء سوريّة جولانيّة تنبع من سفوح جبال الشيخ قبالة مجدل شمس ما وراء الأسلاك الشائكة والألغام الفاتكة، مدرارة لا تمنعها الأسلاك ولا الاحتلال من إرواء بعض ظمأ أهالي المجدل. اشتهرت هذه العين بتلّة صيحاتها حيث يتجمع الأهالي الجولانيّون على تلتها وقبالتها سائلين عن أحوال بعضهم بعضا صياحا، فالأسلاك والألغام وزارعها لم يبقوا لهم خيارا إلا هذا، في مشهد دامع ملوّع.

لكن هذه التلال تشهد كذلك سنويّا مشهدا آخر فرِحا وإن كان دامعا لكنه مختلف الدموع، ألا وهو احتفال المحتَلين منهم والمحرَّرين ومن على جانبيّ أسلاك خط وقف إطلاق النار، بعيد الجلاء، ذكرى الاستقلال السوريّ في ال-17 من نيسان  من كلّ سنة، وحتى في خضم العدوان على بلدهم لم يفوّت أهل الجولان الاحتفال بعيد الجلاء مؤمنين واثقين أن جلاء الاحتلال والعدوان الآنيّ على بلدهم والمترابطين عضويّا، مسألة وقت ليس إلّا .

كان الاحتفال يُتوّج بمهرجان خطابي على تلال عين التينة تلك المحرّرة وتلك التي تنتظر، شاركتْ فيه غالبيّة، إن لم يكن كل، القوى "الوطنيّة" عندنا في الداخل، وبزتها قوّة كانت تعتبر نفسها "معزبة من أهل البيت" ليس فقط في الجولان وإنما في كلّ سوريّة، بزّت الكل إشادة بالحصن القوميّ المقاوم والممانع إلى أن وجدت بعض قياداتها مُضيفا أكثر قوميّة وأكثر مقاومة وأكثر ممانعة  وفوق ذلك "أخضر يدا" في الخليج! وأخرى كنتَ تتخيّل ممثليها بخطبهم الناريّة سيحررون القدس بدء من عين التينة وما تحرير الأقصى إلا قاب قوسين أو أدنى والكل بعون سوريّة الأسد والمقاومة، إلى أن وجدوا التحرير آت بهمة العثمانيّ صاحب أسطول الحريّة إلى غزّة والوهابيّ حامي حمى القدس !.

كان يصرّ ممثلو فصائلنا الفلسطينيّة الوطنيّة الكثيرة وحتى المفتّشين عن بطاقة دخول أو "مدفوشين لقطع بطاقة" لدخول صفوفها، أن يلقوا الخطب كلهم احتفاء مع السوريين، وتنهال المدائح على القيادة السوريّة وعلى رأسها القائد الشاب الفذ المقاوم الممانع القومي العروبي الدكتور بشار الأسد، معلّقات أطول من معلّقات عكاظ والفارق فقط لغة بعضها العربيّة ال"مطبّشة" على الغالب، خصوصا وأن القنوات الفضائيّة وبالذات السوريّة وعلى الجانبين تنقل الحدث ببث مباشر ويكون في المساء باكورة نشراتها الإخباريّة !.

والجولانيّون على جانبيّ الأسلاك يستمعون بطول بال لا يريدون أن يكسروا في خاطر أحد من ممثلي الأطر على كثرتها، إلى أن ضاق بها ذرعا واصفها ب "ثقلنيّة دم" أمين حركة من عندنا، فاقترح أن يقتصر الأمر على كلمة رئيس لجنة المتابعة العليا وهكذا صار في السنتين ما قبل الأخيرتين، وبحكم ازدياد الانشغال بالقضايا المصيريّة الكبرى في تينك السنتين قلّ عدد المشاركين من القادة طرديّا مع ضيق المنصّة، أو صاروا يرسلون ممثلين من الدرجة الثانية أو الثالثة !.

في السنتين الأخيرتين و"بقدرة قادر" افتقدت عين التينة بعض تلك الأصوات كليّة، قادة وممثلين، ولكن دقيقي الملاحظة لاحظوا أن مياهها الآتية عبر الأسلاك صارت أصفى وأرق رغم بعض الحُمرة فيها.

طبعا لم نعط هذه العجالة عنوانا سؤالا نحن بحاجة للإجابة عليه فهو سؤال استنكاريّ عرفنا أو على الأقل خمّنا حينها نحن محبّي سوريّة الموقع والموقف، ودون تملّق، الإجابة عليه، ولكن كي نطرح إجابة بسؤال استنكاريّ آخر: كيف تبدّل الأسد ونظامه بين ذكرى الجلاء 2010 وذكراه في ال-2011 من قوميّ عروبيّ مقاوم ممانع ونصير للمقاومة والممانعة إلى عدو طائفيّ للقوميّة والعروبة ومعيق أمام زحف المقاومة باتجاه أسوار بيت المقدس، لا يتحرر إلا بتحرير سوريّة منه ومن نظامه؟!   

سوريّة بغالبيّة شعبها العظمى وقيادتها لم تتغيّر من يوم عين التينة 2010 ليوم عين التينة 2011، لا موقعا ولا موقفا، وأهل الجولان بغالبيّتهم لم يتغيّروا، أصوات هؤلاء المجلجلة كذلك لم تتغيّر اللهم إلا أنها بدّلت المنابر، بعضها بدّل المنبر القوميّ بآخر أميريّ متنور وقد دفعته قوميّته الديموقراطيّة وفكره المتنور إلى أن يرى الخطر على الأمة تبدّل موقعه من إسرائيل وربّاتها وآت من إيران وحلفائها، خصوصا وأن هذه الرؤية مكسوة من قاعها إلى رأسها بالأخضر الأميركي المكتوب عليه ب"الله نحن نثق". وبعضها بدّل المنبر الداعم للمقاومة الإسلاميّة بآخر عثمانيّ أكثر دعما وأكثر مقاومة ومن خلال تحالف مع "محبّي" أمتنا الإسلاميّة من الفرنجة، يذبح بعتادهم المُحسّن في المصانع العسكريّة الإسرائيليّة، الأكراد بالجُملة كما ذبح أجداده الأرمن بالجُملة، وأكثر معاداة لأعداء الأمة الإسلاميّة من خامينئي شرقا إلى نصرالله غربا !!!.          

أمّا للأشقاء السوريّين شعبا بغالبيّته وقيادة ومعارضة وطنيّة فنقول: قرّوا عينا فالكثيرون الكثيرون من فلسطينيّي ال-48 معكم بتصديكم للعدوان بغض النظر عن صمت بعض الأصوات أو خرس غيرها من التي كانت تجلجل في عين التينة، صوت الناس وقلب الناس عدا من رهنوا أنفسهم ل "الحمامدة" و"الأرادْغِنة"، معكم، واذكروا أن صوتا واحدا معكم من فلسطينيّي ال-48 نظيفا من الدولار والريال ومغموسا مبدئيّا بقوة البقاء أقوى من كلّ الأصوات ناكرة الجميل، رغم إنّا نعرف أنكم لم تحتضنوا أحدا يوما وتدعموا آخر يوما انتظارا ل"رد جميل".

الكاتب والنائب والمحامي

سعيد نفاع

أواسط حزيران 2012

[email protected]

2013-04-07