الخميس 20/10/1444 هـ الموافق 11/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تداعيات النص في رواية سأمضي للروائي صالح جبار خلفاوي /سعاد بن صافي

  إذا كانت الرواية تلك الحكايات المتناقلة هنا و هناك من خيال محبك و مجتمع مربك للكاتب ليجد من خلالها متنفسا ليبث فيها و عليها ما يختلجه من شعور أو تفكير ,تأتي الرواية على جناح السرعة لتحلل و تناقش و تستحدث قضايا كانت حاملة بمجتمع لا لتحرر أو تستعجل قضية لا بد من كسر قيدها و إعلاء منبر لها لتخرج من نطاق الصمت ,فكان الكاتب صالح جبار خلفاوي في الموعد برواية القصيرة سأمضي من إمضائه.فماذا قدّمت سأمضي للمرأة المقيدة بحقل الأدب؟

اختلفت الرواية من ..إلى ..في مناقشة أو التوغل بمواضيع تنبع من المجتمع ,و كل أديب أو روائي كان يحمل همّا ما يفشيه عبر الكتابة ,فكان الكاتب صالح جبار خلفاوي في الموعد لنهوض بقضية أقل ما يقال عنها أنها تحمل في طياتها المجتمع و لأنه أدرك أن المرأة هي المجتمع وجه الأنظار إلى ذلك المخلوق حرّا ليصبح عبدا بمجتمع يناهضه و يرفض صوته,الرواية القصيرة سأمضي تأخذنا إلى أيام كانت فيه المرأة عبدا و آلة بالبيت ,تتنقل من بيت الأهل إلى بيت الزوج و هذا أو ذاك هما العقل المدبر له الذي يقوم بقولبة مصيرها كيف ما شاءوا بدوني أن تتدخل أو يكون لها رأيا بمجتمع ينطلق من رحمها. و بذلك نقل لنا صورة التعسف التي تعرضت له المرأة بسنوات السبعينات و أيام المجتمع ألذكوري منطلقا من المجتمع العراقي ليدخل به إلى المجتمع العربي كافة من الباب الواسع لقضية التعسف ,متوغلا أكثر بنفسية المرأة و ما ينجر عن التحكم بها و القيود المفروضة عليها و قرار زوجها بطلاقها بدون رغبة منها بألفاظ كانت أحيانا تهز شعورنا بالإحباط على امرأة عانت الويلات أنا ذاك من خلال البطلة وأحيانا أخرى تمتعنا بتحررها الاقتصادي و بداية التفتح لقبول المرأة أن تتحرر من التبعية بالعمل و النهوض بالاقتصاد من خلال أخ البطلة الذي كان يرفض حتى عودتها بعد الطلاق و التغلب على شر و غيرة زوجة أخيها التي كانت دائما تحاول أن تزرع حقدها بقلب أخوها عليها .و كيف كان ينقلها لنا من صورة الضعف إلى قوة المرأة الكامنة و خبثها الكامن .

بكل قوة و انتصاب يتغلغل بنفس المرأة ليحللها و يقرأ ما بداخلها من خير و شر و يعرضها سأمضي بأسلوب قريب جدّا للسهل الممتنع لما يحتويه على ألفاظ تكون سهلة الفهم لكل من توجه لقراءة هذه الرواية, بالرغم أنه استعمل الإيحاءات بأسلوبه حتى يستدرج القارئ أن يفهم ما يريد من خلال قراءاته و يسقط عليه ما يريد ,و يحاول أيضا الكاتب من خلا ل ذلك أن يسرق الفطنة من القارئ الذي تراقص عيونه النوم أو التعب ليفهم المراد له من خلال الرواية ,بالإضافة أنها تجعل القارئ يقيس ذاته على الرواية ليجد نفسه بها أو ربما قريبة منه .كما أن الموضوعية كانت طاغية على الرواية .

لكن حينما نأتي لنقرأ بسطور الموضوعية نجد أن الكاتب قد أدمج ذاته بداخل الرواية لأن الرواية ليست وصف و إنما هي قراءة و استنتاج و استنباط للكاتب و بالتالي كان يروي من ذاكرته ,فالذاكرة هي المادة الدسمة للكاتب و بالتالي في الكثير من الأحيان تكون الذاكرة خائنة ,فيستنجد هنا الكاتب بالخيال ليجد فيه ما فقده بذاكرته .

إضافة إلى أنه طرق عالم المرأة بجرأة كبيرة محاولا بذلك مناصفتها العذاب الذي تعرضت له من طرف الرجل المستحوذ على المجتمع إلا أنه يبقى رجلا و بتالي مهما حاول لا يستطيع أن يتوغل بها بشكل أكثر دقة لينقل لنا حالتها الحقيقية و الأسباب التي تدفع المرأة إلى الرضوخ لمجتمع سبب لها المعانات وبذلك تبقى جوانب كثيرة مظلمة لم يستطع التطرق إليها من خلال روايته سأمضي الذي ركز فيها على فترة السبعينات و هي بداية الخروج من الانغلاق حيث كانت المرأة ممنوعة و مرفوضة تماما أن تشارك برأيها أو أن تناهض هذا المجتمع المحصور بتقاليد متعسفة إلى الانفتاح الثقافي .

و بالرغم أيضا أن الأسلوب سهل إلا أنه كان يستعمل أحيانا إيحاءات تجعل القارئ يتيه عن المعنى الحقيقي ,كما يمكن أن يجعل هذه الرواية القصيرة قصة لحجمها . بالرغم كل ذلك إلا أن الكاتب فعلا استطاع أن يوشي بالظلم الذي كانت تتعرض له المرأة وشاركها بذلك من خلال هذه الرواية ,كما أنه ناقض المجتمع بذلك الوقت ليأتي بصفها و ينزع الستار على مسرحية فرضت عليها برغم أنه رجل هذا ما يدل أكثر على موضوعيته.بالإضافة انه بصم تحرر المرأة من خلال التحرر الاقتصادي لها و دورها الهام بنهوضها بالمجتمع من خلال النهاية المتحررة للبطلة و بذلك تناول هذه القضية بالرواية بطريقة فلسفية واقعية منطلقا من المرأة العراقية التي كانت مكبلة و عالة على المجتمع ,حيث نقلها من مستهلكة إلى منتجة .و بما يخص الأسلوب برغم أ، فيه إيحاءات إلا أن كل قارئ يستطيع أن يتوصل إلى أن الرواية نقلت و بكل جدارة قضية التعسف و التحكم بالمرأة .

أما بالنسبة لحجم الرواية و تسميتها بالرواية القصيرة فالكاتب هنا يحاول كسر التقليد ودخول بشكل جديد من الإبداع كما أنه يحاول مسايرة العصر بسرعته و كأنه يقلص الأهم و المهم ليقدمه للقارئ حرصا على وقته الضيق بعصر السرعة الذي يفرض نفسه فرضا. و في النهاية إستطاع الكاتب من خلال روايته سأمضي أن يكسر القيود و يفجر الكلمة كقنبلة مناهضة لما هو موجود من تعسف إتجاه المرأة بشكل أدبي مبدع من خلال هذه الرواية القصيرة سأمضي.

2014-03-17