السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الاعلام العربي في اسرائيل عبر تجربة "اذاعة الشمس" /نبيل عودة

اذاعة الشمس أوجدت مساحة جديدة من الاعلام المميز الذي يخترق ادق التفاصيل بجرأة وقوة ، مع مجموعة اعلاميين عرب من المستوى الممتاز ، مثل زهير بهلول، جاكي خوري، مصطفى شلاعطة ونبيل سلامة!
*****
يوصف الاعلام في الدول المتنورة بصفته سلطة رابعة يحسب حسابها الى جانب السلطات المركزية التشريعية، القضائية والتنفيذية ،سلطة قادرة ان ترفع وتنزل قيادات وان تؤثر على تشكيل الرأي العام وليست مجرد ناقلة أحداث، انما صانعة احداث وقطار شاحن للثقافة، للمجتمع، للفكر، للتنوير وبالأساس مرآة لمجتمعها المدني.
توصف الوسائل الاعلامية أيضا انها صانعة التاريخ ، او العامل المؤثر على مسيرة التاريخ، لم تعد وظيفتها تنحصر بنقل الأحداث، او بتأويلها، بل بدفع التطورات عبر تأثيرها الفكري والثقافي. الاعلام اليوم هو صانع للأخبار وليس انعكاسا لها.
من هنا قلت  ان الاعلام قادر على صناعة التاريخ بتأثيره على القرار السياسي او الاقتصادي، بتثقيفه الجماهير على حرية الرأي وعدم التردد في التعبير عن الموقف ونقد أي قرار او نهج سياسي ،  لذا ليس بالصدفة ان زعماء الدول يسـتأجرون خدمات صحفية، يوظفون مبالغ هائلة في استطلاعات الرأي ، يعتمدون على مراكز ابحاث ومختصون في مختلف انواع العلوم الاجتماعية والسياسية وغير ذلك من الطرق حتى لا يجدون انفسهم يفقدون قواعدهم الاجتماعية والسياسية وتصير حالهم أشبه برجل دين بلا رعية!!
تعدد وسائل الاعلام ، خاصة تطور الاعلام الألكتروني ضاعف قوة الاعلام ودوره، ضاعف تأثيره  وجعله متواصلا خلال كل ساعات اليوم.
من الواضح ان الاعلام المطبوع فقد الكثير من قوته، ولكن من الخطأ القول انه فقد اهليته وقدرته على التأثير، لذلك نرى ان الصحافة المطبوعة انشأت مواقعها الألكترونية لتبقى على اتصال متواصل مع قرائها. لكن الأهم، وهو لم يستوعبه الكثيرين  من الاعلاميين ، تغير الدور الاعلامي للصحافة المطبوعة في عصر الاعلام الألكتروني. لم يعد اعلاما اخباريا، لأنه من المستحيل ان ينافس الراديو والتلفزيون والانترنت.. بل لا بد ان يتحول الى اعلام خدماتي  اكثر..
عصرنا يتميز بإختصار المسافات بين الدول والثقافات ، عصر تحول فيه العالم الى قرية من حيث سرعة التفاعل والمعرفة بالأحداث. طبعا الحديث لا يدور عن اعلام لمجتمع صغير وفقير اعلاميا، حيث يبرز الفقر الاعلامي بسطوع في غياب اختصاصات صحفية متنوعة وهامة.
الصحافة ليست سياسة فقط، ليست تغطية لمجتمع بحدوده الجغرافية،الصحافة تشمل اليوم اطارا موسوعيا ، بدءا من العلوم بكل تنوعها واتساعها ، المجتمع بمختلف قضاياه، الثقافة ،الأدب،  التربية، الفنون على أشكالها من مسرح ورسم ونحت وموسيقى وسينما، الاقتصاد بكل تشعباته ، التاريخ بكل مراحله، السياسة بكل تفاصيلها واختصاصيين في قضايا العالم المتنوعة ولا ننسى الرياضة بكل فروعها..
حتى في المجال السياسي يبرز فقر اعلامنا الذي يتبع اسلوب النقل والالصاق.
الرأي الحر هو الغائب الكبير. اذا لم يعجب رأيك المحرر، فأنت مقاطع، اذا كنت على خلاف سابق معه، فانت مغيب، اذا انتقدت جماعته لن يصفح عنك "مسيحهم" اطلاقا، عليك ان تسجد للمحرر وفكره  لتصبح مقالاتك مقبولة وخاصة في الصحافة الحزبية، التي حولت الرأي الى مهزلة يمكن التنبؤ بجوهرها سلفا ، أي لا ضرورة لإضاعة الوقت لقراءة ما هو معروف.
لا انفي ان بعض الصحف اكثر تحررا.. ولكن ما الاحظه ان بعض المحررين لا ينوعون  في الأقلام، مما يجعل الصحيفة تدور في فلك ضيق للغاية، وهذا يبرز بقوة في الصحافة الحزبية، التي اجد صعوبة باعتبارها وسائل اعلام وليس نشرات حزبية، لأنها حصرت نفسها ورؤيتها بتفاصيل ضيقة وخانقة ولا هم لها الا تبرير سياسات حزبية، لا اقول أنها خاطئة او مرفوضة، لكنها تجعل من الصحيفة جهازا يكرر نفسه لدرجة الملل.
لحسن حظ المجتمع العربي في اسرائيل انه تطورت لدية وسائل اعلامية اكثر انتشارا وسرعة في التفاعل مع الحدث ومع الجمهور.
اعني نشوء اذاعة مستقلة.. كان لدينا هواجس حول افاق هذا المشروع!
الاذاعة ليست جديدة، بدأنا براديو 2000 .. كان مقيدا بأخباره ونشاطاته، ربما لأسباب مادية.
قبل عقد من السنين ، بدأت اذاعة الشمس نشاطها الاعلامي... لكل بداية قيودها ومشاكلها ونهج التجربة والتعلم.
اليوم استطيع ان اقول بدون تردد اني ارى باذاعة الشمس نقلة نوعية اعلامية لا توفرها المواقع الألكترونية او الصحافة المطبوعة، خاصة في مجال التغطية للأحداث السياسية والاجتماعية والتعليمية والاقتصاد وغير ذلك من الاهتمامات التي تشكل جزءا من حياة أي مجتمع بشري.
عملت لفترة قصيرة في اذاعة الشمس، لست من الأشخاص الذين بخفون نقدهم ورأيهم الشخصي، أقول بوضوح ومسؤولية ان اذاعة الشمس نجحت بمحورة نفسها في مركز اهتمام المستمع العربي.
ليس  لأن استطلاعات أجرتها مؤسسات مختصة للرأي اعطتها 85% من المستمعين العرب، هذه النسب لا تهمني ولا تقول لي شيئا.. وقد تكون فيها مبالغة. انما اقيم الاذاعة بناء على نشاطها العملي.
هنا لا بد من كلمة حق.. تنشط الاذاعة على تغطية مهنية للأحداث ،ليس اخباريا فقط، انما عبر شبكة واسعة جدا من المقابلات، مع خبراء، مع وزراء، مع أعضاء كنيست، مع قادة أحزاب، مع اقتصاديين بما فيهم وزراء مالية واقتصاد، مع محللين مختصين بقضايا العلوم والتعليم والهايتك.. مع رياضيين ومحللين.. ولا بد ان اشير ان حرية الرأي وحرية تناول المواضيع ، وعدم التردد باجراء مقابلات باللغة العبرية، لدرجة ان ثلث برامج الراديو التي تهم الجمهور والتي تتعلق بالأحداث والتطورات ، تجري باللغة العبرية. طبعا ليس هذا هو المهم في نشاط الراديو، ولكنها مساحة جديدة من الاعلام المميز الذي يخترق ادق التفاصيل بجرأة وقوة ، مع مجموعة اعلاميين عرب من المستوى الممتاز ، مثل زهير بهلول، جاكي خوري، مصطفى شلاعطة ونبيل سلامة وغيرهم ليعذروني عن عدم ذكر اسمائهم.
من الممتع جدا الاستماع للحوار بين الاعلاميين من الشمس ومختلف المختصين والسياسيين. يمكن القول ان الاذاعة بذلك هي منتج للأخبار، للأسف هذا لا ينعكس على الموقع لأسباب لا اريد الخوض فيها هنا.
اذاعة الشمس هي نموذج للإعلام الجيد والصحيح وليس لمجرد نقل ولصق اخبار وتقييد حرية الرأي.
قبل سنوات كتبت انه حتى اليوم لا يوجد اعلام يمثل مصالح وتطلعات المجتمع العربي المدني في اسرائيل – هناك اعلام حزبي مباشر . وهو اقرب للنشرات الحزبية الداخلية، ويتركز معظمه بالحياة والنشاطات الحزبية وأخبار القيادات الحزبية والدعاية للحزب ، وهذا يتزايد في مرحلة فقدان الأحزاب لأدوارها كمنظمة وقائدة ومثقفة للمجتمع المدني، وهو الدور الأساسي الذي اعتقد انه منوط بالأحزاب. وانه حتى الثقافة اسقطت من أجندة اعلامنا، بفهم خاطئ للدور التعبوي الحاسم للثقافة في حياة المجتمع المدني الحديث، وان السياسة بعزل الثقافة تصبح خواء.
اليوم اقول بدون تردد ان اذاعة الشمس تشكل رافعة اعلامية لقضايا المجتمع العربي. طبعا يد واحدة لا تصفق، لكن ليت نموذج اذاعة الشمس ينتقل لسائر صحافتنا  مع اخذ ظروف النشاط ، اختلافه وتنوعاته لكل وسيلة اعلامية .
قبل النهاية اشير ان اذاعة الشمس لم تنجح باطلاق برنامج ثقافي فكري يشكل منبرا اساسيا لجمهور المثقفين العرب في اسرائيل. الثقافة مسالة مصيرية هامة في صيرورة كل شعب. انا على ثقة ان ادارة اذاعة الشمس متنبهة لهذا الموضوع، طبعا هناك جوانب تتمتع بتغطية، لكن الجانب الثقافي موضوع يحتاج من ادارة الشمس الى دراسة جادة وخطوات في الاتجاه الصحيح.
من الأهمية التاكيد على ان الثقافة تعني القدرة على التفكير والقدرة هلى صياغة الرؤية المستقبلية، والقدرة على تجديد روح الابداع في الفكر الاجتماعي والسياسي وتوسيع آفاقهما.
ان تجربتنا الثرية  حتى سنوات السبعين من القرن العشرين، في النشاط الاعلامي، شكلت الثقافة فيه القاعدة الصلبة التي بنيت عليها استراتيجياتنا السياسية والنضالية كلها، والتي أثمرت أفضل انتصارات سياسية في تاريخ الأقلية العربية في اسرائيل، وبنفس الوقت أعطت للثقافة العربية أسماء أدبية لامعة شكلت قمة ثقافية للعالم العربي كله .
من المؤكد ان الواقع الاقتصادي للعرب في اسرائيل ، يلعب دوراً سلبياً في تطوير الأعلام العربي في اسرائيل ... وحتى اليوم لم نشهد ان رجال اعمال عرب يعطون اي قيمة للإعلام، ما عدا استعدادهم لنشر بعض الاعلانات وبأسعار بخسة، لم تنشأ في مجتمعنا ظاهرة الارتباط بين الأعلام ورجال الأعمال ( الى حد كبير هذا الأمر بارز في اذاعة الشمس فقط).
وانوه ان السياسة الرسمية في اسرائيل معادية للأعلام العربي وحتى للإعلام العبري الذي ينتقد المؤسسة الحاكمة.
حسب مصادر مختلفة، لا تزيد حصة الاعلام العربي في اسرائيل من كعكة الاعلانات الحكومية والخاصة، عن  1,5 %  من ميزانياتها، مع ان العرب يشكلون 20 %  تقريبا من السكان، والشركات الاسرائيلية تعطي حصة هزيلة من الدعاية رغم ان بعضها يسوق حصة كبيرة من انتاجه للوسط العربي!!
إن "ثقافة الفقر" التي تسيطر على وسائل اعلامنا  ، خاصة المطبوعة منها .. تنعكس سلبياً على دور هذه الوسائل، وعلى مستوى المنتوج الإعلامي الذي يقدم للمتلقى (المواطن) العربي.
لا بد من التأكيد ان اعلاما بلا حرية راي وحرية فكر، هو اعلام بلا تنوير ويعيش بعيدا عن واقع الفكر والسياسة . ربما ينجح اعلانيا،لكنه نجاح لا صلة له بالواقع ولو كنت صاحب مصلحة اقتصادية لما نشرت ربع انش في مثل هذا الاعلام، لأن الاعلام المنغلق هو دعاية في الهواء بنفس الوقت!!
في تارخ الصحافة تطورت نظرية هامة في عصر النهضة الأوروبية، تعرف ب "نظرية الحرية" أو "النظرية الليبرالية"، وذلك ردا على النظرية السابقة التي سادت، "نظرية السلطة"، أو "النظرية السلطوية" والتي تمنع أي انتقاد حتى لموظف حكومي اذا فسد. النظرية الليبرالية  بُلورت في عصر النهضة الأوروبية، وبالتحديد، القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كتحد  للسيطرة  السلطوية على الصحافة، كان  من أبرز مروجي النظرية الليبرالية، المفكر الإنجليزي "جون ميلتون"، الذي كتب عام 1664، يقول: "إن حرية النشر، بأي واسطة، من قبل أي شخص، مهما كان اتجاهه الفكري، حق من الحقوق الطبيعية، لجميع البشر، ولانستطيع أن نقلل من حرية النشر، بأي شكل، وتحت أي عذر".
اذاعة الشمس هي الوسيلة الوحيدة التي لم تتردد في طرح التعددية الفكرية، تعددية المفاهيم السياسية والاجتماعية ، وبذلك تخدم القراء وتخدم المجتمع الذي يفترض انها تمثله اعلاميا!!
آمل ان ينعكس هذا على الموقع الألكتروني ايضا!!
[email protected]

2014-05-04