الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حماس والمسؤلية الوطنية... د.اسامه شعث

عند مراجعة التاريخ الفلسطيني القريب، يتأكد لنا ان ماجرى من حوارات بين منظمة التحرير وحماس منذ ربع قرن حتى يومنا هذا هي "حوارات مع طرشان"، فمنذ عام1991م والحوارات بدات في "الخرطوم وعمان والقاهرة وانقرة ومكة وصنعاء والدوحة وغزة...غيرها"... فحماس لا ترفض الانضمام الى المنظمة فحسب، وانما ترفض الاعتراف بالشرعية السياسية والقانونية لها...هي باختصار مشروع بديل عن مشروعنا، ولديها رؤية مختلفة عن رؤيتنا لادارة الصراع مع الاحتلال، بل وحتى تختلف معنا على الهوية السياسية للدولة الفلسطينية. فحماس لديها منطق غريب في فهم الديمقراطية، وهي تسخر الديمقراطية لتنفيذ مشروعها واجنداتها، فاذا فازت بالانتخابات لا تقبل بتكرارها، واذا فشلت لاتعترف بالنتائج...!، لهذا تخشى الانتخابات..!. بالامس القريب خسرت نقابة المحامين بغزة 6 مقابل صفر. وعلى الفور طعنت وشككت في نتائجها، واجزم.. بانها لن تعترف باي انتخابات في المستقبل على غير رغبتها... لان ثقافتها قائمة على عدم قبول الرأي الاخر.

فحماس اذن لا تقبل الشراكة السياسية او التداول السلمي للسلطة، فهي تعتبر انها صاحبة الولاية الربانية على شعبنا ولا شرعية لاحد غيرها، هي ترى منذ تاسيسها ان منظمة التحرير وفصائلها "مجتمعة" لا تمثل الشعب الفلسطيني.. ثم بعد حصولها على اغلبية برلمانية  في التشريعي، لا ترى لاي احد اي شرعية سواها، وتناست ان عدد المقترعين لصالحها في حينه 423 الف صوت، من اصل1,8مليون صوت يعني اقل من 25% ممن يحق لهم التصويت، وهؤلاء جميعا يمثلون ثلث المجموع العام لشعبنا، هذا يعني ان حماس تمثل فعليا ربع الثلث.. والعجب ان بعض قياداتها يتسابقون على الاعلام للتشكيك بشرعية الرئيس وانتهاء ولايته القانونية بينما المجلس التشريعي ولايته ابدية لا تنتهي..!

اذن هي تحدد الجغرافيا في غزة فقط، وتختصر الديمغرافيا ايضا على انصارها فقط، وتقتصر التاريخ الوطني على تاريخها فقط.. وتقرر ان البرنامج السياسي هو برنامجها فقط.. وكل ما هو خلاف ذلك تشكك به.

وهنا اود تذكير حركة حماس بان الشرعية لا تاتي من صندوق انتخابات فقط، وانما تاتي من حسن الرعاية وتحمل المسؤلية الكاملة عن الرعايا، يستحضرني حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ......الخ". فالمسؤلية اذن تقتضي من حماس ان تقوم بدورها الخدماتي والوطني الكامل لا ان تفتعل الازمات وتلقي بها على كاهل الغير..!، وبغض النظر عن مصدر تلك الشرعية (رباني او انتخابي)، اين حماس من مخيم اليرموك واهلنا بلبنان ودول الشتات، وتهويد القدس والاستيطان... اين هي من ارامل غزة وايتامها ومعاقيها وشهداءها ومشرديها، لقد حولت وللاسف كل تلك الدماء والاشلاء والكوارث التي حلت بغزة طيلة السنوات الثماني الماضية الى "انتصارات" وللاسف في كل مرة سرعان ما تهدي نصرها بدون مقابل الى قوى اقليمية بعينها... معنى هذا ان حماس ستدخل موسوعة جينس بالانتصارات لانها القوة الوحيدة في العالم التي خاضت ثلاث حروب وانتصرت فيها خلال سنوات.. ولكثرة انتصاراتها تقوم بتوزيع الغنائم السياسية على احبائها...!.

لقد تعلمنا في السياسة ان المنتصر يضع شروطه، وتزداد مسؤلياته بفعل فتوحاته وانتصاراته على الارض، ومع هذا نرى اخوتنا في حماس المنتصرون في حروبهم كافة...! يتهربون من مسؤلياتهم ويلقون باللائمة على حكومة الوفاق دون ان يسمحوا لها بمزاولة مهماتها في غزة..!، والتي اسندت اليها ما لاطاقة لجبال الارض على حملها، ولا مشكلة في ان تتحمل الحكومة كافة تلك الاعباء... ولكن ان تختصر حماس مهمة الحكومة بدفع رواتب موظفيها فقط، هذه مصيبة كبرى لا يجب السكوت عنها ابداً...

لقد توقفت كثيرا عندما تابعت امن حماس وهم يمنعون وزراء الحكومة من مزاولة عملهم في مقارهم الوزاريه بغزة، ثم منعهم من الاتصال والتواصل مع موظفين السلطة. واكثر ما يزعجني اولئك الذين يطأطئون رؤسهم، بل ان هناك من اصبح وكأنه وسيط ومحايد وهو في الاصل او من المفروض ان يكون جزء من الواقع..ويتحمل مسؤلياته الوطنية، نحن لا يجب ان نقف موقف المتفرج على ضياع حلمنا ومشروعنا الوطني، الذي سطره ابائنا الكبار، بقيام دولتنا التي نقترب منها بفعل الدهاء والبرغماتية السياسية التي يتمتع بها السيد الرئيس محمود عباس "ابو مازن" والقيادة السياسية من حوله. لذلك اقول الى اخواننا في حماس ارحموا شعبنا من اللهو السياسي، لا تعبثوا بمصائر واحلام وامال اولئك المشردين والحالمين بمستقبل افضل، ارحموا تطلعات اطفالنا اليتامى والنساء الارامل والمعاقين والشيوخ بالعيش كباقي شعوب الارض.

كاتب ومحلل سياسي. 

2015-04-30