الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
العصمة في يد الزوجة والتجارب القانونية ...الدكتور عادل عامر

«لا يوجد في القانون ما ينص على أحقية الزوجة بالعصمة، ولن يرضخ القانون لمثل هذه الطلبات، فهو منفذ لشرع الله ومطبق له على الأرض، وعلى كافة الخلق بالمساواة، والمرأة لا يحق لها اثنان في نظر القانون، وهما: العصمة والولاية إلا إذا طلقها الرجل وهو مدمن، فتكون الولاية للأم على أطفالها في حالة بقائه حياً، أما القانون فلا ينظر للمرأة التي تكون العصمة بيدها بأنها سوية، وذلك لأن الله حفظ لها حقوقها بالطلاق أو الخلع». أنه يحق للرجل بعد إبرام عقد الزواج غير المشتمل على شرط العصمة أن يقوم بكتابة ورقة يقر فيها بأنه تنازل عن العصمة لزوجته وهنا يجوز للزوجة توثيق ذلك في العقد لدى محكمة الأحوال الشخصية، شريطة حضور الزوج.

 كما يحق للزوج أثناء كتابة العقد تقييد الحالات التي يجوز للمرأة العصمة فيها، كأن يشترط أن تكون العصمة بيدها إذا أخل بواجباته الزوجية؛ ولكن لا يحق له التراجع عما اتفق عليه من إعطائها العصمة سواء كان في صلب العقد أو بشكل لاحق. وأكد الغيث أن للزوج حق تطليق زوجته حتى وإن كانت العصمة في يدها، كون هذا الحق أصيلاً له ولا يمكن إلغاؤه، وهنا يصبح الحق للزوج والزوجة.

 لان المرأة عاطفية بطبعها، وسريعة الغضب، وقد تطلّق نفسها لأسباب بسيطة، لذا فهو لا يرجح أن تكون العصمة بيد الزوجة. أن القانون أجاز للمرأة أن تشترط ما تشاء ويجوز لها أن تجعل الطلاق بيدها أي “تفوض نفسها بالطلاق”، لافتا إلى المفهوم الخاطئ السائد لدى الناس بأن العصمة بيد المرأة وأنها متى أرادت تطلق نفسها، في حين أن الصواب هو “أن الرجل يفوض المرأة بأن تطلق نفسها وليس زوجها”.

لان القانون منح المرأة إضافة إلى ذلك حق الافتداء أو الخلع، الذي منح هو الآخر المرأة حق تطليق نفسها ولكن من خلال القاضي. وليس هناك أثر سلبي لإعطاء الزوجة حق تفويض نفسها بالطلاق “العصمة”، أو إسقاطات سلبية على علاقة الزوجة بزوجها أو حتى علاقتها الأسرية لأن إعطاء المرأة هذا الحق لايعني أنه سيف مسلط على رقبة الرجل، مؤكدا أن الزوج الذي يعطي للزوجة حق تفويض نفسها في الطلاق لايفقد حقه في تطليق زوجته في حال أراد ذلك. وتستحق المرأة في حال اشترطت هذا الشرط وطلقت نفسها أن تأخذ مهرها كاملا ما لم يكن هناك شرط أو اتفاق يلغي استيفاء المهر.

 أن ثقافة المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه يمجد بطبيعته الرجل ويعطيه حق القرار في كل الأمور التي تتعلق بالحياة. ويجد المجتمع أن منح العصمة للمرأة فيه نوع من الخنوع والخضوع للمرأة، الأمر الذي يخلق الكثير من المشاكل في العلاقة الزوجية، لاسيما وأن الرجل بطبيعته يميل إلى مسايرة المجتمع دائما. ولكن الشرع قد جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة لحكم بالغة منها: أن المرأة تغلب عليها العاطفة سواء في الغضب أو الرضا, ويكثر اندفاعها لتلبية دواعي هذه العاطفة، بخلاف الرجل الذي هو أقدر على ضبط عواطفه وانفعالاته وتحكيم عقله, وخاصة عندما تقع المشكلات بين الزوجين, ويثور الغضب بينهما, ومنها: أن الرجل هو الذي يقع عليه العبء الأكبر في الزواج فهو الذي يدفع المهر وهو الذي يطالب بتأسيس بيت الزوجية وهو الذي يطالب بالنفقة على المرأة وعلى الأولاد فحقيق أن يجعل أمر الطلاق بيده, على أن المرأة ليست ممنوعة من طلب الطلاق مطلقا بل هي ممنوعة من ذلك فقط عند استقامة الأمور وعدم وجود ما يدعو للطلاق، أما عند وجود ضرر يلحقها في دينها أو دنياها فيحق لها طلب الطلاق ويحكم القاضي لها بذلك وليس للزوج في هذه الحالة أن يأخذ عوضا عن الطلاق بل إما أن يمسك بمعروف أو يفارق

أن هناك تزايدا في عدد السيدات المصريات اللاتي يطلبن أن تكون العصمة في يدها، باعتبار ذلك شرط للزواج من الرجال، وأن هذه الحالات ارتفعت في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى 16 ألف حالة!. وتشير سجلات المأذونين إلى تزايد نسبي في هذا النوع من الزواج، الذي يوافق فيه الزوج علي إعطاء المرأة حق تطليق نفسها، ويتنازل عن العصمة لها، بالمقارنة مع عقود سابقة، ووجود حالة زواج من هذا النوع بين كل ثمانين حالة زواج تقريبا، تزيد في بعض الأحيان إلى حالة بين كل 25 حالة، وذلك في بعض المناطق.

 إن دفاتر موثقي العقود أشارت إلى أن عدد السيدات المتزوجات، اللاتي حصلن على العصمة بلغ 50 ألف امرأة، وأن أسباب تمسك العديد من السيدات بها، ترجع إلى رغبتهن في الإمساك بحق تطليق أنفسهن عند الضرورة.

 أن غالبية الحالات، التي تلجأ فيها المرأة إلى طلب أن تكون العصمة في يد الزوجة، هي حالات لسيدات يتزوجن من رجال أقل منهن مركزا اجتماعيا أو وظيفيا، ولذا يلجأن لهذا الحل كنوع من الاطمئنان إلى سهولة تطليق أنفسهن من دون مشكلات مع الزوج.

إن هذا نظام شرعه الله وله مبرراته القوية .. فالقاعدة هي أن العصمة في يد الرجل لأن له سلطات مادية واسعة .. لكن في الحالات الضيقة والتي قد يسئ فيها الرجال استخدام حق العصمة فقد أباح الشرع للمرأة استخدام هذا الحق وهو أن تحتفظ المرأة لنفسها بالحق في تطليق نفسها .. وهذا يحدث فيما إذا كانت  المرأة أكثر نفوذاً أو ثراءً من الرجل وتخشى من مساومة زوجها مقابل حصولها على الطلاق في حالة حدوثه فتسعى لتأمين نفسها، لأن معظم الرجال يبتزون  المرأة التي تجد نفسها غالباً مضطرة للتنازل عن جميع حقوقها المادية عند طلب الطلاق.

 أن الضرر الذي يقع على المرأة من الزوج ويبيح لها الطلاق يتعذر إثباته أمام المحكمة، خاصة قبل إقرار مبدأ الخلع، حيث كان متوسط نظر قضية الطلاق لا يقل عن سبع سنوات في الدرجتين الابتدائية والاستئناف بالإضافة إلى ثلاث سنوات إذا طعن على الحكم بالنقض وهناك تعقيد آخر يحدث وهو إذا ألغت محكمة النقض حكم الاستئناف بطلاق الزوجة .

. ومن المعروف أن حكم الاستئناف حكم نهائي يعطي للزوجة المطلقة حق الزواج مرة ثانية .. فإذا استخدمت حقها في الزواج بعد مدة انتظار تزيد على سبع سنوات ثم نقض الحكم تصبح في موقف لا تحسد عليه وقد تتهم بتعدد الأزواج والزنا. إن تزايد ظاهرة احتفاظ الزوجات بحق العصمة  إلى فشل قانون "الخلع" في حل الكثير من مشكلات الزوجات، قائلة :"لم يحقق قانون الخلع ما كنا نرجوه منه، فتطبيقه شابه الكثير من التحريف، فحتى تحصل المرأة على الطلاق خلعا، لابد أن تبقى لوقت طويل، يصل أحيانا لعامين، فتخسر كل شيء، هذا بالإضافة إلى أنها تضطر لإبداء أسباب أعفاها الشرع من البوح بها، مما يسيء للعلاقة أكثر بينها وبين والد أبنائها، لذلك فالعصمة أفضل كثيرا، حيث تحافظ على خصوصية العلاقة، وفي الوقت نفسه لا تجعل المرأة تحت رحمة أهواء زوج يريد إمساكها، على الرغم من إرادتها، وترحمها من ساحات المحاكم، وإهدار إنسانيتها.

الدكتور عادل عامر
دكتواره في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو المجلس الرئاسي للشئون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الازهر والصوفية

2015-09-13