الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
'إسرائيل' تتمتع بوفرة كبيرة في المياه وتسوق الأكاذيب حول شح الموارد المائية ....جورج كرزم

أفاد تقرير أخير صادر عن ما يسمى سلطة المياه في "إسرائيل" قدّم للحكومة الإسرائيلية، بأنه مع الانتهاء من إقامة منشأة لتحلية المياه في أسدود، ستصل قدرة الإنتاج السنوية في جميع منشآت التحلية إلى 600 مليون متر مكعب من المياه، أي نحو 70% من إجمالي الاستهلاك المنزلي للمياه في "إسرائيل".

وبسبب ارتفاع القدرة الإنتاجية لمنشآت التحلية الإسرائيلية، وزيادة استخدام المياه العادمة المعالجة في الري الزراعي؛ فقد انخفضت، في السنوات الأخيرة، تبعية إسرائيل لمياه الأمطار؛ علما أنه بفضل تكرير المياه العادمة واستعمالها الفعال، فإن معظم المحاصيل الحقلية الإسرائيلية تروى حاليا بالمياه العادمة المعالجة.    

وورد في التقرير، بأنه رغم شح الأمطار غير المسبوق عام 2014، والذي ضرب دولا عديدة في العالم، فإن الاستعداد الإسرائيلي المسبق جعل المستهلك الإسرائيلي لا يشعر تقريبا بالأمر.

ومن ناحية أخرى، أقرت "إسرائيل" بوجود تلوث كبير في حوض مياه الساحل الفلسطيني، سببه الأساسي مصادر صناعية.  وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن أكثر من عُشر مخزون المياه في ذلك الحوض تلوث من مصادر مختلفة أهمها المنشآت الصناعية.

 

فائض مائي للاستهلاك البشري وللزراعة

ومنذ أوائل العام الماضي، كشف الخبير الاقتصادي الإسرائيلي المعروف "يوفال إليتسور" ("هآرتس، 24/1/2014) بأن إسرائيل تتمتع حاليا بفائض مائي للاستهلاك البشري وللزراعة؛ وذلك، إلى حد بعيد، بسبب إقامتها بضع منشآت جديدة لتحلية المياه، وتطويرها حقول الغاز الطبيعي الذي يمكنه تشغيل تلك المنشآت بثمن بخس.  ولكن، رغم ذلك، ولأسباب سياسية واقتصادية واضحة، تحرص الجهات الحكومية الإسرائيلية على التقليل من شأن هذه الحقيقة، وتواصل زعمها بأن "البلاد" (أي فلسطين التاريخية إجمالا) تعاني من شح الموارد المائية، ويجب، لذلك، "الحفاظ على كل قطرة ماء".

ومنذ إنشائها، اعتبرت إسرائيل الموارد المائية مسألة أمنية استراتيجية من الدرجة الأولى، ودأبت باستمرار على زيادة الكميات المنهوبة ليس فقط من فلسطين، بل ومن سائر الأراضي العربية، وبخاصة لبنان وسوريا.

في عام 2008 قررت الحكومة الإسرائيلية إنشاء خمس منشآت تحلية كبيرة على طول الساحل الفلسطيني (في الخضيرة ومستعمرة "بلماخيم"، وعسقلان ومستعمرة "سوريك" وأسدود).  ، وذلك بهدف توفير 505 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويا بحلول عام 2013 (وقد تحقق هذا الهدف عمليا عام 2013)، وصولا إلى 750 مليون متر مكعب سنويا حتى عام 2020.

ورغم "الوفرة" المائية" الكبيرة التي يتمتع بها الإسرائيليون، فإن سببا سياسيا يكمن خلف الغموض الإسرائيلي الخاص بحقيقة الواقع المائي الإسرائيلي؛ ذلك أن إسرائيل تستخدم مسألة المياه كوسيلة ضغط على العرب؛ فتستغلها لتحسين موقعها التفاوضي وعلاقاتها مع كل من الأردن والفلسطينيين وابتزاز الأخيرين.

 

أوهام فلسطينية

وفي المستوى الفلسطيني، مارس الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة ضغوطا على السلطة الفلسطينية لجرها إلى مزيد من التعاون المائي، وبخاصة من خلال ما يسمى لجنة المياه المشتركة (الإسرائيلية-الفلسطينية).  وتعمد "إسرائيل" إلى منع وقطع التوصيلات الفلسطينية إلى شبكة المياه التي تشغلها في الضفة الغربية، والتي تعتبرها "غير قانونية".  فقد قطعت العام الماضي 1187 توصيلة في خط مياه واحد فقط يعمل في منطقة الخليل وترقوميا.

ويستخدم الاحتلال المياه سلاحاً للتنكيل المنهجي والمنظم بالفلسطينيين والتلذذ بتعطيشهم وإذلالهم، يهدف أساسا إلى تخليد تبعيتهم له، ليس فقط في لقمة عيشهم، بل أيضا في قطرة مياههم.  بل، ويستخدم سلاح التعطيش أيضا لإخضاع الفلسطينيين وإرغامهم على الرضوخ للاحتلال ومشاريعه.

ورغم ذلك يتصرف بعض المسئولين الفلسطينيين وكأنهم يعيشون في "دولة فلسطينية ذات سيادة"، و"يتشرطون" على "إسرائيل" بأن عليها أن "تمنحهم" الحقوق "كاملة" وبأنهم "لن يسمحوا للمفاوض الإسرائيلي أن يحدد لنا بأن حقوقنا المائية أكبر من احتياجاتنا"؛ وكأن "المفاوض" الفلسطيني هو الذي يسيطر كليا على مصادر المياه وليس الإسرائيليين الذين يحددون الكميات التي على الفلسطينيين التصرف بها، ويقررون "تحريم" أو "تحليل" الكميات التي يسمح لنا الحصول عليها.  وهم يستندون في هذا الموقف إلى أن "اتفاقيات أوسلو اعترفت بحقوقنا المائية وبأن المفاوضات النهائية ستناقش الحقوق المائية للشعب الفلسطيني"؛ علما أن جوهر نصوص اتفاقيات أوسلو مذلة، وقد فرضها الاستعمار الإسرائيلي باعتباره هو الأقوى والمسيطر بشكل مطلق على الأرض والموارد الطبيعية.  

ولو افترضنا أن "المفاوضات" مع الإسرائيليين حول المياه سوف تتجدد، فإن السؤال الحاسم الذي يطرح نفسه فيما يتعلق بمسألة المياه التي تعتبر من أكثر مسائل التفاوض خطورة وحساسية، هو:  إلى ماذا سيستند "المفاوض" الفلسطيني في "مفاوضاته" حول المياه، في ظل ميزان قوى يميل كليا لصالح الكيان الإسرائيلي، وفي غياب أي قوة مادية حقيقية ضاغطة تمكن "المفاوض" من انتزاع حقوقنا في السيادة على مواردنا واستخدامها وإدارتها؟  هل سيتمكن فلسطينيو الضفة والقطاع، نتيجة لمفاوضات "الحل الدائم"، من استخراج المياه الجوفية في الحوض الغربي أو من استخدام ما لمياه حوض نهر الأردن؟  أم هل سيسمح الكيان للفلسطينيين بحفر أحواض أو مصائد مائية تقلل من تسرب مياه الضفة إلى داخل الدولة اليهودية، كما فعلت الأخيرة في حدود غزة لمنع تسرب مياه الضفة إلى القطاع؟

 

في ظل فقدان توازن القوى مع الإسرائيليين بالمقاييس العسكرية التقليدية وغير التقليدية، فإن المفاوض الأقوى في أي مفاوضات هو الذي يفرض شروطه على الأضعف، حيث إن نتيجة "المفاوضات" ليست سوى تجسيد وتكريس للخلل القائم في موازين القوى. فالمطلوب، إذن، بالدرجة الأولى، ليس تسويق الأوهام والأكاذيب للناس بأننا سنحصل في "المفاوضات" على حقوقنا المائية الكاملة، بل النضال المبدئي العنيد بكافة أشكاله، لانتزاع سيادتنا على أرضنا ومواردنا المائية.

مركز العمل التنموي/ معا

2015-09-22