الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الإحتلال من يسمي الإنتفاضة ويدير المعركة....مصطفى إبراهيم

بنيامين نتانياهو أبلغ المستشارة الألمانية تأجيل زيارته التي كانت مقررة هذا الأسبوع  لألمانيا لتدهور الأوضاع الأمنية في القدس والضفة المحتلتين، الأحداث تسير بخطوات متسارعة، ويبدوا واضحاُ أن دولة الإحتلال إتخذت قراراً مسبقاً بالقمع والعقوبات الجماعية لمواجهة الشبان الغاضبين وفاقدي الأمل الذين يتصدون لقوات الاحتلال. والمقاربة غير العادلة التي يتم تداولها وقول دولة الاحتلال بأنها لا تريد التصعيد، لكنها ستضرب بيد من حديد كل من يقوم بأعمال العنف والفوضى، وتصريحات الرئيس محمود عباس، نحن لا نريد تصعيدا عسكريا وأمنيا بيننا وبينها، لا نريد هذا، وكل تعليماتنا إلى أجهزتنا وتنظيمنا وشبابنا وجماهيرنا، بأننا لا نريد التصعيد لكن نريد أن نحمي أنفسنا.

حديث الرئيس يبدوا وكأنه لم يشاهد القمع والبطش، ولم يسمع ما أدلى به نتانياهو وعدد من وزرائه في الآونة الأخيرة، و الذين اعتصموا في القدس لتدهور الأوضاع الأمنية وفقدان السيطرة، وهم الذين اتهموه بالتحريض على العنف ضد الإسرائيليين ودعم ما أسموه بالـ"إرهاب"، في محاولة منهم لكسب الرأي العام العالمي واستباق أي مبادرة أو خطوة قد تتخذها السلطة الفلسطينية في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.

و يبدوا أيضاً أن هناك شبه إجماع، حكومة الإحتلال ورئيسها ومعه المحللين والصحافيين الذين يصرون على تسمية الأحداث الجارية بالإنتفاضة الثالثة، ويتسابقون في التحريض على إستباحة الدم الفلسطيني، في محاولة منهم التأكيد  على صبغ النضال الفلسطيني بـ "الإرهاب"، ومقاربة ما يجري بالإنتفاضة الثانية التي إستخدم الفلسطينيون فيها السلاح ونفذوا عمليات فدائية وتفجير حافلات، و يحددوا الهدف لمواجهة دامية و خاسرة وغير متكافئة.

وفي تناقض واضح وتضارب التصريحات الإسرائيلية وعكس ما يقوله نتانياهو ووزرائه، قال الجيش الإسرائيلي بعد اجتماع عقدته الاستخبارات العسكرية، إن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لا يحرض على إيذاء الإسرائيليين، بل يصدر الأوامر لأجهزة الأمن الفلسطينية لردع المتظاهرين في الضفة الغربية، و إن عباس وأجهزته الأمنية شنوا عدة حملات لردع عمليات ضد إسرائيل وهم الجسم الوحيد المانع لاندلاع انتفاضة ثالثة، وقاموا باعتقال العديد من المخططين للعمليات أو من ينوون تنفيذها وسلموهم لإسرائيل، وأكبر عملياته كانت يوم حرق عائلة الدوابشة في دوما حين استطاعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية صد المتظاهرين.

هذا بالإضافة إلى ما صرح به العديد من ضباط الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة إن الرئيس عباس، بالإضافة إلى مسؤولين كبار في السلطة، يعتبر عاملًا أساسيًا لردع المتظاهرين في الضفة الغربية ومنعهم من المواجهة مع المستوطنين والجنود، ويواصلون التنسيق الأمني مع إسرائيل لتهدئة الأوضاع.

الرئيس عباس القادم من نيويورك بخطاب الإعلان المرتبك الغامض بعدم الالتزام بالاتفاقات، قوبل بمفاجأة عملية نابلس، و إستمرار المواجهات في القدس وتمددها في مدن الضفة،  وهو في حيرة، وتحت اختبار و ضغط لتنفيذ ما أعلنه، وبين إستراتيجيته السلامية و التزاماته الأمنية الموقعة مع الاحتلال وبطشه وما يقوم به المستوطنين، ولم يجرؤ بعد على إعلان فكاكه منها، بل إستمر بالتعاون والتنسيق الأمني وقيام الأجهزة الأمنية بتنفيذ إعتقالات وقمع مسيرات شعبية احتجاجية تضامناً مع الأقصى، وهو يعلم أن لا حل سياسيًا يلوح في الأفق مع وجود الائتلاف الحكومي الحالي والبطش والقمع و قيادة منطقة القدس السياسية والعسكرية.

 وعلى الرغم من كل ما يجري، لم يحدد الرئيس إجراءات  واضحة بعد إعلان عدم الالتزام بالاتفاقات، كما أن الفصائل موقفها ليس واضحاً من المواجهات وتصاعدها، ومختلفين على تسميتها هل هي انتفاضة أو هبة شعبية؟ ولم يقرروا بعد الانخراط فيها، و في غياب القائد والفصائل والبرنامج و الأمل واليقين وفقدان الثقة يعيش الفلسطينيين حيرة وتيه، يبحثون ويحللون، هل هي انتفاضة أو هبة شعبية أم مقاومة فردية و ردود فعل ثأرية انتقامية؟

بالإضافة إلى ما يسود الساحة من اتهامات، و الدماء تسيل والجميع يطعن في الجميع ويتهم الآخر بالخيانة والتخاذل والهروب، والحال هو الحال من الارتباك والخوف والمزايدات وعدم الاتفاق احتراما للشهداء وإعادة الاعتبار للقضية، و تغول الإحتلال و إرهاب المستوطنين.

و في ظل الصمت الدولي على ما تقوم به دولة الإحتلال والمستوطنين، وكذب نتانياهو على العالم وتأجيله زيارته لألمانيا كي يوصل رسائل للمجتمع الدولي بما تتعرض له إسرائيل من "إرهاب"، في حين أن من يرتكب الجرائم جيشه والمستوطنين، وهو من يقوم بسياسة التضليل والكذب على الإسرائيليين لإخافتهم، حتى يدفعهم خوفهم إلى التمسك به على أنه سيد أمن، و الرجل المنقذ وحامي إسرائيل.

دولة الإحتلال هي من تسمي الإنتفاضة وتضع محدداتها وتفرض المعركة علينا وتديرنا، في غياب خطاب سياسي ومحددات وطنية واضحة وشفافة من الرئيس والقيادة الفلسطينية وحركة  فتح والإفصاح عن توجهاتها، ومصير الخطاب والأمل الذي بثه في صفوف الشبان الذين صدقوا ما قاله، والموقف من التنسيق الأمني واستمراره. و في غياب إستراتيجية وطنية موحدة والعمل الوطني المشترك، وغياب التوافق الوطني بين الفصائل الفاعلة خاصة حركتي فتح وحماس وتحديد المسؤوليات الوطنية، سيستمر الحال، وتكسب دولة الاحتلال معاركها التي لا نخوضها و يخوضها شبان غاضبون بردود فعل من دون خبرة ودراية، ويدفعنا قصورنا وقصور القيادة والفصائل إلى مزيد من الكوارث الوطنية.

2015-10-08