الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ومن الحبّ ما قتل...نسيمة الهادي اللجمي

  اشتدّ البرد .... اشتدّ أكثر .... أحسّت بلساعته توجع جسدها .. نظرت إليه ينام مطمئنّا و ابتسامة جميلة تعلو محياه البريء ...وعاد بها الخيال الى صباح هذا اليوم ...لما كان بصحبتها في الحقل حيث لعب بنشاط كان قد فقده منذ اصيب بالمرض ..لقد كانت ضحكته في هذا اليوم تملأ أرجاء الحقل وهو يطارد الفراشات ... ويغنّى مع العصافير ويرجوها بصوته الرقيق أن تخبره أين تذهب لما تطير بعيدا ويعدها بأن يحمل لها الكثير من الحبّ إن هي فعلت .. .

 

 

لقد خافت عليه اليوم ان يضاعف الإرهاق مرضه وهمّت أكثر من مرة أن تنهره عن اللعب لكنها كانت تصطدم بتلك الفرحة التي تغمره وتشرق على وجهه بنور الحياة ..... فكانت من حين إلى آخر تناديه وتضمه اليها ليأخذ نصيبا من الراحة في حضنها دون ان تمنعه من اللعب... وتمتزج دقات قلبيهما لتتكلم بابلغ الكلام عن قصة الانسانية المعذبة ... ويسرعة يفلت من بين أحضانها ليعود لها بالأزهار يضعها على شعرها و يصرخ في مرح " ماما صارت ملكة ولها تاج " ......
تردّد صدى صوته في أذنيها وسقطت على وجنتيها دمعتان .. دمعة ظلم ودمعة عجز ...وتملّت وحههه الملائكي وهو ينام مطمئنا مستسلما للمجهول ...وضوء الشّمعة يرتعش بالكاد يسمح لها برؤيته ... وصدرت منها آهة ألم لاعنة الفقر واليتم والمرض " .... و سرت برودة شديدة في أطرافها أسرعت على إثرها تدثّره بمزيد من الغطاء وكلّما أحسّت بالبرد دثّرته أكثر ...وظلّت تفعل إلى أن أخذها النّوم ......استيقظت فجرا مذعورة على إثر حلم غريب نظرت بجانبها لم تجده .....وقعت عيناها على كدس كبير من الأغطية المختلفة .... طار عقلها ...... أسرعت تزيح الأغطية ترمي بها هنا وهناك ..... وأخيرا وجدته ودوّت صيحة شقّت الفضاء .....أخذت طريقها إلى السّماء ....عمّ بعدها سكون موحش .... ويقال إنّ البعض قد شاهد في فجر ذلك اليوم طيف امرأة تحمل بين أحضانها طفلا صغيرا تعبر به فضاء الغابة وحولها هالة من نور أبيض سرعان ما امتزج بنور السّماء .

نسيمة الهادي اللجمي
صفاقس .. تونس

 
Photo de Nassima Hedi EL Lajmi.
2015-11-08