الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أمينة السبوعي: عودة المتمردة عارية الصدر

في عام 2013، غادرت الناشطة النسوية التونسية، أمينة السبوعي، البلاد بعدما نشرت صورة عارية لها تسببت في صدمة في جميع أنحاء العالم العربي.

وبعد عامين قضتهما في فرنسا، تعود أمينة إلى تونس، بخطة جديدة لإثار القضية.

في الثامن من مارس/ آذار عام 2013، من داخل منزل عائلتها في تونس العاصمة، وضعت ناشطة تبلغ من العمر 18 عاما، تدعى أمينة السبوعي، صورة لها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأخذت نفسا عميقا ثم ضغطت على مفتاح مشاركة المنشور.

وأظهرت الصورة أمينة وهي متكئة على أريكة جلدية، تقرأ كتابا، وتدخن سيجارة.

ووضعت أمينة أحمر الشفاه وكحلا أسود، وكانت عارية الصدر، وظهرت رسالة على نصفها العلوي باللغة العربية: "جسدي ملكي، وليس شرف أحد."

وعندما شاهدت التعليقات أسفل الصورة – والتي بلغت نحو ألف تعليق في الساعة الأولى- بدأت أمينة تشعر بالذعر.

وتوقعت أن تتعرض للإهانة، والكراهية، وكذلك أن تتلقى رسائل تهديد بالقتل.

ما لم تضعه أمينة في حسبانها أصبح الآن واقعا: أن اكتشفت والدتها الأمر، فأغلقت الكمبيوتر المحمول وغادرت المنزل.

وبعد ستة أيام، وجدتها والدتها مختبئة في منزل صديقة لها وسط تونس.

ودفعت ابنتها في سيارة وتوجهت جنوبا إلى مدينة القيروان، حيث تسكن شقيقتها، وقضت أمينة هناك الثلاثة أسابيع التالية حبيسة داخل منزل الأسرة.

لا يمكن تخيل أي تفسير منطقي لسلوك الفتاة، لذلك خلُصت الوالدة إلى أن ابنتها أصيبت بمس من الجن.

وتعد القيروان من بين أعرق الحواضر الإسلامية في أفريقيا، ولم يكن من الصعب العثور من بين رجال الدين هناك على رجل خبير في طرد الجن.

وتقول أمينة، أتي الرجل إلى المنزل أياما، وكان يضع يده فوق رأسها ويتلو آيات من القرآن، ويسأل إذا ماذا كانت تقيأت عصارة خضراء.

وعندما رن هاتف الرجل النقال وهو يهم ببدء طقوسه المعتادة، اعتبر هذا دليلا على وجود شيطان في الغرفة، لكن أمينة قالت له "عندما يرن هاتفك فهذا دليل على أن هناك شخصا ما يطلبك."

بحلول مطلع أبريل/ نيسان كان هناك أمل بشفاء أمينة من جنونها وتجاوزت الخطر على حياتها، وتركتها العائلة تعود إلى تونس.

لكن إذا كانوا توقعوا أن الأسوأ قد انتهى فإنهم اكتشفوا سريعا خطأهم.

فبعد شهر عادت أمينة إلى القيروان مرة أخرى، ليس لزيارة خالتها، ولكن للاحتجاج على اجتماع مزمع من جماعة أنصار الشريعة، وهي جماعة إسلامية متشددة برزت خلال الثورة التونسية في عام 2011.

وعلى جدار مقبرة ليست بعيدة عن مسجد القيروان الكبير، نقشت أمينة كلمة فيمن Femen- اسم جمعية نسوية أوروبية، مقرها الآن في باريس، والتي كان احتجاج عضواتها نصف عاريات مصدر إلهام لها للتصرف بتحد.

وألقت السلطات القبض على أمينة سريعا ووجهت لها اتهامات- أولا حمل رذاذ الفلفل، ثم في وقت لاحق الفحشاء وتدنيس مقبرة.

كشفت محاكمة أمينة الصدع الذي قسّم المجتمع التونسي على مدى عقود.

وتعد تونس من أكثر بلدان العالم العربي انفتاحا اجتماعيا، وكان الكثير من التونسيين – ناشطات نسويات وعلمانيين ونشطاء حقوق إنسان - على استعداد للدفاع عن حقها في الاحتجاج حتى لو لم يوافقوا على طريقتها.

الأصوات الليبرالية الأخرى، بما في ذلك أصوات نسائية معروفة، أدانت أمينة، بحجة أن تصرفاتها تمثل انتكاسة لحقوق المرأة، لأنها تحول ما يجب أن يكون نضالا اجتماعيا وسياسيا إلى انقسام وحرب لا يمكن الفوز بها خاصة فيما يتعلق بالإيمان والثقافة.

وكان صوت الإسلاميين أعلى من البقية وتجمعوا خارج قاعة المحكمة في القيروان، وطالب بعضهم بجلد أمينة أو حتى رجمها بالحجارة حتى الموت.

وفي مايو/ آيار تفاقم الوضع المتوتر عندما تظاهرت ثلاث ناشطات من منظمة فيمن الأوروبية عاريات خارج مبنى وزارة العدل التونسية، وتعرضن أيضا للإيقاف والسجن.

ومن جانبها شجبت مايا الجريبي، وهي سياسية تونسية ومدافعة عن حقوق المرأة التونسية منذ فترة طويلة، استخدام تكتيكات على غرار منظمة فيمن في بلد مثل تونس.

وقالت "الرجاء تركنا بمفردنا"، "أنتم تخاطرون بتدمير كل شيء ناضلنا من أجله."

وأطلقت السلطات التونسية سراح النساء الأوروبيات في غضون شهر، ليعدن إلى باريس.

وفي بداية أغسطس/ آب، خرجت أمينة أيضا من السجن، بعد أكثر من شهرين من إدانتها بحيازة رذاذ الفلفل وسجنها.

ولأنها لا تزال تواجه تهديدات بالقتل وحريصة كذلك على إنهاء تعليمها، فقد غادرت أيضا إلى فرنسا.

وكان هناك العديد من التونسيين سعداء لرؤيتها تغادر البلاد.

الآن، عادت أمينة، بعد عامين قضتهما في باريس، وعلى وشك إصدار مجلة نسائية جديدة.

وأنهت دراستها الثانوية في فرنسا، وغطت جسدها برسومات الوشم وشاركت في كتابة سيرة ذاتية نشرتها في باريس بعنوان، جسدي ملكي. دهم

وأكدت أمينة في العنوان وفي الكتاب نفسه، على نقطة هي أنها تحاول تخطي الصورة الأصلية، وهي أنه عندما يكون جسد الفتاة مصدر لفخر عائلتها أو شعورها بالعار، يصبح على الفور ملكية يجب أن يمتلكها ويحميها الرجال.

وأشارت إلى أن طلب الذكور باحتشام الإناث، يتضمن التهديد بالعنف، كما أن ما يسمى بـ "جرائم الشرف"، والتي لا تزال منتشرة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ليست سوى المظهر الأكثر تطرفا من هذا التهديد.

وتقول أمينة "إنهم يتحدثون عن الأشخاص الذين يموتون بسبب الكحول، والسجائر، وبسبب المخدرات، ولكن أيضا بسبب الشرف، ليس لدينا إحصاءات، ولكن أنا واثقة من أنها ضخمة."

وقضت أمينة الكثير من وقتها في باريس، في منزل عائلة الكاتب والناشر الفرنسي ميشيل سيتبون، والذي بدعمه المالي كانت أمينة قادرة على بدء العمل في مشروعها الجديد.

وتصف أمينة المجلة، التي ستبدأ طباعاتها في يناير/ كانون الثاني من العام المقبل 2016، بأنها "مجلة نسائية مناصرة للمرأة".

وتقول إنها ستحمل موضوعات تتطابق تماما مع تلك الموجودة في أي مجلة نسائية، مثل "التجميل، والموضة، والطبخ، لكننا سنتحدث أيضا عن الكتب، سنتحدث عن الإجهاض، المثلية الجنسية، اللاجئين، والعلمانية. سنحاول أن نجعلها مثيرة لاهتمام كل إمرأة."

وستسمى المجلة "فريدة"، وهو اسم عربي لفتاة، لكنه يحمل عند أمينة صدى كلمة الحرية Freedom بالإنجليزية.

 

وستطبع المجلة بالعربية فقط، وتستهدف النساء في سن ما بين 15 إلى 25 عاما.

وتستلهم مجلة فريدة مواضيعها من مجلة سابقة اسمها "فائزة"، والتي صدرت في تونس لأول مرة عام 1958، على أيدي صحفية رائدة اسمها، درة بوزيد.

وتبلغ بوزيد الآن من العمر أكثر من 80 عاما، ولا تزال ناشطة في تونس، وكانت تخطط للتعاون مع أمينة، لكنهما افترقتا بعد شجار.

ومهما كانت خلافاتهما، فإن أمينة تعترف بأنها تدين بالفضل للناشطة النسائية الأقدم، وترى أن هناك توازيا بين احتياجات المرأة التونسية في الوقت الراهن، وبين كفاح الجيل السابق.

وحينما نشرت بوزيد مجلة "فائزة"، كانت تونس بلدا حديث الاستقلال، وأصدر الحبيب بورقيبة، أول رئيس للبلاد، سلسلة من القوانين، أعطت حقوقا غير مسبوقة للمرأة التونسية.

وحظر تعدد الزوجات، وتم تقنين الطلاق، ولم يعد الزواج ممكنا دون رضا المرأة.

وترى أمينة أنه كانت هناك حاجة ملحة، لانعكاس الأفكارالعلمانية لحكام تونس على الصحافة الشعبية، وترجمتها إلى ثقافة الحياة اليومية.

فائزة، وهي أول مجلة للمرأة تنشر باللغة العربية، كانت جزء من هذه الحركة.

وتأمل أمينة في أن تعزز "فريدة" نفس القيم العلمانية التقدمية، في جيل النساء الشابات، اللائي كبرن في مناخ محافظ وأكثر تدينا في تونس، في القرن الواحد والعشرين.

والعداء للصيغ الأصولية من الإسلام هو الخيط، الذي يربط بين مظاهرات أمينة عارية الصدر وعملها كمحررة صحفية.

ولا تشعر أمينة بالندم إزاء الاستفزاز الشديد لصور الصدور العارية، لكنها لا ترغب في تحويل انتباهها إلى "شيء يستطيع كل شخص فهمه".

وتقول أمينة إن فريدة "ستكون ناضجة أكثر من كونها استفزازية. إنها لا تشبه الناشطة أمينة، إنها الصحفية أمينة. إنها شخصية أخرى".

ولا يزال الجدل الهائل، الذي أثارته أمينة عام 2013، مشتعلا.

وفي شوارع تونس وحتى في قرية سيدي بوسعيد الفاتنة، التي تعيش فيها أمينة حاليا، فإن ظهور أمينة في الشارع لا يزال يجلب الشتائم والانتهاكات، والتحديق فيما يعتبره الآخرون كفرا بواحا.

وربما تكون تونس واحدة من أكثر الدول ليبرالية في شمال أفريقيا، لكنها تظل بلدا تقليديا غالبية سكانه مسلمون، وهي مكان يثير فيه شعر أمينة الأزرق ووجها المتزين والوشوم الواضحة على جسدها الصدمة عند الآخرين.

كما أن التهديدات بالقتل أيضا لم تهدأ تماما. لكن أمينة حتى وإن كانت خائفة فإنها لا تبدي أي علامة على ذلك، وتقول إن الكارهين هم الخائفون حقا.

وتضيف: "أرى أن الناس هم الخائفون من المرأة، إنهم يحاولون فعل أي شيئ حتى لا نفتح أفواهنا، لأنهم يشعرون بخطر المرأة".

2015-11-29