الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مركز معا يتابع قضية إيقاف التحويلات الطبية لمشفى الرعاية العربية بسبب ملف "النفايات الطبية"

ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا، قضية النفايات الطبية التابعة لمشفى الرعاية العربية والتي ضُبطت في مطلع شهر كانون الثاني على الطريق الواصل بين شارع نابلس وبلدة سردا شمال مدينة البيرة، حيث حوّلت وزارة الصحة القضية إلى النائب العام لاتخاذ أشد الإجراءات بحق المشفى وبحق سائق الإسعاف المكلف بنقل هذه النفايات، بعد أن تبين أن النفايات المضبوطة تعود للمشفى المذكور. كما قررت الوزارة وقف التحويلات الطبية إلى مشفى الرعاية لحين قيام الأخيرة بتصويب أوضاعها.

ونوه التقرير الذي أعده الصحفي فراس الطويل إلى رد إدارة مشفى الرعاية التي أكدت فيه أنها غير مسؤولة عن النفايات الطبية بعد خروجها من المشفى، وأن المسؤولية تقع على عاتق سائق سيارة الإسعاف الذي يقوم بنقل هذه النفايات بموجب اتفاقية موقعة بين الطرفين، في حين أعتبر سائق الإسعاف أن هناك عملاً كيدياً مدبراً من أجل الإساءة له وللمشفى. نافياً وجود بند في الاتفاقية لنقل هذه النفايات.

 

بداية القضية

تعود القضية، كما يشير التقرير، إلى تاريخ الثاني من شهر كانون الثاني، حينما تعاملت طواقم بلدية البيرة مع كمية من المخلفات الطبية، قالت إن جهات مجهولة تخلصت منها على جانب الطريق الدائري بالقرب من الشارع الواصل بين شارع نابلس، وشارع بيرزيت.

وأفاد مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية البيرة إياد ضراغمة، أن طواقم البلدية فور تلقيها بلاغًا عن إلقاء سيارة تحمل لوحات تسجيل إسرائيلية، كمية من المخلفات الطبية، توجهت فورًا للموقع، وتعاملت مع هذه المواد وفقًا للأصول، بحرقها أولًا ثم طمرها.

 

وزارة الصحة: الملف إلى النائب العام

بعد ذلك، أضاف التقرير، شكلت وزارة الصحة لجنة تحقيق في ظروف الحادثة، حيث تبين أن هذه المخلفات تعود لمشفى الرعاية العربية برام الله، وخلصت اللجنة إلى أن المشفى لا يولي أي اهتمام لموضوع النفايات الطبية، حيث لا توجد أي سياسة  مكتوبة تضمن التجميع والفصل الصحيح للنفايات الطبية إضافة إلى عدم وجود آلية صحية لتسليمها.

ووفقاً لما جاء في خلاصة لجنة التحقيق التي حصلت "آفاق البيئة" على نسخة منها بعد الاجتماع بمدير عام صحة رام الله والبيرة دكتور وائل الشيخ ورئيس لجنة التحقيق مهندس طارق الرمحي، فإن المشفى لم يتخذ أي إجراءات صارمة بعد حدوث المشكلة، ما يعني وفق اللجنة الرسمية في الوزارة أن المشفى لا يعتبر الموضوع على رأس أولوياته، خصوصا أن المشفى لا يحتوي ضمن الهيكلية الخاصة به على نظام للجودة. ولا يوجد كذلك أشخاص يتولون المسؤولية للاهتمام بآليات التخلص من هذه النفايات، علاوة على عدم وجود مكان مخصص لحفظ وتجميع النفايات الطبية.

وفيما يتعلق بالسائق المكلف بنقل النفايات الطبية من المشفى إلى مكب بلدية رام الله الواقع في منطقة بيتونيا، بموجب اتفاقية بينهما، أفادت اللجنة بعد اجتماعها مع سائق الإسعاف طلال أبو عيدة، أنه أنكر أي علاقة له بالموضوع ولا يتحمل مسؤولية قانونية تجاه ما حصل.

 

مشفى الرعاية: لا نتحمل المسؤولية

على الجانب الآخر، يشير التقرير، إلى أن لجنة تحقيق داخلية في مشفى الرعاية خلصت إلى عدم وجود أي خلل في الإجراءات الداخلية الخاصة بفرز وتجميع النفايات الطبية، مشيرة إلى أنه يتم تجميعها في أقسام المشفى في (sharp box)  وأكياس خاصة، بالإضافة إلى فرز الأنسجة كالمشيمة في ثلاجة خاصة، بحيث يقوم عامل النظافة في كل قسم بتجميعها، (قام مُعد التقرير بالتوجه للمشفى وتأكد من وجود هذه الأكياس والصناديق والثلاجة في الأقسام)، وبعدها يتم استدعاء سائق الإسعاف طلال أبو عيدة الذي تربطه اتفاقية بالمشفى لاستخدام سيارة الإسعاف وإيصال الموظفين ونقل النفايات الطبية إلى مكب بيتونيا غرب رام الله. السائق نفى وجود أي سيارة تحمل لوحة صفراء لديه قامت بإلقاء النفايات في طريق سردا وفقاً لما ذكره شهود عيان وقت وقوع الحادثة، دون استبعاد احتمالية وجود عمل كيدي مقصود من قبل بعض الجهات التي لم يحددها بهدف الإساءة له وللمشفى.

وبين تقرير اللجنة، أنه "بعد مراجعة المختبر تبين أنه عن طريق الخطأ تم أخذ كرتونة لم يتم معالجتها بالتعقيم من قبل موظف النظافة، وأكد المختبر التزامه الدائم بالطرق الطبية المتبعة للتخلص من النفايات".

اللجنة ألقت الكرة في ملعب وزارة الصحة، حيث أشارت في تقريرها الذي حصلت "آفاق البيئة" على نسخة منه بعد الاجتماع بمدير الشؤون المالية والإدراية عبد الرؤوف عفانة ورئيس مجلس الإدارة د.عدوان البرغوثي، إلى افتقاد المشفى لأي تعاميم رسمية مكتوبة من قبل وزارة الصحة حول كيفية حركة النفايات الطبية من المشفى إلى الأماكن المخصصة لذلك.

وعلى ضوء ذلك أكد رئيس مجلس الإدارة في الرعاية العربية عدوان البرغوثي، أن مؤسسته لا تتحمل المسؤولية عما حصل، مشيراً إلى إتباع الإجراءات السليمة داخل المشفى، لكن حينما تخرج هذه النفايات بواسطة سيارة إسعاف مرخصة، تصبح المسؤولية ملقاة على عاتق سائق السيارة، وأضاف: "كمشفى ما دمنا ندفع لجهة معروفة ومرخصة، نحن لا نتحمل المسؤولية، الاتفاق بيننا أن توضع النفايات في المكب. لا يعقل أن تقبل مؤسسة صحية رائدة تستقبل نصف مليون مريض سنويا بمثل هذه السلوك، لا يمكن القبول بالأضرار بالناس".

 

سائق الإسعاف: مستعدٌ للتحقيق

ويشير التقرير إلى أن سائق سيارة الإسعاف طلال أبو عيدة نفى من جهته احتواء الاتفاقية الموقعة مع إدارة مشفى الرعاية على بند لنقل النفايات الطبية، مؤكدا على أنها تنص فقط على نقل الموظفين وتوصيل الحالات المرضية. أما النفايات الطبية فقال أبو عيدة لـ "آفاق البيئة" انه كان ينقلها لهم بشكل شخصي دون اتفاق رسمي، ويوصلها إلى مكب النفايات في منطقة بيتونيا، وهذا الأمر كان يحدث مرة كل شهر أو شهرين. وأشار إلى أن المشفى اتبعت آلية جديدة بعد المشكلة الأخيرة تنص على ضرورة تعبئة نموذج خاص بتسليم النفايات الطبية.

وأكد أبو عيدة أنه كان يقوم في بعض الأحيان بإلقاء النفايات الطبية في الحاويات المخصصة لها في مجمع فلسطين الطبي، قائلاً "موضوع النفايات خطير، ولا يمكن أن أقوم بإلقائها على أطراف الشوارع، يمكن أن أتضرر منها أنا وأولادي في المقام الأول".

وأبدى أبو عيدة الذي يعمل في مجال الإسعاف منذ سنوات، استعداده للمساءلة والتحقيق من قبل النيابة العامة. متوقعا في الوقت نفسه احتمالية وجود عمل كيدي من قبل موظفين في المشفى، حيث قال "حدثت في الآونة الأخيرة حالات فصل لموظفين وممرضين، ومن الممكن قيام أحدهم بنقل هذه النفايات وكبها على طرف الشارع، كل شيء وارد. مسألة أخذ النفايات ليس معقدا، توضع في صندوق صغير، يمكن حمله من قبل أي شخص من داخل المشفى، هذه الفرضية غير مستبعدة بالمطلق".

وكشف أبو عيدة في حديثه عن حالة مشابهة، تتمثل بالعثور على نفايات طبية خلف مجمع فلسطين الطبي نهاية العام الماضي 2015 ، متسائلاً : لماذا لم تتم إثارة الموضوع في حينه؟

 

النفايات الطبية ..مخاطر على الإنسان والبيئة

يؤكد الخبير المختص في الصناعات الدوائية والصحية د. أديب الصيفي لمركز معا أن المخلفات الطبية تمتلئ بالميكروبات والفيروسات وتسبب الأمراض خاصة تلك التي تنقل عن طريق الدم وعند الوخز بالإبر مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي. مشيرا إلى أنها تسبب أيضا تكاثر الحشرات والذباب والقوارض التي تلامسها، وتوسع دائرة انتقال الأمراض لمناطق أوسع من الناحية السكنية.

وبين الصيفي لـ"آفاق البيئة" أن حرق المواد البلاستيكية مثل الإبر والسرنجات وزجاجات المحاليل التي تلقى في القمامة تؤدي إلي انبعاث المواد المسرطنة مثل الدايوكسين والبنزوبايرين. موضحاً أن "تناثر الكيماويات الحارقة والقابلة للاشتعال وشديدة الانفجار (مثل مركبات الفرمولدهايد المستعملة في التعقيم وحفظ عينات الأنسجة) تؤدي إلى حروق وجروح الجلد أو العين أو الأغشية المخاطية للجهاز التنفسي.

وفيما يتعلق بأضرارها البيئية، أوضح الصيفي أن صرف بقايا الكيماويات إلى شبكة المجاري العامة (الصرف الصحي)، قد تؤدي لأضرار بيئية حيوية بسبب عدم توفر محطات لمعالجة مياه المجاري، للقضاء والتخلص من تلك المواد بالمقارنة مع  سهولة التخلص من الميكروبات.

وأضاف أن "بعض المخلفات الصيدلانية لها أثار مدمرة للنظم البيئية الطبيعية (natural ecosystems) مثل بقايا مخلفات الأدوية من مضادات حيوية وأدوية المستخدمة لعلاج الأمراض السرطانية (cytotoxic drug) والتي لها المقدرة على قتل الأحياء الدقيقة الموجودة والضرورية للنظام البيئي.

 وكذلك إمكانية حدوث طفرات وتشوهات للكائنات الحية المحيطة، ووجود كميات كبيرة من المخلفات الطبية السائلة الناتجة من المستشفيات المختلطة مع بقايا المعادن الثقيلة كالزئبق ومركبات الفينول ومشتقاته السامة وبعض نواتج مواد التعقيم والتطهير والتي تساهم أيضا في زعزعة تلك النظم، وفق الصيفي.

 

توصيات

واختتم التقرير بتوصيات الخبير في الصناعات الدوائية د. أديب الصيفي الذي قدم جملة من الإجراءات يمكن إتباعها لضمان التخلص من النفايات الطبية بشكل سليم ومنظم وواضح، تتمثل في:

1 - ضرورة توفر إجراءات العمل النموذجية وفق الممارسة الجيدة الدوائية والصيدلانية والطبية SOPs بحيث تكون هذه الإجراءات مكتوبة من قبل إخصائيين ومراجَعة من جهات الاختصاص داخل المؤسسة الصحية.

2- ضرورة تدريب جميع العاملين من موظفين وخدمات وفنيين وأطباء وصيادلة على هذه الإجراءات وتوثيق التدريب على السجلات الخاصة بهذه الإجراءات.

3- ضرورة إرسال هذه الإجراءات إلى وزارة الصحة للاطلاع والاعتماد.

4- توفير أماكن داخل المؤسسة الصحية لتخزين هذه المخلفات لمدة زمنية محددة وبالتنسيق والاعتماد من وزارة الصحة وفي أماكن محددة وآمنة وفق التوصيات المحددة لذلك محليا وعالمياً.

5- ضرورة وجود بروتوكول مع وزارة الصحة مباشرة لاستلام وإتلاف هذه المخلفات، وفي حالة عدم توفر ذلك ضرورة وجود طريقة معتمدة لإتلافها من قبل طرف ثالث وبإشراف الجهات المختصة في وزارة الصحة ( شركات خاصة أو حكومية).

6- العمل على تدريب جميع العاملين في المشفى نظرياً وعملياً على المفاهيم الأساسية للنفايات الطبية  ومخاطرها، وكيفية إدارتها.

7- ضرورة توفير البنية الأساسية اللازمة لإدارة النفايات الطبية في المشفى، كالسلال، والصناديق الخاصة بالأدوات الحادة، والعربات، وغيرها.

8- العمل على إضفاء الطابع المؤسسي على نظام إدارة النفايات الطبية ويشمل ذلك تثبيت المعرفة، والفصل، والجمع، والتخزين، والمعالجة، والتخلص النهائي من النفايات الطبية.

9- ضرورة توفير البنية الأساسية الخاصة بإدارة النفايات الطبية على مستوى البلدية وتشمل الحاويات، وسيارات النقل، والمعالجة المناسبة، والتخلص النهائي.

10- توعية السائقين ومرافقيهم من العمال وتدريبهم على القيام بعملهم في إدارة النفايات الطبية وتجنّب مخاطرها، مع أهمية توفير معدات الوقاية الشخصية لهم.

11 - تطبيق مبدأ المخالفات والغرامات والعقوبات على كل المؤسسات التي تخالف تطبيق نظام إدارة النفايات الطبية.

 

 

 

 

 

 

2016-02-10