السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مقاطعة المنتجات الإسرائيلية: سلاح استراتيجي أم تكتيك مفاوض؟!....وائل نصار

 

بدأت حملة المقاطعة العالمية للمنتجات الإسرائيلية BDS وهي اختصار boycotts Divestment and sanctions against Israel 'مقاطعة وسحب استثمارات وفرض عقوبات على إسرائيل'، نشأت في العام 2005 في الأراضي الفلسطينية، وهي تتكون من 170 مؤسسة فلسطينية، بالإضافة إلى ناشطين أفراد ومناصرين للقضية الفلسطينية، وهي تعد أحد أسلحة ردع همجية آلة الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين العزل، وقد أطلقت هذه الحملة نداء استغاثة للعالم الحر، بضرورة إيقاف التبادل السلعي والخدماتي بشكل كلي أو جزئي مع إسرائيل.

سلاح استراتيجي وفعّال

يبدو أن الاقتصاد هو الحلقة الأضعف بالنسبة للإسرائيليين، لذا بدت مقاطعة المنتجات الإسرائيلية 'بضائع وخدمات' كسلاح أنسب للفلسطينيين في هذه المرحلة وذلك لأسباب عديدة، من أهمها:

  1. يعد السوق الفلسطيني ثاني أكبر مستورد للمنتجات الاسرائيلية، لذا تعد المقاطعة سلاح يقدر كل فلسطيني على حمله، وهو الوحيد الجاني لثماره؛ فمن شأن هذه المقاطعة أن تساهم في دعم القطاعات الانتاجية الفلسطينية المختلفة، حيث تشير البيانات الى اعتماد الفلسطينيين على التجارة الخارجية بشكل كبير، فأراضي السلطة الفلسطينية تستورد سنوياً ما يقارب 5 مليار دولار، منها ما يزيد على 90% من إسرائيل، سواء بشكل مباشر (من المنتج الإسرائيلي) أو  بشكل غير مباشر 'عبر المستورد الإسرائيلي'، وفي كلا الحالتين فإن الخسائر المباشرة للخزينة الفلسطينية تقارب المليار دولار، ناهيك عن أن مقاطعة البضائع الاسرائيلية بما يعادل مليار دولار يمكن أن توفر ما يقارب 90.000 فرصة عمل فلسطينية، أو ما يعادل 11.5% من حجم التشغيل الحالي في أراضي السلطة الفلسطينية بحسب تقديرات الخبراء، فضلاً عما يترتب عليه من إنهاءٍ لسياسة القرصنة التي تنتهجها الشركات الإسرائيلية مع المنتجين الفلسطينيين، بوضع علامات تجارية إسرائيلية على المنتج الفلسطيني، وتصديرها بأثمان باهظة بعد شراءها بثمن بخس، بحجة أن العلاقات التجارية مع الإسرائيليين أكبر منها مع الفلسطينيين.
  2. حجم الاقتصاد الإسرائيلي كبير، حيث يعد الاقتصاد الاسرائيلي من أقوى الاقتصاديات في المنطقة، فقد وصل ناتجه المحلي الاجمالي عام 2012 إلى 283.3 مليار دولار، وهو يتمحور حول التجارة الدولية، وبالتالي فإن توجيه ضربات قوية له سيكون ذا أثرٍ تدميريٍ في قطاعات عديدة، ولا نبالغ إن قلنا أنه من السهل الوصول إلى أكثر القطاعات أهمية بحكم حالة التزاوج الاقتصادي الفلسطيني/الإسرائيلي؛ لذا فقد صنفت إسرائيل حركة المقاطعة العالمية كخطر استراتيجي يهدد وجودها، وخصصت ملايين الدولارات لمحاربتها، وعقدت العديد من الورشات والاجتماعات لمناصري إسرائيل وقياديين في الحركات الموالية لإسرائيل، في محاولة لدرء قوة تأثير الحركة؛ فقد سرب الاعلام الاسرائيلي قرارات اتخذتها الحكومة واجهزة الاستخبارات الاسرائيلية لمحاربة حملة المقاطعة ومن هذه القرارات رصد 100 مليون شيكل إضافية لشن حملات دعائية ضد الحملة وناشطيها، كما أصدرت وزارة المالية الاسرائيلية تقريراً نص على "أن المقاطعة هي أكبر خطر على الاقتصاد الاسرائيلي"، بل وصرح وزير المالية الاسرائيلي بأنه في حال استمرت المقاطعة في النمو وانخفض التصدير لأوروبا بنسبة 20%، ستخسر اسرائيل أكثر من 10.000 وظيفة وما قيمته 5.7 مليار دولار من العملات الاجنبية.
  3. سئم المجتمع الدولي العنجهيه الإسرائيلية في التعامل مع القرارات الدولية، ولعل المقاطعة تمثل ضالته التي ينشدها بعد أن استنفذ كل لغات الشجب والاستنكار والتنديد الدبلوماسي، وهي لغات باتت بائسة، تضيق بها صدور الشعوب الحرة، بل وجفت الأحبار في أقلام كاتبيها؛ لذا فقد وجدت الحملة صداها بين جدران البرلمان الأوروبي الذي أصدر قانوناً يحظر التعاطي مع منتجات المستوطنات الإسرائيلية، كما يشير الواقع إلى أن الكثير من الشركات الدولية بدأت تتعاطى معها بشكل حيوي، فتوالت الأخبار تباعاً، انسحاب شركات عملاقة من عطاء بناء موانئ اسرائيلية خوفاً من تنامي المقاطعة، وقررت الحكومة الالمانية استثناء الشركات والمؤسسات الاسرائيلية العاملة في الأراضي المحتلة عام 1967 من اتفاقيات التعاون العلمي مع إسرائيل، وقرر بنك دانسكه (أكبر بنك دنماركي) مقاطعة بنك هابوعاليم الإسرائيلي لتورطه في الاحتلال، وتراجعت الصادرات إلى الاتحاد الاوروبي بنسبة 7% عن 2011م، كما سحب ثاني أكبر صندوق تقاعد هولندي استثماراته من أكبر 5 بنوك اسرائيلية، والتي تفوق استثماراته الـ200 مليار دولار، إضافة إلى صندوق التقاعد الحكومي النرويجي الذي سحب استثماراته البالغة 810 مليار دولار من الشركات الاسرائيلية المرتبطة بالمستوطنات، وسحبت شركة ORANGE الفرنسية استثماراتها في إسرائيل وفض الشراكة مع شركة "بارتنر" للاتصالات، فيما أخفى الموقع الالكتروني لشركة "تيفال" الفرنسية، اسم إسرائيل من قائمة البلدان التي تباع فيها منتجاتها، وفي كل مكان كان يجب أن يكتب فيه اسم إسرائيل تمت كتابة اسم فلسطين.
  4. بدأت الحملة تجني ثمارها في إسرائيل ذاتها (فلسطين المحتلة عام 1948م)، حيث اتجه عدد كبير من الشركات الإسرائيلية العاملة في مستوطنات الضفة إلى تغيير مواقعها إلى داخل حدود فلسطين المحتلة عام 48، ووفقاً لتقرير صدر عن منظمة "كتلة السلام" الإسرائيلية المناهضة للاحتلال، فإن من أبرز الشركات التي اتخذت قرار نقل مواقعها من مستوطنات الضفة: شركة "أهافا" شركة البحر الميت المتخصصة بمنتجات العناية بالبشرة، وشركة المشروبات الغازية "صودا ستريم"، وشركة تصدير الملابس "دلتا الجليل للصناعات"، وشركة "تيفع" للمستحضرات الطبية والتي تعد أكبر مصنع لإنتاج الأدوية في العالم، و"شركة شاي عدنيم"، و"ايكو" لتصنيع الأثاث، وشركة "انتروكوزما" لمستحضرات التجميل، و"يونايتد" لصناعة المقاعد، وشركة "يارديني" للأقفال، و"مودان" للحقائب.

وإذا كانت مقاطعة المنتجات الإسرائيلية تعد شكلاً من أشكال المقاومة الشعبية السلمية التي يدافع بها الشعب الفلسطيني عن وجوده وحقوقه ومصيره، فإنها واجبٌ وعلى كل حرٍ غيورٍ الالتزام بها؛ لردع الاحتلال الإسرائيلي عن همجيته التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني، من قتل وحرق وتدمير وحرمانٍ من أبسط الحقوق وسلب لموارد الرزق واستغلال لمقدراته الوطنية.

ولكن يبقى السؤال المطروح: هل الحكومة الفلسطينية استطاعت أن تواكب اندفاع هذه الحملة؟!

إن البداية القانونية المتأخرة لما يقارب الـ 5 سنوات على بداية الحملة، بصدور القرار بقانون رقم (4) لسنة 2010م "بشأن حظر ومكافحة منتجات المستوطنات"، والذي كنا نتمنى أن يتزامن صدوره مع انطلاق الحملة في عام 2005م، كما وددنا لو أنه جارى اتساع غاياتها بحظر ومكافحة كافة المنتجات الإسرائيلية وليس منتجات المستوطنات فقط.

وكذلك تأخر البداية العملية للحظر والمكافحة حوالي 10 سنوات، باتخاذ اللجنة الوطنية العليا لمواجهة الاجراءات الإسرائيلية قرارًا في 9 شباط 2015، بمنع دخول منتجات 6 شركات إسرائيلية إلى الأراضي الفلسطينية، في أعقاب أعمال القرصنة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية لمقدرات الشعب الفلسطيني؛ وخاصة حجزها لأموال الضرائب المستحقة للفلسطينيين، وهذه الشركات هي: (شتراوس، تنوفا، أوسم، علييت، برغات، يعفورا)، ورغم ضعف تنفيذ هذا القرار على الأرض.

... كل ذلك يؤكد أن السلطة الفلسطينية لم تدرك بعد أنها تتعامل مع سلاح استراتيجي، يرسخ عزة الفلسطيني، ويحرر اقتصاده، ويجدد الثقة في قيادته بأنها لا زالت قادرة على اتخاذ قرارات وطنية جريئة وشجاعة.

لا زالت السلطة الفلسطينية ترقب المشهد من بعيد بين فعل الحملة ورد الفعل الإسرائيلي، هي ذات عين المفاوض التي اعتدنا عليها، تنأى بنفسها عن المشاركة في المشهد، وتتعامل معه كتكتيك تترّصد لحظة استغلاله في إطار استراتيجية التفاوض.

 

2016-03-30