الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ضعوا وساما على صدر غزة ....أ: عبد العزيز على البطش

قد ينجح أعداء غزة في حصارها , وقد تفلس من المال , وليس عيبا أن تفلس من المال , بسبب هذا الحصار الظلوم الغشوم , ولكنها وإن أفلست من المال , فهي غنية بالرجال , أجل غنية برجالها الميامين , بنسائها الماجدات المجاهدات , غنية بأبطالها الكماة وبجندها الحماة , وبشيوخها الدعاة , وأبنائها البناة , غنيه بشبابها الأبي المتدفق حماسة , المتجدد حيوية , المتقد طاقة لا تعرف الوقوف عند حد , غزة غنيه بعقولها المبتكرة , وأدمغتها المفكرة المبدعة , غزة غنية بمحاريبها بمساجدها التي تخرج فيها الجيل تلو الجيل من حفاظ القرآن وسنة خير الأنام محمد - صلى الله عليه وسلم - غزة غنية ببحرها الذي يروي قصة صمودها وتضحياتها وبطولاتها , والشاهد على شموخها وثباتها وإبائها , غزة غنية بتاريخها الحافل بالسمو والأمجاد , فهل عرفتم غزة , يا من حاصرتم غزة ؟ وظننتم فيها ظن السوء , ظننتم أنها ستخلع ثوب عفتها , وطهرها وشرفها وكرامتها , وتتخلى عن رسالتها وواجبها , وهذا والله لن يكون بل إنكم لحالمون وواهمون , طاش سهمكم وخاب فألكم , لأن غزة حرة كريمة , والحرة لا تأكل بثدييها , بل تموت الحرة ولا تأكل بثدييها , فغزة لن تتخلى عن عقيدتها ولن تحني هامتها لغير خالقها , ولن تهن عزيمتها , ولن تهون عليها كرامتها , ولن تلين عريكتها , لأن غزة أبية وعصية على الانكسار , بل هي صانعة الأبطال والرجال , كما قال ابن الأردن الشقيق الدكتور حسين أبو زيد في وداع غزة : 
"أودعك يا غزة الرجال , يا غزة العراقة, كأردني حتى النخاع , سكنت جوف نخاعه وأحاسيسه ومشاعره, وكل كيانه , لم أكن أتوقع حقيقة هذا الشعب الشامخ , شعب غزة أن يكون بهذا الحجم من الثقة بالنفس , والإصرار والإيمان بقضيته وعدالتها " 
ثم يواصل حديثه عن شباب غزة ورجالها ونسائها فيقول :
" لم أشاهد في بلد رجالاً كما تملكين , فرجال غزة رجال يحق لنسائهم أن تفاخر بهم الدنيا , ونسائها نساء وجب أن يخجل الكثير من أشباه الرجال النظر في أعينهن , لما قدمن من تضحيات على أرض فلسطين , عجزت عنها شعوب ودول , وفي الوداع أطلب من الله العزيز أن يحفظ غزة وأهلها ليس من أجلهم فقط بل من أجل أن تكون غزة مدرسة يسجل في صفوفها الابتدائية الكثير من الرجال الكبار في وطننا العربي , وسنبقى نشعر بالتقصير أمام صمودك وتضحياتك يا غزة "
فهل عرفتم غزة أيها المحاصرون ؟ أما علمتم أن غزة أخذت على نفسها ميثاقا غليظا أن لا تقبل الدنية في دينها , وعزتها وكرامتها وشرفها ؟ كم أنت عظيمة يا غزة ! أجل عظيمة تضحياتك , صلبة عزيمتك , فولاذية إرادتك , عزيزة كرامتك , سخية في عطائك , فاحذروا يا من حاصرتموها غضبها , واحذروا انفجارها , لأن غزة إن غضبت انفجرت بركاناً يحرق من حاصرها , وماجت كبحرٍ لجي يغرق من أغضبها , وهاجت كريحٍ عاصف يهوي بمن مكر بها في مكان سحيق , واعلموا ان غزة لن تموت جوعا , ولن تقضي عطشا , لأنها قطعت على نفسها عهدا أن تأكل لحم من حاصرها , وأن تدق عظمه , وأن تشرب دمه , متمثلة قول الشاعر الفلسطيني الأصيل محمود درويش في قصيدته الشهيرة سجل أنا عربي :
أنا لا أكره الناس 
ولا أسطو على أحد 
ولكنني إذا ما جعت 
آكل لحم مغتصبي 
حذاري حذاري من جوعي 
ومن غضبي 
هذه هي غزة أيها المحاصرون أيها الساديون يا من تتلذذون بعذاب غزة بحصارها بسجنها , أما علمتم أن غزة تدافع عن شرفكم و كرامتكم , وعن كرامة الأمة جمعاء ؟ ولا نملك إلا ان نقول هذا قدرك يا غزة , كما عبر عن ذلك الكاتب الكبير أدهم الشرقاوي :
"هذا هو قدر غزة مع اخوتها , قدرها أن يكبلوها فتسعى لتحررهم , قدرها أن يحاربوها لتحارب نيابة عنهم , قدرها ان يحاصروها فتفك أسرهم , قدرها ان تزف شبابها الى الحور العين قبل حور الطين , قدر بناتها أن يلبسن الحداد قبل الزفاف , وقدر آبائها أن يستخرجوا أبناءهم من تحت الانقاض , وقدر امهاتها ان تنفطر قلوبهن , وقدر أطفالها ان يصبحوا رجالا قبل الأوان ".
نعم هذا قدرك يا غزة , هذا قدر أهلك فلا تحزني يا غزة ولا تجزعي ولا تندمي على ما تقدمين , وما تبذلين , وما به تجودين , على من تنكر لك , وأوصد الأبواب في وجهك , لأن التسامي على الجراح دأبك وديدنك , وعما قريب _ بإذن الله _ سيبزغ فجرك , ويفك حصارك , وينكسر قيدك , ويرحل ساجنك , وينقشع ظلامك ومن ظلمك , وتشرق شمسك , شمس حريتك ويومئذ يفرح ابناؤك بنصرك وعرسك , وحق عليهم أن يضعوا إكليلا على رأسك, ووساما على صدرك , و أن يطبعوا قبلة على جبينك , و أن يهتفوا جميعا باسمك , تحيا غزة حرة عربية كريمة .

2016-11-30