الإثنين 17/10/1444 هـ الموافق 08/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
القروض البنكية بين الهناء والشقاء...رائد محمد حلس

 

تعد القروض سلاح ذو حدين، بمعنى إما أن يكون مفتاح للهناء  وإما أن يكون مفتاح للشقاء، البعض يبدأ سيرة نجاح بقرض، والبعض الآخر يجد نفسه غارق في نار الاقتراض ومنهمك في سد الفوائد المفروض عليه.

 ووفقًا للإحصاءات الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية فقد بلع إجمالي القروض والتسهيلات الائتمانية التي قدمتها البنوك في فلسطين نحو 6.467 مليا دولار حتى أكتوبر من العام الماضي 2016.

وعلى الرغم من أن القروض حلت بعض المشكلات للمقترضين وساهمت في تحقيق نجاحات كبيرة خاصة أصحاب المشاريع الريادية والتي تم استخدام هذه القروض في تنمية مشاريعهم وتطويرها، إلا أن النسبة الأكبر في القروض المقدمة من البنوك في فلسطين هي قروض استهلاكية يغلب عليها طابع اللجوء إلى الكماليات والاستهلاك العائلي،  ونسبة أخرى من هذه القروض هي لحل مشكلة التزامات مالية سابقة (البعض يأخذ قرضًا لسداد قرض آخر متعثر) وهو ما يعرف بجدولة القرض التي أدخلت المقترضين في دائرة غير منتهية في القروض.

النتيجة  الرئيسية معظم الموظفين في الوظيفة العمومية والقطاع الخاص وحتى في المؤسسات المجتمع المدني غارقين في القروض لا يمتلكون دخلهم الذي يتقاضونه، البنوك العامة تقاسمهم نصف الراتب لسداد هذه القروض بل أن نسبة كبيرة من هؤلاء المقترضين ما يتبقى من رواتبهم هو أقل من خط الفقر،  حيث حدد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2015  خط الفقر للأسرة المرجعية 2293 شيكل وخط الفقر المدقع 1832 شيكل.

لقد وجد الموظف نفسه محاطًا بكم هائل من الإعلام والدعاية الموجهة التي صورت العديد من الاحتياجات الأساسية وتلبيتها سهل وسريع من خلال التوجه لأحد البنوك أو مؤسسات الإقراض المتخصصة للحصول على قرض.

كل مستلزمات  الحياة الأساسية أصبحت عن طريق البنوك، الأكل، الأثاث، الجوال، الأجهزة الكهربائية،  السيارة، المسكن، وللأسف هذه المستلزمات سرعان ما يختفي بريقها نتيجة للاختناق بالتزامات الدفعات الشهرية واستقطاع  جزء كبير من الراتب لسدداها.

 وهنا لا بد أن نشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني بحاجة إلى امتلاك عناصر النهوض والتطور التي تقتضي بالاهتمام الجدي بدور المنشآت  والمشاريع الصغيرة واتساعها بحيث تتمكن من تلبية العملية لرفع وتيرة التطور في الاقتصاد الفلسطيني بما يمكنه من تعزيز القدرة الذاتية والتخفيف التدريجي من التبعية الاقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي وتعزيز مقومات الصمود وتحقيق احتياجات التشغيل وإنتاج السلع للسوق المحلي، وهذا يتحقق بالتوجه نحو تشجيع المشاريع الصغيرة  والمشاريع الريادية الذي يقع على عاتق البنوك العاملة في فلسطين بالدرجة الأولى.

وعليه مطلوب من البنوك إعادة النظر في القروض والتسهيلات التي تقدمها ، فالمبالغ الكبيرة التي تقدمها لغرض الاستهلاك تذهب أدراج الرياح ولا تخدم الاقتصاد الفلسطيني بل ترهق من كاهل المقترضين وتكون سببًا في شقائهم بدلاً من أن تكون سببًا في تحقيق الهناء والرفاهية الاجتماعية.

باحث ومختص في الشأن الاقتصادي

غــــزة - فلسطين

2017-02-04