الثلاثاء 14/10/1445 هـ الموافق 23/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
شكل التعليم الفلسطيني -2-... بقلم: محمد عودة الله

هذا المقال تتمة للمقال السابق والذي طرح بعض الإشكالات في شكل التعليم الفلسطيني،ناقش المقال السابق أشكال ترسيخ السلطة والعنف والافتقار إلى القيم الإنسانية الكونية في التعليم، وسيتم التطرق هنا إلى إشكالات أخرى وربما أكثر خطورة.

        يتم التركيز في المدارس على أهمية الإلتزام بالزي المدرسي الموحد، وترى هذه المدرسة العالمية أن الزي الموحد يسهم في غرس قيم العدل والمساواة والتضامن بين الطلاب، بينما ترى مدرسة أخرى في حرية إختيار الزي شكل من أشكال الفردانية وحرية التعبير، إذ أن كل فرد هو فريد بذاته ولا يوجد من يشبهه في العالم، وبالتالي له الحق في إختيار ما يرتديه وفي التعبير عن ذاته، وهنا لا يوجد صواب أو خطأ في هذه الخيارات، ولكن يوجد أولويات تعتمد على فلسفة التعليم وعلى قيمه المركزية، ومن وجهة نظري أن مجتمع لا يؤمن في بناء الفرد وفي حريته في التعبير لن يبقى لديه مجتمع ولا أفراد يدافعون عن المساواة والعدل، كما أن من الواضح للعيان أن قيم المساواة والعدل لا يتم مراعاتها في كثير من النواحي الأخرى في التعامل مع الطالب، والطالب يمكن أن يتميز بنوع الحذاء أو نوع الهاتف الذكي أو في المصروف اليومي الذي ينفقه في المدرسة وعلى مرأى من أقرانه وحتى في نوع المدرسة التي يرتادها (حكومية أم خاصة)، ويمكن القول بشكل عام أن العدل والمساواة ليست من القيم المركزية للسلطة الفلسطينية، وإذا كان هنالك من يجادل بعكس ذلك، فليتفضل وليشرح لنا على أي مستوى من الحياة العامة تراعي السلطة قيم العدل والمساواة! وجدير بالذكر أن مدارس الإناث تبدو لي أكثر إلتزاماَ من مدارس الذكور في التقيد بإرتداء الزي المدرسي الموحد ومن الصفوف الأولى. والسؤال هنا لماذا؟

        القضية الأخرى هي فصل أغلب المدارس بين الذكور والإناث، إن قضية الفصل خرق صارخ لقيم العدل والمساواة، إذ كيف يمكن أن تضمن أن يكون هناك إنصاف بين الجنسين بينما المدارس منفصلة، وبإستثناء دولة العزل العنصري "إسرائيل" فإن مقولة "منفصل ولكن متساوي" قد سقطت منذ زمن، هذا ناهيك عن أن فصل المدرسة يساهم في تغذية الجهل بالجنس الآخر، وفي بيئة الجهل يترعرع الخوف والإنحرافاتوالتشيء والشيطنة، لا غنى لجنس عن الآخر فليتعلم أبنائنا وبناتنا سوية، شخصياً تعلمت في مدرسة مختلطة وأتمنى أن تتعلم ابنتي في مدرسة مختلطة، وأعتقد أن المدارس المختلطة تساهم في بناء توقعات وتصورات واقعية عن الذات والجنس الآخر، إن حالة الاحتكاك اليومي هذه تنزع المصداقية عن تصور الذكر على أنه رجل خارق (سوبرمان) وعلى أن الأنثى لا أحد أو حتى لا شيء، الخيار لنا في أن نربي أجيالنا على الجهل والخوف أو على الوعي والصدق والإحترام والواقعية.

        القضية الثالثة هي مسألة القياس في التعليم وهي مسألة في أفضل حالاتها شائكة، فهناك مهارات في التعليم غاية في الأهمية يصعب قياسها كمياً كالفهم والإستيعاب والتحليل والتركيب والنقد، وهذه مهارات تفوق أهمية مهارة الحفظ والتلقين والتي يتم قياسها، وعلينا أيضا أن نحرر الطالب من الكثير من القياس، ومن عبء إثبات نفسه أمام النظام التعليمي ومن ثم النظام السياسي، لأن ذلك ينطوي على فقدان الطالب بثقته بنفسه وبقدرته على التعلم ويدفعه إلى التسيبوالغش كشكل إنتهازي في مواجهة نظام تعليمي يسحق روح الطالب، وأعتقد جازماً أن لدى طلابنا من الذكاء والطاقات والمواهب ما لا تعكسه الشهادات المدرسية وما يفشل نظامنا التعليمي في إكتشافه وصقله والوصول به إلى حيز التعبير والإبداع.

        القضية الأخيرة هي تعليم اللغات الغربية في المدارس، أنا لست ضد تعليم لغات الأعداء في المدارس وحتى اللغة العبرية على قاعدة إعرف عدوك، ولكن ما يتم هو تعليم تلك اللغات دون وضعها في إطار أنها ليست صديقة، فبريطانيا التي تحتفل بوعد بلفور ليست دولة صديقة، وأمريكا الراعي الرسمي لإسرائيل ليست دولة صديقة، وفرنسا التي منحت إسرائيل التكنولوجيا النووية ليست دولة صديقة، وألمانيا التي تتبرع لإسرائيل بالغواصات ليست دولة صديقة، هؤلاء هم الأعداء،وهذه دول لا تدعي أصلاً أنها صديقة للشعب الفلسطيني، وتدريس لغاتها على أنها لغات دول صديقة يرقى إلى خيانة الذات، ,إذا كنا نبحث عن دول صديقة فأولى بنا أن ندرس اللغتين الصينية والروسية لأنها شعوب عريقة وطالما دعمت الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، إن تدريس لغات الاستعمار الغربي في مدارسنا كما كتب الشهيد مهدي عامل إنما يتم لإستدخال الدونية والتبعية للغرب وليس بغرض تعليمي اصلاً، فبعد سنين طويلة يتخرج الطالب من المدرسة وهو لا يستطيع التحدث بتلك اللغة الغربية وكأنها لغة معجزة، مع أن الطالب يمكنه أن يتعلمها خلال مدة عام على الأكثر في دولها، فأولى بالقيادة التي تعد للهرب إلى الغرب عند غرق الوطن أن تبتعث أبنائها إلى الدول الغربية، أما نحن فنريد أن نتعلم من هو العدو ومن هو الصديق قبل أن نتعلم حرف (A).

        هذه بعض إشكاليات شكل التعليم الفلسطيني، ولا أدعي أنني أملك الحلول السحرية هنا لواقع متخلف يسعى إلى إعادة إنتاج نفسه في لا دولة شمولية، وأعتقد أن رأيي صواب يحتمل الخطأ، وأرى أن فتح نقاش حول آليات التعليم وإشكالاته أهم بكثيرمن أن نقول بأن التعليم فلسطيني لأن ذلك ليس أكثر من شعار.

*شكرخاص للصديق شادي جابرعلى النقاشات التي أثرت الموضوع.

       

2017-04-11