الجمعة 14/10/1444 هـ الموافق 05/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
بعد اليونسكو.. انتصار الخليل مرة أخرى... حمادة فراعنة

ليس كلاماً فاضياً بل هو قرار مليان “ القرار الذي أصدرته منظمة التربية والثقافة والعلوم اليونسكو يوم 7/7/2017، بادراج مدينة الخليل وأثارها باعتبارها جزءاً من التراث الانساني الذي يجب الحفاظ عليه وحمايته، امتداداً لسلسة قرارات شملت : 1- البلدة القديمة في القدس وأسوارها، 2- بيت لحم مكان ولادة السيد المسيح بما فيها كنيسة المهد ومسار الحجاج، 3- بتير : فلسطين أرض العنب والزيتون، فالقرار يؤكد على أن مدينة الخليل مدينة فلسطينية محتلة، لا يحق لسلطة الاحتلال تغيير معالمها، فهو يُعيد تأكيد حقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه وتراثه، وهو يوجه صفعة للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي مثلما وجه صفعة مماثلة لجبروت الولايات المتحدة وسياستها وسفيرتها نيكي هايلي العنصرية المؤيدة للاحتلال العسكري الاسرائيلي، والمعادية لحقوق الشعب العربي الفلسطيني السياسية والوطنية والقومية والانسانية .

 القرار انتصار فلسطيني وعربي واسلامي وأممي لكل من يؤمن بالعدالة وانصاف الشعب الفلسطيني، ولهذا فهو ملآن وايجابي واضافي، ولهذا رفضته تل أبيب، واتهمت اليونسكو بالانحياز للفلسطينيين وأن قراراتها مسيسة، بعد أن فشلت حكومة نتنياهو في احباط مشروع القرار، وعملت على عدم اصداره، بل ذهبت الى محاولات تأكيد أن التراث الخليلي الفلسطيني تراثاً يهودياً، في محاولة لتغيير ليس فقط معالم المدينة العربية الفلسطينية، بل وتغيير تاريخها باضفاء صفة يهودية وهوية اسرائيلية للمدينة وتراثها وأهلها .

صحيح أن القرار لن يحمي الخليل من مواصلة الاحتلال، ومواصلة الاستيطان، وهو لن يوفر للشعب الفلسطيني مظلة حماية وصمود له على أرضه، بل سيبقى عُرضه لاجراءات الاحتلال العسكري، ولاجراءاته التعسفية، ولعنصريته ولبطش المستوطنين وعدوانيتهم، ولكن القرار يعكس تفهم المجتمع الدولي لعدالة القضية الفلسطينية، وشرعية مطالبة شعبها، وهو تفهم وتحول يسير بشكل تدريجي، وان كان بطيئاً ولكنه تراكمي يتطور على ما قبله من خطوات مهما بدت صغيرة متواضعة ولكنها مداميك على الطريق الموصل الى استعادة كامل حقوق الشعب العربي الفلسطيني على أرضه : حقه في المساواة، وحقه في الاستقلال، وحقه في العودة .

ومثلما هو تحول وتفهم ايجابي لصالح الشعب الفلسطيني فهو بالمقابل يعكس تراجع التأييد الدولي للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي بشكل تدريجي وتعرية اجراءاته وفضحها أمام المجتمع الدولي، فكل خطوة باتجاه فلسطين هي خطوة باتجاه التراجع عن “ اسرائيل “ تلك هي المعادلة التي يجب ادراكها والتعامل على أساسها .

لقد نجحت الصهيونية ومشروعها الاستعماري بفعل عاملين : أولهما مبادراتها التنظيمية والسياسية، وثانيهما دعم المجتمع الدولي لها، من قبل الطوائف اليهودية، وأوروبا، وأميركا، بالمقابل لم يحظ الشعب الفلسطيني بقوى مساندة وروافع قوية تدعم مبادراته، وهنا تكمن أهمية ترابط المعادلة الوطنية عبر الفعل الفلسطيني مع المواقف الدولية والعمل على كسب مزيد من الانحيازات من بين صفوفها لعدالة الحقوق الفلسطينية وشرعيتها ودعم استعادتها .

ولم تمض أكثر من 24 ساعة حتى تنتصر الخليل مرة أخرى، الخليل المدينة والشعب والهوية والتاريخ والمعالم، بهويتها الوطنية الفلسطينية، وقوميتها العربية، وبديانتها الاسلامية، تنتصر على الجلاد، على المستعمر، على نتنياهو، على المستوطنين والمستوطنات وعلى مندوبة الولايات المتحدة السفيرة نيكي هيلي، تنتصر مرة أخرى بعد اليونسكو، وها هي تنتصر يوم السبت 8/7/2017، بانقاذ الشباب الخلايلة لعائلة يهودية، امرأة وأطفالها الصغار، تم انقاذهم من بطن سيارة تعرضت لحادث سير مع سيارة فلسطينية، انقلبت على جانبها، وتسجيل شريط فيديو لمسلسل انقاذ المرأة وأطفالها الجرحى سجله شاهد عيان، وكان شباب الخلايلة يحدثونهم بالعبرية أن اطمئنوا، لا تخافوا، ستصل سيارة الاسعاف، وبكل الود والاحترام الانساني تم معاملة سيارة عائلة المستوطنين المدنيين، لم يكونوا مسلحين ولكنهم كانوا مزودين بالخوف والرهبة ليس فقط من آثار الحادث الذي تعرضوا له، بل خوفهم وخشيتهم من المس والأذى على أيدي الفلسطينيين الخلايلة الذين وفروا للعائلة اليهودية الأمن والأنقاذ والمعاملة اللائقة بهم كبشر لا ينتمون لمعسكر العدو، حتى وان كانوا كذلك، ولكنهم ينتمون لمعسكر البشر، للانسانية، التي تضم كل من يعيش على أرض فلسطين من المسلمين والمسيحيين واليهود والدروز، ففلسطين كانت ولا تزال وستبقى للجميع، لكل المؤمنين الذين يؤمنون بالعدالة والمساواة والشراكة، وأن الخير والسلام والشراكة أقوى من الحقد والكراهية والعنصرية التي صنعتها ورسختها وولّدها المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي على أرض شعب فلسطين، فالشعب الفلسطيني لم يكن في أي يوم من الأيام من المسلمين وحدهم، أو المسيحيين وحدهم، أو اليهود وحدهم، أو الدروز وحدهم، بل كان الفلسطينيون خليطاً من هؤلاء عاشوا بلا نزاع، بلا حقد، بلا عنصرية، قبل قيام المشروع الاستعماري الصهيوني الذي دمر حياة الفلسطينيين باحتلال أرضهم، وتشريد نصفهم الى خارج وطنهم الذي لا وطن لهم سواه، وزرع الانقسام والكراهية والعنصرية بين البشر، ولهذا سيهزم كما هُزم في اليونسكو ولو بعد حين .

[email protected]

2017-07-10