الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مشروعية الاتفاق والاختلاف ...بقلم د.مازن صافي

في جلسات الحوار، وتبادل الآراء، وتحويل البيانات الى معلومات لصناعة القرار، نرى أن الجلسة لا يمكن أن تكون سليمة من حيث العصف الذهني والفكري وتبادل الاراء واستقراء الافق ووضع اسس للمستقبل الا في وجود الاتفاق والاختلاف واحيانا النقد بين المجتمعين، وقد تكون الجلسة في حالة انسجام واتفاق تام وتخرج بآراء قوية وتفضي الى قرارات هامة، وهنا نتحدث عن (بعض) او (جزء) وليس الشمولية او التعويم، لأنه من السلامة في الجلسات ان يكون هناك الاتفاق والاختلاف في الرأي لصالح تبيان الامر حتى الوصول الى القرار السليم الخالي من العثرات والشوائب والذلات ما أمكن ذلك.

 

في أي جلسة حوار، يجب أن يكون هناك المفكر والمثقف، هذا المفكر الذي يبحر في أم العلوم وينحت في صخر البيان، ويستخرج كنوز المعلومات، وهناك المثقف الذي يتسم بالوعي والادراك والقدرة على صياغة الموقف واحتواء الجماعة او المجموع لامتلاكه صفات تسلح بها من تجاربه واختلاطه وثقافته واطلاعه وقربه من المفكر.

 

النقاش النقدي، لم يكن يوما الترادف للجدال اللفظي او عنجهية التمترس خلف الموقف المنفرد او المتفرد، بل هو اتساع المكان ومساحات التجديد والتحديث والتطوير، وتفحيص الشكل والبيان والمعنى والمضمون، وهو المعنى المرادف للمعرفة والقدرة على البناء، والاقناع، فالدفاع عن الفكرة أمر مشروع، كما ان نقد الفعل والاسلوب أمر مطلوب، وبالتالي من يضع هذا النقد في خانة الممنوع، فليراجع افكاره وثقافته .

 

ان المفكر هو الشخص الذي لا يجيد القدرة على الوصول الى القمة، لأن قمته تكمن في تقديم الغذاء المعرفي للمجموع، وتعبئة العقول بزاد التنظير والثبات، فتكون ساعات يومه لصالح النضال وتعزيز المواقف، وتقديم البراهين السليمة، وبل الأهم هنا أن ما يميز المفكر والذي لا أرى أنه يبتعد عن توصيف المثقف الا في المهمة والكيفية، هو الايمان الراسخ والمتين أن الرأي يحتمل إما الخطأ أو الصواب، وبالتالي لا تناقض ولا خصام في القبول، بل يرى المفكر المثقف أن الاختلاف يعني تحريك ملكات النقاش والتعمق، والاتفاق هو لمس البرهان  والبعد عن القشور.

  

المفكر المثقف الذي يدافع عن الحقائق والحريات والحقوق، يجب أن يمنح الحصانة، لأنه من يفك القيود وينثر بذور الثقافة والعلم والأدب والمسلكيات، وحين يُحارب المثقف المفكر، فهذا يعني أن هناك خللا في الثقافة والسلوك والحقوق والحريات.

ومن الجميل أن نختم مقالنا بالقول أنه " لا مشروعية للمفكر إذا لم ينهض بنقد المثقف " ولا يمكن تصنيف المثقف الا أن يكون قارئا نهما ومتبصرا عميقا ومستنبطا واعيا ومفكرا ناقدا وقابلا للنقد، دون صدام او نفور او نزاع.

د.مازن صافي/ كاتب ومحلل سياسي

[email protected]

2017-07-28