السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قبل الجفاف.. كيف يتعاون الأردن مع إسرائيل لإنقاذ البحر الميت؟

تعاني فلسطين والأردن وإسرائيل من موجة جفاف حادة تجلت في انخفاض مستوى سطح البحر الميت وهو ما أثر على السكان على جانبي البحر. ولإنقاذ البحر الميت قرر الأردن التعاون مع إسرائيل على مستوى عال من التنسيق من أجل كفاية احتياجاته المائية وإعادة مستويات البحر إلى ما كانت عليه. في هذا التقرير نقترب أكثر من التعاون الأردني الإسرائيلي، ولنعرف ما الذي يمكن أن تفعله قناة بين البحرين الأحمر والميت في المنطقة.

حرب الثلاثين عاماً

قبل سنوات، كانت قرية الغور الحديثة تبدو كما لو كانت واحةً في صحراءَ قاحلةٍ، بين سلاسل الجبال الوعرة ومياه البحر الميت الزرقاء الصافية. اعتادت القرية الصغيرة، التي تقع على الساحل الأردني على البحر الميت، أن تُروى بالمياه العذبة المتدفقة من الجبال المحيطة بها. واعتمد نشاط سكانها على زراعة الفاكهة والخضراوات. حينها كانت حقول الطماطم، والموز، والبطيخ تملأ المكان.

تمر ثلاثة عقود على ذلك، لتبدو الآن الواجهة البحرية للقرية كساحةِ حربٍ، وتبدأ الحفر بالظهور على سطح الأرض، ما تسبَّبَ في تدمير الطرق، والحقول، ومصنع الملح المتمركز بالقرب من البحر الميت. حدثت هذه الظاهرة بسبب انخفاض مستوى سطح البحر، وفقاً لفتحي الهويمل، وهو مزارعٌ في قرية الغور الحديثة. يقول الهويمل: "عندما تنحسر مياه البحر الميت، تبقى رواسب الملح إما لتنهار مكونةً فجوات ضخمة أو تتحلَّل عندما تتسرَّب المياه العذبة تحت الأرض".

ينكمش البحر الميت، الذي يُعرَف بكونه أدنى نقطة على سطح الأرض، بصورةٍ كبيرة. فطوال الثلاثين عاماً الماضية، استمر مستوى سطح البحر في الانخفاض بوتيرةٍ مُقلِقة، بلغت متراً في العام. وقد انكمش سطح البحر من 950 كيلومتراً مربعاً إلى 637 كيلومتراً مربعاً.

كان فتحي الهويمل قد لاحظ أول فجوة في سطح الأرض بقريته في عام 2006. وحالياً، تبدو المنطقة مدمرة بسبب زلزال قوي حدث منذ عدة سنوات. تتسم بعض تلك الفجوات بالضخامة، إذ يبلغ قطرها 30 متراً وعمقها 20 متراً. يقول الهويمل: "إنها كارثة هائلة حلّت علينا وعلى اقتصادنا". ويتابع بأسى "يمكن للانزلاقات الأرضية أن تحدث في أي وقت، مسببةً دمارٍاً كبيراً ومعرضة حياة الأشخاص للخطر. في العام الماضي، سقط جرار في إحدى الحفر. لكن -الحمد لله- لم يصب السائق سوى بجروحٍ طفيفة". 

لافتة إسرائيلية للتحذير من الحفر التي ظهرت على شواطئ البحر الميت في الأعوام الأخيرة

 

أزمةٌ إقليمية

 

ليس الأردن الدولة الوحيدة التي تشعر بالقلق إزاء انكماش البحر الميت، إذ تنظر الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية أيضاً بقلق إلى هذا الوضع الجيولوجي الجديد، فكل منهما يشارك المملكة الأردنية في حدودها البحرية. يوجد حالياً أكثر من 5500 فجوة حول ساحل البحر، الذي لم يكن به أية فجوات منذ 40 عاماً مضت.

ربما يقول البعض إن انخفاض مستوى سطح البحر يحدث بسبب الاحتباس الحراري. لكن في الواقع، فإن الإجابة أكثر خصوصية من ذلك في حالة البحر الميت؛ إذ ينكمش نهر الأردن، الذي يعد الرافد الرئيسي للبحر. يقول منقذ مهيار، المدير الأردني لمنظمة إيكوبيس الشرق الأوسط، وهي منظمةٌ عابرةٌ للحدود تجمع علماء بيئة من إسرائيل، وفلسطين، والأردن: "في الخمسين عاماً الماضية، تراجَعَ حجم المياه المتدفقة عبر نهر الأردن من 1.3 مليار متر مكعب سنوياً إلى أقل من 30 مليون متر مكعب".
 

صورة بالأقمار الصناعية للانكماش الذي شهده البحر الميت بين 1972 (يسار) و2011 (يمين)

ينبع نهر الأردن من جبل حرمون في لبنان، مُشكِّلاً حداً طبيعياً بطول 250 كيلومتراً، يفصل بين إسرائيل، والضفة الغربية المحتلة، والأردن. ويتدفَّق الجزء الشمالي من النهر ليصب في بحيرة طبريا، بينما يتدفَّق الجزء الجنوبي منه عبر الجليل ليصب في البحر الميت.

 

"كانت هنا جنّة"

 

في عام 1847، قاد الضابط الأميركي وليام لينش بعثةً لاستكشاف نهر الأردن. في ذلك الوقت، كان نهر الأردن يوصف بأنه نهرٌ عميق وصاف مُحاط بزراعات وافرة. في مذكراته، ذكر لينش وجود شلالات يبلغ ارتفاعها 5 أمتار، تفصل بينها منحدرات النهر المُتدفِّقة. وقد كتب في هذه المذكرات: "يبلغ اتساع النهر 30 ياردة".

لكن هذا كان قبل 170 عاماً، أما الآن فقبل أن يصل إلى البحر الميت، صار نهر الأردن عكراً، وذا رائحة، وبات مجراه ضيقاً للغاية، إذ لا يتجاوز عرضه 5 أمتار تقريباً. يشرح منقذ مهيار أسباب هذا التحوُّل قائلاً: "خسر نهر الأردن 98% من معدل تدفقه لأن الحكومتين الإسرائيلية والأردنية قد غيَّرتا مسار النهر لتلبية الاحتياجات المحلية والزراعية".

تفتقر المنطقة كلها للمياه والجميع يسعون للحصول على حصة كافية. فقد شيَّدت الدولة الإسرائيلية سداً في المنطقة الجنوبية لبحر الجليل، ما منحها سيطرةً على حجم المياه المُتدفِّقة إلى الأردن. كما شيَّدت سوريا أكثر من 40 سداً للتحكم في تدفُّق مياه نهر اليرموك، أحد الروافد الرئيسية لنهر الأردن. ومثلما فعلت سوريا فعل الأردن، إذ أنشأت سدوداً وبحيرات صناعية على الروافد الثانوية للنهر.

يشير منقذ مهيار إلى أنه في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل، والأردن، وسوريا لاقتناص أكبر كميةٍ ممكنة من المياه النظيفة "فإن ما يثير السخرية هو أن مياه الصرف الصحي هي التي تبقي النهر حيّاً إلى يومنا هذا".

ثم يأتي السبب الثاني لانكماش البحر الميت: أنشطة استخراج المعادن التي تقوم بها كلٌّ من شركة البوتاس العربية، وشركة أعمال البحر الميت في القسم الجنوبي من البحيرة المالحة. يقول منقذ مهيار: "إنها تسهم في القضاء على البحر الميت، إذ تتحمَّل برك التبخّر الشمسية الصناعية مسؤولية استنفاذ من 30 إلى 40% من مياه البحر الميت".
 

من ضمن منشآت شركة أعمال البحر الميت وبرك التبخر الشمسية الصناعية

الحل الأردني الإسرائيلي: قناة الأحمر-الميت

يمضي مشروعٌ هائل يسمى قناة البحرين الأحمر والميت، قدماً للحد من خسارة المياه: بتكلفة تبلغ 10 مليارات دولار، تشيّد قناةٌ مائية طولها 180 كيلومتراً، لضخ المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت.

الفكرة هدفها رفع مخصصات المياه في الأردن وفلسطين وإسرائيل من خلال نقل مياه البحر الأحمر، وتحويل جزء منها إلى مياه عذبة صالحة للشرب، ودفع المتبقي من عملية التحلية إلى البحر الميت في محاولة لإعادة مستوياته إلى ما كانت عليه في السابق.

ليست الفكرة جديدة، فقد نوقشت بعد النكبة وتأسيس إسرائيل عام 1948، وحظيت بتوافقٍ مع عمّان مع توقيع معاهدة السلام مع الأردن في 1994. لاحقًا، وبعد 19 عاماً في واشنطن، وقعت السلطتان الإسرائيلية والفلسطينية مذكرةَ تفاهمٍ بشأن مشروع القناة المائية بين البحرين الأحمر والميت.

يشرح نبيل الزعبي، مدير مشروع البحر الميت نيابةً عن الحكومة الأردنية قائلاً: "إنه اتفاقٌ تبادلي. ستزوّد محطة تحلية المياه في العقبة، جنوبي الأردن، كلاً من العقبة ووادي عربة في إسرائيل بالمياه. وستنقل القناة، الموجودة في الأردن، المياه المالحة من البحر الأحمر إلى البحر الميت المُنكمِش". في المقابل، ستزوِّد بحيرة طبريا، الواقعة شمالي إسرائيل، الجزء الشمالي من الأردن بمياه الشرب، إذ إنها تعد من أكثر المناطق فقراً بالمياه في الأردن.

ويُعتقد أن تصل قدرة محطة تحلية المياه في العقبة لإنتاج 85 مليون متر مكعب من المياه العذبة، سيستخدم منها الأردن أقل من النصف بقليل، وسيقوم ببيع البقية إلى إسرائيل. وفي المقابل ستبيع إسرائيل للأردن 50 مليون متر مكعب من مياه الشرب من بحيرة طبريا.

 

منطقةٌ عطشى

 

كواحدةٍ من أكثر دول العالم جفافاً، يواجه الأردن أزمةً حقيقية. يقول مؤيد السيد، مدير وحدة دراسات المياه في الجمعية العلمية الملكية: "يُصنَّف الأردن كثاني دولة في العالم من حيث ندرة المياه".

ويبلغ نصيب المواطن الأردني حوالي 92 متراً مكعباً فقط من المياه العذبة سنوياً، وفقاً لبيانات البنك الدولي الصادرة عام 2016.

وتُعرَّف المنطقة على أنها تعاني من ندرةٍ في المياه إذا كان حجم المياه المتاحة لكل فرد فيها ما يقل عن ألف متر مكعب سنوياً. بينما إذا تناقص نصيب الفرد إلى أقل من 500 متر مكعب، فتُعتَبَر المنطقة تعاني من "ندرةٍ تامة". وفي هذا السياق، تبدو قناة البحرين الأحمر والميت الحل الوحيد لتوفير المياه العذبة للسكان الآخذين في التزايد. والوضع في إسرائيل ليس أفضل كثيرًا، وبسبب الاحتلال وسيطرة الإسرائيليين على مصادر المياه فإن الفلسطينيين يواجهون ظروفًا أقسى.

تدعم إسرائيل المشروع بقوة. فقد كان وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي السابق سيلفان شالوم قد صرّح لصحيفة هآرتس عندما وُقِّعَ الاتفاقُ في عام 2015: "أنه الاتفاق الأكثر أهمية منذ توقيع معاهدة السلام مع الأردن. سيسهم المشروع في إعادة تأهيل البحر الميت وسيوفر حلاً لمشكلات المياه في الأردن ووادي عربة".

 

احتفاءٌ ودعمٌ دوليّ

 

ليست إسرائيل فحسب، إذ قرر البنك الدولي المشاركة في دعم المشروع، كذلك أعلنت الولايات المتحدة دعمها بـ100 مليون دولار من 400 مليون هي المطلوبة لإنجاز المرحلة الأولى، المقرر انتهاؤها عام 2019. إضافة لذلك، فقد تلقت السلطات عروضاً هندسية ببناء القناة وخطوط أنابيب نقل المياه من دول عدة مثل الصين وكوريا الجنوبية وفرنسا وكندا وحتى مصر ولبنان.

إضافة إلى ذلك، يُقدّم المشروع كحل للخلاف المائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. ففي منتصف يوليو/تموز، تم توقيع اتفاق مائي بين السلطة الفلسطينية وتل أبيب برعاية المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط. وينص الاتفاق على أن السلطات الإسرائيلية سترفع من مخصصات السلطة الفلسطينية من المياه، بزيادة تُقدر بـ32 مليون متر مكعب سنوياً، بفضل المياه العذبة التي ستنتجها محطة تحلية المياه في العقبة.
 

الفلسطينيون سيُسمح لهم بالحصول على المزيد من المياه، لكن موارد تلك المياه لا تزال بيد إسرائيل

الإسرائيليون احتفلوا بالاتفاق، فقد قال وزير التعاون الإقليمي تزاخي هانيغبي، إن "اتفاقات المياه يمكنها أن تقوم مقام التهدئة، وستخدم التعاون والرخاء، بدلاً من دعوات الخلاف والتوتر".

 

الوضع سيظل سيئاً للفلسطينيين

 

لكن الفلسطينيين ليسوا بهذا القدر من التفاؤل، فهم يعتقدون أن اتفاق المياه يعطي لإسرائيل المزيد من التحكم في رقابهم. رئيس سلطة المياه الفلسطينية مازن غنيم قال إن الاتفاق لا يمت بصلة للمفاوضات، وأكد أن المياه التي سيتم إعطاؤها للفلسطينيين هي حقهم بالأساس، "فنحن نتشارك شاطئ البحر الميت"، يقول غنيم.

مشروع القناة لن يحل أزمة نقص المياه بين يوم وليلة على كل حال، فسيبدأ بناء المشروع في العام المقبل، 2018، وسيدخل حيز العمل في 2021، وفقاً لتصريحات المسؤولين. وستكون المرحلة الأولى (تحلية المياه ونقل حصة منها إلى إسرائيل والبحر الميت) عبارة عن مشروع يهدف إلى "البناء، والتشغيل، والنقل" ويعتمد على شراكة مع القطاع الخاص، ومن المُخطَّط له أن يعتمد على التمويل الذاتي.

يقول نبيل الزعبي: "خلال المرحلة الأولى، سنزوِّد البحر الميت بمياه مالحة، يبلغ حجمها الإجمالي 235 مليون متر مكعب سنوياً. ويعد الهدف الأساسي هو نقل مليار متر مكعب من المياه".

لكن علماء البيئة يعبّرون عن مخاوفهم بشأن التأثير البيئي المحتمل، لأن آثار خلط مصدرين مختلفين من مياه البحر ما زالت غير واضحة، ولم تخضع للدراسة، إذ إن هناك خطراً يُهدِّد بانتشار الطحالب، التي قد تغيِّر من جودة المياه إذا ما مُزِجَ بين مياه البحرين الأحمر والميت، لأن كلا منهما يتسم بتركيبٍ كيميائي مختلف. وقد يشكل هذا خطراً على السياحة بالمنطقة.

طبقات الملح وترسباته تظهر وتزداد مع انكماش البحر الميت

"الشعار الذي يُرفع بأنهم ينقذون البحر الميت مجرد غطاء لفشل الحكومة في اتخاذ سياسات فعالة"، يقول غيدون برومبرغ، المدير الإسرائيلي بمنظمة إيكوبيس. ويضيف: "إن أكثر الطرق فاعلية للحد من انكماش البحر الميت هي الحد من ممارسات تغيير مسار مياه نهر الأردن، ومنح الشركات مزيداً من الحوافز للاستثمار في تقنيات أخرى أقل استهلاكاً للمياه".

الفلسطينيون عالقون في المنتصف، فقد حافظت اتفاقات أوسلو -التي كان يُفترض بها أن تكون مؤقتة- على السيطرة الإسرائيلية على 80% من الموارد المائية في المنطقة، ويستهلك الفلسطيني أقل بأربع مرات مما يستهلكه الإسرائيلي من المياه. وما ستفعله الاتفاقية والقناة الجديدة هي أنها ستعطي الفلسطينيين بعض المياه، لكنها لن ترفع السيف الإسرائيلي المسلط على رقابهم، بتحكم تل أبيب في مصادر مياههم بشكل كامل. غير أن عمّان لا تبدو مهتمة على الإطلاق.

المصدر:هاف بوست عربي

2017-08-25