الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في وداع الانسان العربي الاخير ...جرير خلف

في وداع الانسان العربي الاخير...

سلم جسدك للتراب فقد حان وقت الرحيل ، تمايل قليلا والقي نظرتك الاخيرة من عيون  بلا قيمة  الان... بعد  ان سلم الجسد للتراب نفسه بلا شفقة ... اترك كل اشياءك خلفك، فالتمائم التي حاربت بها ولاجلها طيلة عمرك ليس لها مكان في الجعبة ... الى اللاشيء عائد  انت ...

فالقدس انقضى زمن السؤال عنها واصبحت رمزا للمستحيلات السبعة .

وحلب نجحت بالوصول الى موسوعة غينيس في سرعة التحول من العصر الحديث الى عصر التنك على يد ابن الوالي المقبور وحاشية القرداحة المقيتة.

والموصل صفق الجميع عندما اندثرت ومن اهلها تحررت .

وبيروت غدا تحتفل بالذكرى السنوية لتحولها من دولة تحوي مليشيا الى مليشيا تبلع الدولة .

وايران اصبحت على مرمى بصطار عسكري من قلب عروبتنا ... واصبح المعمم هو وكيل القرف الحصري  في ازقتنا.

وليبيا ومصر واليمن .... كلها اصبحت اعراض اولية لوجود البواسير في ادمغتنا .

وايلول الاسود اصبح ورديا حين شاء بعض الاعراب الذين ولدوا من رحم جواري السلطان ان يسقطوا الموت .

ذكريات طفولتك في ازقة  الحارة وفوق اسوار المدرسة، وبين ساحات السجال الرخيص اليومي ومعارك لقمة العيش ......... كلها ليست لك ... فضعها وانصرف الى وجهتك

عناقيد القهر التي تناولت حباتها خصلة  تلو الاخرى... باتت  مخمرة ذا طعم لا طعم له... فلا تقلق فهي لن تغادر معك.

كل شيء مر في  حياتك كان للتجربة فقط، عينات ونماذج وصور تلتقطها بجانب الوجع، تحته او فوقه لا فرق ...  كلها الان اصبحت اوراق مهترئة واّن الاوان لحرقها في برميل النفايات الطافح بقذارة حارتكم  .

اذهب ولا تنتظر ولا تنظر خلفك فهي لحظات وبعدها ستنًسى ان هناك من كان اسمه انت،  وخلفك سينسى الجميع من انت ومن اين اتيت ، وكل الذي تلوث جسده  بناظريك اصبح سرابا لن تراه بعد الان ، وحين تختطف بصرك كتل البشر خلفك... لا تحسب ان غير قطتك الهرمة ستقفز على فراشك بحثا عنك...لحظات ثم هبة ريح وستنطلق هربا من رائحة موتك .

اذهب غير اسفا على جسد شابته الف شائبة... ومرت عليه الف نائبة... وشوهته حادثة سكناك فيه.. اذهب فقد انتعلته انت هربا  من شيئا تجهل ماضيه وتزنرته طمعا بتجربة العيش متخفيا  لا حبا فيه...  وللامانة قد يكون جسدك تركك كره فيك.

 او لعلها كانت مصالح مشتركة بين الواقع وبين التيه .

دنت ساعة الحقيقة التي غابت كاملة وانت تبحث عن حاضرك وعن ماضيك... ما قبل الجسد وما بعده كان الاهم في وجودك... روحا تلاطش ارواحا  بين جدران الامكنة التي تغويك،  فتستقوي عليك وتمسح الحياء منك وفيك وبقدمها تدفع الى المجهول كل ما كان فيك .

  الحب... الحقد... الكون ...العروبة ...الهمة ...الفزعة والوطن ... كلها  كلمات لا اعراب لها في قاموسك الجديد فانت هنا فقدت كل شيء حتى اسماء قاتليك... وشاحنيك الى اللاكون... اصبحوا لا شيء ولا شيء سوى اللاشيء.

هل سيكون الوضع قد اكتمل مع اول فراشة تراها سابحة معك  او مع اخر قطعة امل التصقت الروح فيها ..!؟ لا احد يعرف سواك انك غير ابه بتراب القبر ولا بدموع البشر ...

فغلف نفسك ايها المرحوم بين جناحيك واقلب صفحة الكون في دفترك وانصرف... فجفونك التي اغلقوها عنوة بعد صمتك فزعا لن ترف .

هل ذهبت الان ... اين ذهبت ؟ ...

فانا لا ارى شعاعا من بخار... هواء او غبار... من  نار يتجه الى الاعلى... اين انت ؟ وقد مللنا منك ومسحنا كل الروابط التي  بيننا وبينك ؟

 لا تقل انك ذاك الشيء الرابض في سماء الوطن تذرف الدم كما الدمع وتدعي الله ان يمدك بالاعاصير لمحو تاريخك المعجون بالعار او ينزل عليك ملائكة تشرح لك اين انت واين كنت .

  انصرف ولا تطرق رأسنا بمطارق القهر عسى ان تصحى فينا المردة المختبئة خلف عضلة القلب ... فقد بلعنا القهر قطعة قطعة حتى اضحى الجسد بالقهر يحيا... وكتمنا الغيض حتى طفح القرف منا...

وسلمنا ان العزة والنخوة كماليات لن تلزمنا كي نتصالح مع المهزومين في صدورنا ونعيش قانعين ان الحل سيأتي هبوطا من السماء الى تحت ... فلا تهرب من دليل روحك لتسحب  كل الذين تحت الى اللا- فوق ...! فهنا شعوبا الفت التحت ... واسفل ما في اسفله وعلى القهر والقات والخطابات ادمنت ؟!

اذهب ايها العربي بما حلمت ولا حلمت وبما حملت وما لم تحمل ... واترك عالمنا بلا انت ... هنا كنت انت  فردا من امة لا يهواها حتى الموت ... او كنت  قطعة  من بضائع البيع بالكوم ... وفوق سيكون الحساب ابسط ما فيه ان ( جهة الوصول)  لا امل لك فيها حتى بالموت .

اذهب ................ وخذ دورك في طابور عاشقي النوم ومدمني الخوف .

جرير خلف

27/8/2017

2017-08-27