الثلاثاء 7/10/1445 هـ الموافق 16/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الصراخ في حكومة نتانياهو بقدر وجع صفقة الأسرى القادمة...جبريل عوده

 فشلت قوات الإحتلال الصهيوني في تحقيق أهدافها المعلنة  للحرب على قطاع غزة , وأبرز تلك الأهداف القضاء على المقاومة والتخلص من أنفاقها الهجومية , توقفت المعركة الميدانية والمواجهة المباشرة بالرصاص والصواريخ والقذائف , وبدأت معركة من نوع آخر , ذات بعد أمني واستخباراتي ميدانها التفاوض غير المباشر مع المقاومة الفلسطينية , بعد أن وقع عدد من الجنود الصهاينة خلال الحرب , في الأسر لذا المقاومة الفلسطينية , خلال الثلاثة أعوام الأخيرة  برع إعلام المقاومة في إظهار ضعف قيادة الإحتلال في التعاطي مع مسألة الجنود الأسرى بغزة , بعد أن أسقطت المقاومة الرواية الصهيونية الرسمية حول ما جرى مع الجنديين الأسيرين هدار جولدين وأوري أرون , وفتحت بذلك باب الجدل واسعاً في كيان الإحتلال الصهيوني , وإنصبت الإتهامات على قيادة الإحتلال بالتفريط بالجنود , وتركهم في قطاع غزة بيد المقاومة دون عمل أي شئ يضمن عودتهم إلى ذويهم .

 

مما لاشك فيه بأن قضية الجنود الأسرى تحظى بإهتمام كبير من الفلسطينيين , لإرتباطه بملف تحرير الأسرى من سجون الإحتلال , وخاصة أصحاب المؤبدات والأحكام العالية , لذا تحرص المقاومة الفلسطينية كل الحرص , على إدارة هذا الملف بتروي وعدم إستعجال من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب , في مسألة تحرير الأسرى من زنازين الإحتلال الصهيوني, وثقة الشعب الفلسطيني وأسراه في المقاومة عالية , حيث الشعور بالاطمئنان بأن الفرح والفرج قادم بإذن الله, وأن حرية الأسرى مسألة وقت , والأمر يحتاج إلى صبر وحكمة في إدارة المعركة التفاوضية مع الإحتلال.

 

دارت تلك المعركة الأمنية التفاوضية العنيدة بين المقاومة الفلسطينية وكيان الإحتلال , حيث حجبت المقاومة أي معلومات عن مصير الجنود الأسرى , بشرط إطلاق الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار , والذين تم إعتقالهم في مخالفة صريحة لاتفاقية الصفقة , وأعلنت المقاومة بأن لا حديث أو حوار عن الجنود الأسرى , الا بالإفراج عن جميع من تم إعتقالهم من محرري صفقة شاليط ويقدر عددهم(200) أسير , الا أن المفاوضات على ما يبدو تعثرت لعدم جاهزية حكومة الإحتلال دفع الثمن المطلوب , وسط تهديدات بإنحلال عقد الإئتلاف الحكومي اليميني الحاكم , حيث يشترط حزب نفتالي بينت " البيت اليهودي " أن تتم أي صفقة وفقا  لمعايير لجنة شمغار ( جندي مقابل أسير ولا تبادل أحياء مقابل جثث) –  تلك اللجنة عينها وزير الحرب السابق ايهود باراك ، برئاسة رئيس المحكمة العليا الأسبق مائير شمغار-, وكما تعالت أصوات وزراء الكابينت رفضاً لإجراء الصفقة , هذا الجو من التصريحات العنترية التي ترفض عقد صفقة تبادل للأسرى , لها خلفيات وأبعاد إنتخابية وتنافس حزبي , ومن باب وفرض عضلات على رئيس الحكومة الصهيونية نتانياهو المهزوم نفسياً , وقد أصابته لعنة شاليط كما تلاحقه قضايا الفساد , والذي يخشى من إنهيار حكومته وخروج من المشهد السياسي الصهيوني .

هذه الحالة من عدم قدرة المستوى السياسي الصهيوني على إدارة ملف الجنود الأسرى , حيث يسود التخبط  داخل حكومة نتانياهو , وتتضارب تصريحاتها ما بين حرصها على عودة الجنود, وما بين رفضها دفع ثمن ذلك , عجلت هذه الضبابية بإستقالة الجنرال ليؤر لوتان مسؤول ملف الجنود المفقودين المكلف من حكومة الإحتلال , حيث إصطدمت جهوده ومحاولاته باللاءات المعلنة من  السياسيين في حكومة نتانياهو , وعدم قدرته على التفاوض لتنفيذ الشرط المبدئي للمقاومة, بالإفراج عن أسرى صفقة شاليط قبل الحديث والتفاوض في ملف الجنود الأسرى بغزة , الا أن إستقالته أعادت ملف الجنود الصهاينة الأسرى في غزة , إلى واجهة الأحداث في كيان الإحتلال , حيث أعلن وزير الحرب الصهيوني ليبرمان بأنه لن يسمح بصفقة شاليط ثانية في عهده , في المقابل ردت عليه والدة الجندي شاؤول مستهزأة : المجد لدولة (إسرائيل) التي يشجع وزير دفاعها التخلي عن جنود الجيش , وقد وصفت ليبرمان بأنه لا يجيد سوى الكلام لا الأفعال , كما جاء الرد من داخل حكومة الإحتلال عبر وزير الإسكان يوآف غالانت بعدم موافقته على تصريحات ليبرمان قائلاً " هذا كلام لن يصمد على أرض الواقع " , إستطاعت المقاومة أن تلقي الكرة في الملعب الصهيوني , وها هي كرة الجنود الأسرى يتم تقاذفها ما بين الوزراء الصهاينة وما بين عائلات الجنود الأسرى , الذين يطالبون بتعيين منسق جديد بدل ليؤر لوتان لإدارة ملف المفقودين والتفاوض مع المقاومة , كما دعوا لتغيير معادلة التعامل مع حماس والضغط عليها للتوصل إلى إتفاق , مع مطالبتهم بإجراءات عقابية إلى حين عودة الجنود الأسرى , كل هذه التصريحات تكشف عن أن المسار المفضل لعوائل الجنود الأسرى هو التفاوض وإنجاز إتفاق يفضى لعوده الجنود , وهذا الرأي العام يخالف الرأي الغالب في حكومة نتانياهو , فهل تساهم قضية الجنود الأسرى وعدم مبالاته الحكومة بمصيرهم في سقوط حكومة نتانياهو؟ .

يتضح من المشهد الصهيوني بأن المقاومة تتمترس حولها شرطها الأول , ولا تتعجل إجراء صفقة تبادل جديدة , الا بعد أن يتم معالجة الخرق الصهيوني لاتفاقية التبادل وفاء الأحرار التي جرت برعاية مصرية , والمقاومة كما أعلنت لن تعطي أي معلومة عن أسرى الإحتلال الا مقابل ثمن تحدده هي , وبذلك تفرض المقاومة شروطها من موقف القوة التي تمتلكها في صندوقها الأسود , ولن يطول الوقت حتى يأتي الإحتلال صاغراً , ويرضخ لمطالب المقاومة وينفذ شروطها .

كاتب وباحث فلسطيني

28-8-2017

 

2017-08-28