الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
النظــام الفلسطيني قــائـــم علــى ركيــزتيــن...حمادة فراعنة

 

 لم يعد سراً أن المصالحة الفلسطينية وموضوعها، ليس عنواناً فلسطينياً وحسب، بل عنواناً قومياً بامتياز، ودولياً باهتمام، ليس لأن القضية الفلسطينية قضية عادلة، وهي كذلك، وليست لأنها مازالت المركزية لدى العرب والمسلمين، وستبقى حتى ولو تم خطفها لبعض سنوات عجاف من قبل تنظيمات الاسلام السياسي وأحزابهم المتطرفة التي وظفت مشاعر الناس وأحاسيسها وعقائدها نحو الاهتمام بمشروع دولة الخلافة المنشودة على أثر الربيع العربي الذي تم خطفه منذ عام 2011 من قبل الاخوان المسلمين، وأحزاب ولاية الفقيه، ومن تنظيمي داعش والقاعدة، فأساءوا للتاريخ، ودمروا الواقع، وحطموا رهانات المستقبل وعزلونا عن احترام المجتمع الانساني وقيمه وشراكته، ومع ذلك وعلى أثر هزيمة قوى أساسية من تنظيمات الاسلام السياسي وفشلها، عاد النضال السياسي العربي الى أساسه وهو أن النضال العربي 1- من أجل استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي، 2- ومن أجل العدالة الاجتماعية، 3- ومن أجل الديمقراطية والاحتكام الى صناديق الاقتراع وتداول السلطة لا يتعارض مع العمل الفلسطيني المطلوب دعمه قومياً ودينياً من المسلمين والمسيحيين، وأممياً من قوى الخير والسلام والعدالة من أجل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني؛ لأن كليهما يجري في مسارب متعددة تصب في مجرى واحد يختزل عوامل الزمن لتحقيق تطلعاتنا الوطنية والقومية والانسانية، فالقضايا مترابطة عالقة مع بعضها البعض، والقيادة الذكية هي التي تختار الأولويات، والتدرج والمراحل ومراكمة الخطوات وصولاً نحو الهدف.

المصالحة الفلسطينية الخطوة الأولى لاستعادة وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة حركته السياسية جبهوياً، في اطار مؤسسات موحدة، وتعني وحدة قضاياه وأهدافه غير القابلة للتبديد أو التلاشي أو الانصهار أو التراجع، مجسدة بقرارات الأمم المتحدة : قرار التقسيم 181، قرار حق عودة اللاجئين 194، قرار الانسحاب وعدم الضم 242، حل الدولتين 1397، قرار خارطة الطريق 1515، وليس انتهاء بقرار مجلس الأمن 2334 ضد الاستيطان وعدم شرعيته وعدم قانونيته، بل بقرارات اليونسكو التي أجبرت عظمة الولايات المتحدة وقوتها وجبروتها مع مشروعها الاستعماري التوسعي الاسرائيلي المدلل، للانسحاب والهروب والهزيمة لكليهما أمام عدالة الموقف الفلسطيني المدعوم عربياً واسلامياً وعالمياً دلالة على أهمية وقوة ومنطق وعدالة المطالب الفلسطينية وشرعيتها.

القبول الأميركي وعدم الرفض الاسرائيلي

المصالحة الفلسطينية نالت الرضى الأميركي ليس عبثاً ولا صدفة، وليس تواضعاً من الأميركيين وحُسن أخلاق من ادارة الرئيس ترامب الأكثر انحيازاً ودعماً للمستعمرين الاسرائيليين ومشاريعهم العدوانية التوسعية، ونالت اهتمام حكومة نتنياهو التي صمتت تارة، وتحركت تارة ولم ترفض المصالحة بل وضعت شروطاً لقبولها والتعامل مع تداعياتها ونتائجها، وهي تتصرف كالأفعى المضروبة على رأسها، لسرعة الانجاز وأهمية ما تحقق، ولأنه يفتح بوابة للشراكة الفلسطينية من قبل المكونات الأربعة : فتح وحماس والتنظيمات الأخرى والمستقلين، وهي معادلة التكوين الفلسطيني التي تحتاج 1- لبرنامج سياسي مشترك، 2- مؤسسة تمثيلية موحدة، 3- أدوات كفاحية مناسبة متفق عليها، في مواجهة العدو الوطني الواحد المشترك.

استعادة الألق الفلسطيني

المصالحة الفلسطينية ستُعيد الألق للدور الفلسطيني؛ لأنه قائم على التجربة واختزان الخبرات ومسنود بعدالة المطالب وشرعيتها واستعداد عال للتضحية، بعيداً عن المزايدات والطخ وطق الحكي، فالشعب الفلسطيني لا يحتاج لكفاح مسلح لتحرير بلاده وطرد المستعمرين واستعادة حقوقه بالعودة وبناء حياته المستقلة على أرض فلسطين حيث لا أرض له سواها، ولا وطن له سواه، بل يحتاج لارادة سياسية جمعية من قبل القوى الحية الفاعلة وفي طليعتها فتح وحماس والجهاد والشعبية والديمقراطية والشيوعيون والقوميون والمستقلون، والمصالحة من قبل 13 فصيلا تفتح لهم بوابة المشاركة في مؤسسات منظمة التحرير عبر مجلسها الوطني ومجلسها المركزي ولجنتها التنفيذية وأفعال مؤسساتها الجماهيرية واتحاداتها المهنية ونشاط جالياتها المنتشرة الموزعة على خارطة العالم، هذا هو الذي يحتاجه الشعب الفلسطيني أكثر من أي أداة أخرى مدنية أو عسكرية أو أمنية.

المصالحة مهمة؛ لأنها تُقوي الموقف الفلسطيني الضعيف أمام تفوق العدو الاسرائيلي وقدراته المدعومة من قبل الولايات المتحدة ونفوذ الطوائف اليهودية في العالم، ولذلك ومن أجل تحقيق المصالحة الجدية الحقيقية الملموسة لخلق حالة الاستنهاض الوطنية المفقودة، والمطلوب العمل على وضع البرامج والخطط والمشاريع والنقاشات التالية:

أولاً : على صعيد السلطة الفلسطينية الحفاظ على ثلاثة عناوين هي: 1- ولاية الرئيس المنتخب، 2- ولاية المجلس التشريعي المنتخب، 3- تشكيل حكومة ائتلافية ذات مصداقية تحظى بثقة المجلس التشريعي، وتنشيط عمل مؤسسة السلطة هو الذي يعطيها المكانة والمصداقية وتحظى بالدعم المالي والسياسي، الوطني والقومي والدولي خاصة من أوروبا لمواجهة الابتزاز الأميركي والعدو الاسرائيلي، فالمؤسسات الثلاث فاقدة الولاية وتحتاج لاعادة مصداقيتها وتأكيد شرعيتها عبر الانتخابات.

ثانياً : منظمة التحرير : 1- تفعيل القيادة الوطنية المؤقتة المشكلة من أعضاء اللجنة التنفيذية ومن ضمنهم تمثيل حماس والجهاد والقيادة العامة والصاعقة، لتقوم بالمهام الموكولة اليها مع عمل اللجنة التنفيذية.

2 - عودة عمل اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني التي عقدت اجتماعها الأول في بيروت يوم 15/1/2016، برئاسة السيد سليم الزعنون لمواصلة ما قامت به نحو عقد المجلس الوطني باتفاق ومشاركة كافة الأطراف الفلسطينية.

ولذلك علينا أن ندرك أن النظام السياسي الفلسطيني يقوم على ركيزتين، لا تعمل الواحدة دون الأخرى وهما : 1- مؤسسة الرئاسة، و 2- مؤسسة المجلس التشريعي، وحصيلة ذلك أن النظام الفلسطيني لا هو نظام رئاسي يملك الرئيس فيه قوة السيطرة المنفردة ويعود له القرار منفرداً، ولا هو نظام برلماني يتولى فيه ومن خلاله المجلس التشريعي ادارة السلطة واتخاذ القرار، بل هو نظام مختلط بين الرئاسي والبرلماني، إذ تتقاسم المؤسستان مهام العمل الوظيفي لادارة السلطة من قبل الحكومة التي تتشكل بقاسم وقرار مشترك بينهما وكلاهما يخضع للنظام الأساسي للسلطة الوطنية ومرجعيتها منظمة التحرير وقرارات مؤسساتها: المجلس الوطني، المجلس المركزي واللجنة التنفيذية.

قرار تشكيل السلطة الوطنية

في يوم العاشر من شهر تشرين أول 1993 بعد التوصل الى اتفاق أوسلو التدريجي متعدد المراحل، عقد المجلس المركزي دورته العادية الثانية عشرة، وكان على جدول أعمالها عنوان واحد هو « انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية « وحضر أعماله 83 عضواً من أصل 110 أعضاء، بينما شارك عدد كبير من المراقبين الذين حضروا أعمال الدورة التي استمرت يومين، وقد أصدر المجلس في ختام أعماله قراراً هذا نصه :

« قرار انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية صادر عن المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المنعقدة من 10-12/10/1993م في تونس.

أولاً : تكلف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية من عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية، وعدد من الداخل والخارج.

ثانياً : يكون السيد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيسًا لمجلس السلطة الوطنية الفلسطينية. «

تجديد ولاية الرئيس والمجلس التشريعي معاً

وتأكيداً لهذا الدور المعبر عن ارادة الأغلبية الفلسطينية، وتعزيزاً للشرعية الدستورية المستباحة من قبل العدو الاسرائيلي، ومن قبل المتنفذين أصحاب العين الواحدة التي لا ترى غير مصالحها الحزبية وامتيازاتها الأنانية الفردية الضيقة، أصدر المجلس المركزي الفلسطيني في ختام دورة أعماله الثالثة والعشرين يوم 16/12/2009، قراراً على خلفية انتهاء الولاية الدستورية والوظيفية لطرفي المعادلة المؤسسية : 1- لرئيس السلطة و 2- للمجلس التشريعي حيث جدد القرار استمرار عمل الطرفين معاً لحين اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ونص على ما يلي :

ان المجلس المركزي الفلسطيني صاحب الاختصاص الأصيل في تولي المسؤولية الوطنية، وبعد قرار لجنة الانتخابات المركزية بعدم امكانية اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري في 25/1/2010م، بسبب موقف حركة حماس ورفضها لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المحدد، ووفق القانون، فان المجلس المركزي يقرر ما يلي:

أولا: ادانة موقف حماس لرفضها اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتحميلها كامل المسؤولية لتعطيلها للانتخابات، وللحياة الديمقراطية، ولمبدأ تداول السلطة، عبر صندوق الاقتراع، والتأكيد على الديمقراطية والتعددية السياسية باعتبارهما الناظم الوحيد لحياتنا السياسية.

ثانيا : استمرار محمود عباس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دولة فلسطين، رئيس السلطة الوطنية المنتخب، على رأس مهامه رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية، لحين اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والحرص على التزام الجميع بدور المجلس التشريعي وفق القانون الأساس.

ثالثا : الطلب من الأخ الرئيس واللجنة التنفيذية بذل كل الجهود من أجل تهيئة الأجواء لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني في أسرع وقت ممكن، على أن يقدم تقريرا الى المجلس المركزي في دورة انعقاده القادمة بعد ثلاثة أشهر، ويدعو المجلس المركزي اللجنة التنفيذية الى المصادقة على قانون التمثيل النسبي لإجراء انتخابات المجلس الوطني.

رابعا : التحضير لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني خلال العام القادم 2010، من أجل النهوض بمنظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل وتطوير مؤسساتها ودوائرها وتعزيز دورها، باعتبارها المرجعية، والممثل الشرعي الوحيد لشعبنا الفلسطيني.

خامسا : يؤكد المجلس اجراء الانتخابات للمجالس المحلية البلدية والقروية في مختلف مناطق السلطة الوطنية، وتصويب عمل المنظمات الشعبية والنقابية، وعقد المؤتمرات، واجراء الانتخابات الديمقراطية.

هذه هي روحية قرارات المجلس المركزي حينما كانت المؤسسات الفلسطينية تقوم بعملها وتحدد مهامها وتراقب أداء قياداتها، قبل أن تتجه نحو منحى التفرد والتسلط والهيمنة، ومن هنا وعلى هذه الخلفية تبرز عدم شرعية المس بحقوق أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، الدستورية والقانونية والمالية بما فيها الحصانة، فمصدر شرعية الرئيس وقراراته تعتمد على توافقها وانسجامها وتطابقها مع شرعية المجلس التشريعي واستمراريته، فكلاهما مكمل للأخر، ولا شرعية لأحدهما على حساب الأخر، ولا يحق لأحدهما المساس بحقوق الأخر.

المصالحة بين فتح وحماس ونجاح الحوار الثنائي بينهما تمهيداً للحوار الوطني الشامل يوم 21 تشرين ثاني 2017، يشكل الأرضية لعودة العمل للمؤسستين معاً : الرئاسة والمجلس التشريعي وبدونهما لن يكتمل المشهد السياسي الفلسطيني لمواجهة اجراءات العدو الاستعمارية بكافة أشكالها العدوانية، والتصدي لها واحباطها.

[email protected]

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.

2017-10-26