الإثنين 17/10/1444 هـ الموافق 08/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كلام في الإسلام السياسي (3)...كمال ازنيدر

الإسلام السياسي، تيار فكري سياسي ينبني على القرآن الكريم والشورى. المصدر الأول يرمز لإرادة الله عز وجل أو ما يصطلح عليه بالإرادة الربانية. والثاني يرمز لإرادة المواطنين أو بتعبير آخر "الإرادة الشعبية". القرآن الكريم، كلام الخالق جل وعلا، هو كتاب يبين للمسلمين ما تقتضي الحكمة تحريمه أو إباحته. هو مصدر ينظم بعض مظاهر الحياة ويترك البقية لحكم وتقدير المسلمين.

في حالة التواجد أمام مسألة لا تدخل في خانة المسائل التي عالجها القرآن الكريم بشكل صريح أو ضمني، ينصح هذا الكتاب المقدس باللجوء إلى تحكيم الشورى. الشورى إذن يمكن تعريفها كمجهود فكري جماعي يهدف إلى تبني موقف مشترك بخصوص موضوع سياسي، اجتماعي، اقتصادي أو غيره، لم تتم معالجته بشكل صريح أو ضمني في القرآن الكريم.

القرآن الكريم، المصدر الرئيسي للإسلام السياسي

القرآن الكريم هو كتاب الله عز وجل الذي يحتوي على شريعته. هو الرسالة الإلهية التي أنزلها الله على رسوله الكريم محمد إبن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) بواسطة ملاكه النبيل جبرائيل (عليه السلام). هذا الكتاب هو المصدر التشريعي الأساسي للقوانين والاحكام الإسلامية. هو بمثابة الإناء التي يحوي جميع القواعد المنصوص عليها من قبل الله "خالق الكون" لإدارة الأرض وتأطير العلاقات البشرية، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية.

القرآن الكريم هو ميزان الله عز وجل. هو الوحي الإلهي الذي يحتوي على كافة القوانين الإسلامية التي تحكم أمة الإسلام وتبين للناس ما عليهم اتباعه وما عليهم اجتنابه. قواعده تحدد ما للمرء من حرية وحقوق وما يجب أن يفرض عليه من قيود، تضمن وتحمي حريته الذاتية وممتلكاته الشخصية في الحدود التي لا تضر بالمصلحة الجماعية. القوانين المستنبطة من هذا الكتاب، قوانين مقدسة، خالدة، ثابتة وغير قابلة للتغيير، صالحة لكل زمان ومكان... بإلغائها أو رفضها جزئيا، يفقد النظام الصبغة الإسلامية ويصبح علمانيا أو شيئا آخر.

الشورى، المصدر الثاني للإسلام السياسي

الشورى، كمفهوم سياسي، فكرة تضع السلطة بين يد الشعب. المواطنون هم من يتخذون القرارات الكبرى ويحددون قوانين وسياسات عالمهم. هاته الفكرة تجعل من الشعب جوهر ومهندس نظامه السياسي. تعطيه الحق في رسم معالم النظام الذي سيحكم عالمه وتقرير إن كان سيكون كليا أو جزئيا مطابقا لما جاء به الإسلام أم لا. قرار الشعب، بمجرد أن يتم اتخاذه بناءا على رأي الغالبية، لا أحد يحق له الذهاب عكس اتجاهه ومخالفة الإرادة الشعبية. ليس من حق أحد أن يفرض على شعب قوانين وسياسات لا تتماشى مع خيار غالبية مكوناته.

الشعب حر في اختياره لنظام حكم عالمه. هو حر في اختياره للنموذج السياسي الذي يراه صالحا لتسيير أمور بلده. إذا قرر أن يكون هذا النموذج إسلاميا، فهذا حقه. وإذا اختار العكس، فهذا كذلك حقه. الشورى، باعتبارها ركيزة أساسية للإسلام السياسي، والدكتاتورية "متضادتان". النظام السياسي لكي نقول عنه "إسلامي"، قوانينه وسياساته ليس عليها فقط أن تكون مطابقة لما جاء به الإسلام بل عليها كذلك أن تكون مطابقة للرغبة الشعبية.

الإسلام، ديانة تستنكر وتحرم جميع أشكال الديكتاتورية والعبودية. الشعوب أحرار في اختياراتهم. لهم الحق في قبول الإسلام كنموذج سياسي كما لهم الحق في رفضه أو الاستلهام منه جزئيا. نصح الشعوب بتسيير عوالمهم وفق ما جاء به الدين الإسلامي أكيد فرض على كل مسلم، لكن مع مراعاة أنه يمنع منعا كليا إجبارهم على أسلمة مجتمعاتهم بالقوة. الإكراه الديني يتعارض مع روح وجوهر الديانة الإسلامية. الإسلام السياسي، تبنيه يجب أن يكون تعبيرا عن الإرادة الحرة للشعوب. هو لا قيمة له إلا إذا كان الهدف منه إرضاء الخالق عز وجل ونيل رضاه.

الإسلامي الحقيقي يحترم خيار الشعوب التي ترفض الإسلام السياسي. يحترم رفضهم للشريعة والمبادئ الإسلامية وتبنيهم لنماذج حكم غير إسلامية. هاته هي الروح السياسية الإسلامية. والعكس ديكتاتورية أو عبودية. هاته الأنظمة التي تفرض على المواطنين نماذج حكم سياسية تخالف رغبتهم الشعبية قد تكون أي شيء إلا أنظمة حكم إسلامية. هي في واقع الأمر عصابات إجرامية، أنظمة مافيوزية وديكتاتورية، لا تحمل من الإسلام السياسي سوى الإسم. هاته المنظومات تدعي خدمة الإسلام. لكن في الواقع هي لم تخدمه يوما. بل على العكس هي دمرت عالمه، جعلت منه عالما يعاني من التخلف والأزمات على جميع المستويات، وأساءت بهذا إلى سمعته وصورته الجميلة.

التيارات التي قد تنتج عن الشورى

مفهوم الشورى يجعل من الشعب سيد عالمه. الشعب هو من يحدد طبيعة القوانين المنظمة للحياة داخل بلده. التوجهات السياسية لعالمه، إختيارها مرتبط بشكل أساسي بإرادته الشعبية. هاته الإرادة، إختياراتها ليس لها لون قار. لونها يختلف من بلد لآخر. وحتى داخل نفس البلد فهي تتغير مع تغير الزمن وقد تنتقل من موقف معتدل إلى آخر متشدد أو موقف آخر معاكس له تماما من جيل لآخر.

بصفة عامة، هذه الإرادة الشعبية لا يمكن أن ينبثق عنها أكثر من ثلاثة أشكال كبرى من التيارات السياسية :

- تيارات سياسية ترفض الإسلام رفضا مطلقا ؛

- تيارات سياسية تطبق بعض التعاليم الإسلامية وتعرض عن البقية ؛

- تيارات سياسية تمتثل لكل ما جاء به الإسلام.

هاته التعاليم التي جاء بها الإسلام تنصح الشعوب بنموذج سياسي للشورى الإسلامية. هذا النموذج ينبني بالأساس على تعاليم ربانية مستوحاة من القرآن الكريم وأخرى بشرية تعبر عن إرادة مواطني العالم الإسلامي. هاته الأخيرة لكي يقال عنها إسلامية، عليها ألا تتخالف مع كتاب الله والحكمة. بذهابها عكس النصوص القرآنية ومقتضيات الحكمة، يتحول النظام من نظام حكم شورى إسلامية إلى نظام حكم شورى غير إسلامية. هذا النظام قد يدعي الانتماء للإسلام السياسي. هذا هو حال اليوم بعض الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي. لكن في واقع الأمر، قد يكون أي شيء إلا نموذج للإسلام السياسي. في الحقيقة، هو نظام غير إسلامي لا يحمل من الإسلام والإسلام السياسي سوى الإسم.

يتبع...

2017-11-01