الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
لماذا نكره بعضنا....نافذ سمان

هو عنوان مثير بلا شك ، و أيضاً هو مستفز لا شك ، و لن يعجب الكثيرين و خاصة الحالمين و أرباب النفاق الإجتماعي و المؤمنين بنظرية المؤامرة و هذا أيضاً لا شك به مطلقاً . إلا أنه سؤال مشروع و ليس من بنات أفكاري ، فقد طُرح السؤال منذ عام 2008 إلا أنه كان متوجهاً نحو جنسية عربيّة واحدة ، و أعني بها هنا أشقائنا المصريين .

الدكتور سعيد اللاوندي طرح سؤالاً مؤلماً حينها بعد أن لاحظ مدى الكراهية التي يكنها المصريون لبعضهم في بلاد الغربة .

و قد بدأ حينها الدكتور سعيد اللاوندي مقاله في المصري اليوم بمقولة شاعر النيل و أمير الشعراء الثاني حافظ ابراهيم ، حين قال:

المصري للمصري كطرفي المقص                              ما إن يلتقيا حتى يفترقا

هذا السؤال بمرارته لم يكن يعنيني حقيقة لا من قريب و لا حتى من بعيد ، فقد علمتنا الحرب السورية أن نحمد الله على القنبلة التي سقطت على بيت جيراننا و أفنته ، لأنها و بكل بساطة أخطأت بيتنا و منحتنا فرصة أخرى للعيش .

من هنا آلمني أن يُطرح هذا السؤال من جديد في ألمانيا ، و تحديداً في بدايات العام الماضي ، في عز طفرة تدفق لاجئي الشرق الأوسط على وسط و غرب أوربا ، حيث قرأتُ للصحفي الألمانيّ  GERARD DRIEHUIS تساؤلهWaarom slachten moslims elkaar af ?

لماذا يذبح المسلمون بعضهم ؟ و قد أرجع دريهوريس ذلك العنف و الكراهية إلى بقايا النزعة القبلية إضافة للصراعات الطائفية التي يعمل على تأجيجها رجال الدين منذ عقود قبل أن

يُصرّح بكل صفاقة أن الانسانية هي اكتشاف غربيّ قح .

هنا لا تملك سيئاً تدافع به عن قومك ، هل ستقول سامحوهم إنهم لا يفقهون ، أم نركن لمقولة هؤلاء لا يمثلون الاسلام ، تلك المقولة التي أصابها التلف من كثرة الاستخدام ، و مجّها قائلها قبل أن يمجّها سامعها .

منذ مدة أرسل لي أحد الأصدقاء كلاماً طُرح في أحد مخيمات استقبال اللاجئين في ألمانيا أيضاً ، استفزني الأمر و أنا أقرأ سؤالاً لم أكن أتوقعه ، لماذا يكره السوريون بعضهم بعضاً ؟

لستُ مُلماً باللغة الألمانية ، و لستُ من معجبيها بصراحة ، إلا أن الحمية قد استيقظت داخلي ، و بدأت أبحث في المواقع الألمانية عن ما أسماه صديقي ( توجهاً عاماً ) هناك .

لفتني بدايةً مقال للصحفي Roks Sander  يتحدث عن انذهاله بمدى الكراهية التي لمسها لدى القادمين الجدد .

هنا و كالعادة يُرجع صاحب المقال تلك الكراهية لأسباب دينيّة بحتة ، حيث ينظر القادمون الجدد لمستضيفيهم الألمان نظرة دونيّة شنيعة ، حيث يشبهونهم بالخنازير و يرون أن كل نسائهم عاهرات و رجالهم من النوع المخنث .

طبعا أعذر الأوربي الذي تفاجئه تلك النظرة و التي سرعان ما يستسهل و يلصق التهمة بالفروقات الدينية .

حيث ينبش المواطن الغربي كتب التراث الاسلامي و مقالات علماء الدين الاسلامي ليستشهد بمدى الكراهية التي يوزعها هؤلاء على الجميع ، مبررين ذلك بأن الدين الاسلامي هو دين استعلاء ، كما قال أبو الحسن الندوي في كتابه ( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ) حيث يكمل الندوي واصفاً العقيدة الاسلامية بأنها : تشعر المسلمين بالتبعة الملقاة على كواهلهم ، تبعة الوصاية على هذه البشرية ، تبعة القيادة في هذه الأرض للقطعان الضالة .

هذه النظرة للأسف لم تمت مع الندوي أو مع من تلاه من مُنظّري الاسلام السياسي ، بل هي نظرة تجذرت في مجتمعاتنا و نقلناها للأسف لمهجرنا هنا .

هنا طبعاً أحسد الغربيّ الذي وجد لنفسه سبباً يبرر له تلك الكراهية ، و أجلس متحسّراً على سوريّ هدمت الحرب بيته و أكلت رزقه و شرّدت أخوته و لحقت به الكراهية إلى مهجره ، و ممن ؟ من بني جلدته الأقربين .

لن أنكر هنا المؤثرات الخارجية التي دفعتنا إلى هذه الحالة المرضية ، و لن أنكر أننا بحاجة ماسة للإعتراف بأننا كلنا مصابين بنوع من البارانويا التي تمنعنا حتى من الاعتراف بذلك ، و لذا أتوقع هنا أن ينبري الحالمون و الطوباويون و محترفوا النفاق الإجتماعيّ لينفوا هذه التهمة ، و سيرددون كالعادة نظريات المؤامرة و شق الصف ، و سيطالبون بعدم نشر الغسيل الوسخ ، و سأستغل هنا الأمر و أسألهم و أسأل نفسي :

لم نقتل بعضنا داخل الوطن من سنين دون طائل ؟

لم نقتل بعضنا و نشمت ببعضنا و نفرح بمآسينا و نستغل بعضنا و نسرق بعضنا ، حتى في المناطق التي تحكمها سلطة واحدة أو فصيل واحد أو حتى لجنة أمنية واحدة ؟

لم يسطع نجم الفاسدين في مجتمعنا و كأنه نجم سماويّ و يُحارب كل صادق ناجح مبدع ؟

لم تسيطر المناطقية على تجمعاتنا في الغربة ؟ و نرمي بالكفر و العمالة كل من أراد لنفسه نجاحاً أو تميّزاً ؟

لم لا زلنا نمارس سياسة المماليك بخوزقة كل صاحب فكر أو اتجاه مُخالف ؟ لم نتهم الغرب بالعدائية و العنصرية و نحن نكره بعض و نحسد بعض و نتزلف للغربيين بشتم بعض ؟

كنتُ أبرّر سابقاً بعوامل القهر السياسي و الاجتماعي ، لكننا ما زلنا نستغل بعضنا في دمشق و حماه و ادلب و الساحل و الرقة و على امتداد الوطن .

نستغل بعضنا في أنطاكية و أضنة و أنقرة و استانبول . نكره بعضنا في القاهرة و الاسكندرية و الخليج .

في أوربا ندّعي أننا متحضرون و نخفي كرهنا للمجتمع الذي نتمنى أن يحتضننا و ننادي بعدم الاندماج به .

نقتل بعضنا منذ وفاة النبي و مقتل علي و أبنائه ، و نُسلّم مدننا للمغول و الصليبيين و لكل غزاة الأرض .

نُردّد منذ مئات السنين أشعار داحس و الغبراء ، و نعتبر الزير و الجساس من أبطالنا القوميين ، و هما من أوغل بدماء العرب و أطلق أهازيج انتصارتهما على جثث أبناء جلدتهما .

دعونا من النفاق الاجتماعي و لنتصارح ، نحن نحب بعض عندما نتواجه وجهاً لوجه فقط ، و نطلق خوازيقنا لتطال كل من يُدر ظهره لنا .

أعلم أنه من المؤلم أن تقرأوا هذا ، و و الله أن كتابته لم تكن أقلّ إيلاماً ، إلا أن تشخيص الحالة هو أول طرق علاجها .

سأترك لكم هنا مخططاً لما يمكن أن يكون سبباً لما نحن فيه ، و أقول بكل بساطة و الله لن ينقذنا مما نحن فيه إلا المحبة و لا شيء إلا المحبة .

2017-11-05