الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قراءة تقدية لرواية الرقص الوثني/إياد شماسنة ...بقلم الكاتبة والناقدة: د. سناء عز الدين عطاري

رواية "الرقص الوثني" هي الرواية الثانية للكاتب إياد شماسنة بعد رواية "امرأة اسمها العاصمة"، صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بعمان، وهي تقع في 327 صفحة  من القطع المتوسط.

الرواية مميزة، مشوقة، استخدم فيها الكاتب تقنيات سردية تخدم الفكرة الأساسية فيها وكذلك تساهم في توضيح ملامح ودور الشخصيات التي رسمها في الرواية، بما يساهم في تصاعد التشويق والمفاجأة.

على الغلاف يجذبنا عنوان الرواية الذي يثير الفضول لمعرفة هذا النوع من الرقص، وما المقصود به، وما علاقته بأحداث الرواية، ويبقى القارئ في حالة تشوق حتى يكتشف ذلك من تسلسل الأحداث والحوار.

وفي بداية الرواية تطالعنا أحداث سرقة الآثار والتجارة بها وهذه الأحداث كانت عتبة لدخول الأحداث الرئيسية في الرواية.

تطرق الكاتب في الرواية إلى مواضيع وقضايا جديدة في الأدب الفلسطيني، وطرح قضايا فكرية قد يخشى البعض الاقتراب منها، والكاتب لا يستخدم أسلوب التنظير السياسي والاجتماعي بل يحترم عقل القارئ وفكره؛ فيثير القضايا الجدلية ويترك له حرية التفكير واتخاذ المواقف؛ فالعمل الأدبي لا يكتمل إلا عند المتلقي ألا وهو القارئ؛ فيضفي على العمل الأدبي من فكره ومن إحساسه وتجربته.

وفي الرواية تكثيف في طرح القضايا السياسية والوطنية والاجتماعية والاقتصادية، تشبه الكثافة التي تملأ حياتنا اليومية ولا تترك لنا فرصة إرخاء أجفاننا للحظة.

لقد لمح الكاتب إلى العديد من القضايا والأحداث التاريخية، مثل تعاون جيش جنوب لبنان (انطوان لحد) مع حكومة الاحتلال؛ بيع العقارات في القدس؛ سرقة الآثار؛ العائلات المشتتة أو كما يسميها الكاتب (العائلات الملونة المتعددة الجنسيات) ما بين الهوية الزرقاء والهوية الخضراء. 

لا شك أن كتابة رواية كهذه تحتاج إلى قدر عالٍ من الثقافة والوعي بالإضافة إلى متابعة مجريات الأحداث اليومية، وهذا الأمر ليس بغريب على كاتبنا.

الحبكة الروائية قوية جداً، استطاع أن يتنقل بين الأحداث بسلاسة ورشاقة، ويغلب على الحبكة الطابع البوليسي الجنائي، مما يتناسب مع أحداث الرواية والجو العام لها.

الشخصيات الرئيسية في الرواية تتنوع بين الأمني والعسكري والمدني، البسيط والمعقد، الإسرائيلي والفلسطيني. المسلم واليهودي والمسيحي. ابن القدس وابن الضفة الغربية وغزة، وابن الأرض المحتلة عام ثمانية وأربعين، واستطاع الكاتب أن يمسك بخيوط شخصياته المتعددة بمهارة،  وهي شخصيات ذات أبعاد عميقة، مركبة وبعيدة عن السطحية.

وامتدت أحداث الرواية على مساحة واسعة من الأرض الفلسطينية وعبر مدة زمنية طويلة مع الإشارة إلى أن زمن الفعل الحقيقي هو بين عامي 2014 و 2015.

ويسخر إياد شماسنة الأسطورة لخدمة روايته، حيث استخدم (أسطورة فرانكشتاين) الشهيرة.  

ويجتهد بعض أبطال الرواية في البحث عن هويتهم الحقيقية في مجتمع يحاكم الإنسان بشدة ودون رحمة على جنسه وعرقه وهويته. وهنا كانت مفاجأة الكاتب في هذه الرواية حين استخدم تكنيك روائي ذكي بالربط بين روايته ورواية الرائع غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"، وهو بذلك إنما يعيد ربط وثاق الرواية الفلسطينية الحديثة بالتراث الأدبي لها.

2017-11-11