السبت 15/10/1444 هـ الموافق 06/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
السعودية وإيران والعداء القديم.. كيف أصبحت الأمور أكثر سوءاً فجأةً وهل نحن أمام حرب مباشرة بعيداً عن الوكلاء؟

وكالات:لسعودية وإيران، وهما جارتان قويتان، عالقتان في صراعٍ شرس من أجل الهيمنة الإقليمية. وقد تفاقم العداء المستمر منذ عقودٍ بينهما بسبب الخلافات الدينية؛ إذ تتبع كل واحدةٍ منهما مذهباً مختلفاً، فمعظم أهل إيران يدينون بالمذهب الشيعي، في حين تعتبر السعودية نفسها كقوة مسلمة سُنية رائدة.

وينعكس هذا الانشقاق الديني في الخريطة الأوسع للشرق الأوسط، إذ توجد دول أخرى تدين كذلك بالمذهب الشيعي وغيرها تدين بالمذهب السُّني، وتتجه الأولى إلى إيران للحصول على الدعم أو التوجيه، بينما تتجه الأخيرة إلى السعودية، وفي تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

وتاريخياً، ترى السعودية موطن مسقط رأس الإسلام نفسها زعيماً للعالم الإسلامي. ومع ذلك، تحدَّت الثورة الإسلامية الإيرانية ذلك في 1979، وخلقت شكلاً جديداً للدولة في المنطقة - دولةٌ دينية إلى حدٍّ ما - له هدفٌ صريح، وهو تصدير هذا النموذج إلى ما وراء حدودها.

وفي السنوات الـ15 الماضية على وجه الخصوص، زادت حدة الخلافات بين السعودية وإيران من خلال سلسلةٍ من الأحداث.

[sisi]

وأطاح الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بصدام حسين، الزعيم العربي السني الذي كان من أبرز خصوم إيران. وأدى ذلك إلى القضاء على قوة عسكرية مضادة للنفوذ الإيراني في العراق، والذي ظل يتصاعد منذ ذلك الحين.

وفي 2011، تسببت ثورات العالم العربي المختلفة في زعزعة الاستقرار السياسي في جميع أنحاء المنطقة. واستغلت كلٌ من إيران والسعودية هذه الاضطرابات لتوسيع نفوذهما، لاسيما في سوريا والبحرين واليمن، ما زاد من حدة الشكوك المتبادلة بينهما.

ويقول معارضو إيران إنَّها عازمة على ترسيخ نفوذها أو وكلائها فى أنحاء المنطقة، وتحقيق السيطرة على ممرٍ بري يمتد من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط.

 

كيف أصبحت الأمور أكثر سوءاً فجأةً؟

 

تزداد حدة التنافس الاستراتيجي بين الدولتين لأنَّ إيران تفوز من نواحٍ كثيرة في النزاع الإقليمي.

ففي سوريا، ساهم الدعم الإيرانى (والروسي) للرئيس بشار الأسد بشكلٍ كبير في هزيمة فصائل المعارضة التي تدعمها السعودية.

وتحاول السعودية بحرصٍ شديد أن تحتوي النفوذ الإيراني المتزايد، وتؤدي المغامرة العسكرية التي يقودها ولي العهد الأمير اليافع والمتهور محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد إلى تفاقم التوترات الإقليمية، بحسب تقرير بي بي سي.

يشن الأمير حرباً ضد المتمردين في اليمن، الدولة المجاورة للسعودية من جهة الجنوب، وذلك لوقف النفوذ الإيراني المُتصور هناك. لكن بعد ما يقرب 3 سنوات، أثبتت تلك المغامرة العسكرية أنَّها ستكلفه الكثير.

وفي الوقت ذاته في لبنان، يعتقد الكثير من المحللين أنَّ السعوديين مارسوا ضغوطاً على رئيس الوزراء للاستقالة من أجل زعزعة استقرار البلاد التي تقود فيها ميليشيا حزب الله المسلحة حليفة إيران تكتلاً سياسياً وتتحكم في قوة قتالية مسلحة ضخمة وثقيلة.

وهناك قوى خارجية تؤدي دوراً أيضاً في ذلك الصراع. فالخطوات السعودية الجريئة الأخيرة جاءت نتيجة دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في حين تدعم إسرائيل -التي ترى إيران تهديداً مميتاً بشكلٍ ما- الجهود السعودية لاحتواء إيران.

وتخشى إسرائيل اقتراب المقاتلين المؤيدين لإيران في سوريا من حدود الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل.

يُذكر أنَّ اسرائيل والسعودية كانتا الدولتين اللتين عارضتا بشدة الاتفاق الدولي عام 2015 لتقييد البرنامج النووي الإيراني، وأصرّتا على أنَّه لم يكن صارماً بما يكفي لحرمان إيران من أي فرصة لتطوير قنبلة نووية.

 

من هم حلفاؤهما الإقليميون؟

 

بصفةٍ عامة، الخريطة الاستراتيجية للشرق الأوسط تعكس الانقسام الشيعي السني.

في المخيم الموالي للسعودية، توجد القوى السنية الكبرى الأخرى في الخليج، وهي الإمارات، والكويت، والبحرين، فضلاً عن مصر والأردن.

وفي المخيم الإيراني توجد الحكومة السورية، التي تدعمها إيران بشدة، وتقوم ميليشيات شيعية موالية لإيران من ضمنها حزب الله اللبناني بدورٍ بارز في سوريا في محاربة فصائل المعارضة التي يتكون أغلبها من السنة.

والحكومة العراقية التي يُسيطر عليها الشيعة هي أيضاً حليفٌ وثيق لإيران، رغم أنَّها تحافظ أيضاً على علاقةٍ وثيقة مع واشنطن، التي تعتمد عليها للمساعدة في الصراع ضد ما يُسمى الدولة الإسلامية (داعش).

 

كيف يجري الصراع السعودي الإيراني؟

 

يُعد هذا الصراع من نواحٍ شتى مُعادلٌ إقليمي للحرب الباردة، التي تواجهت فيها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي في مواجهةٍ عسكرية متوترة لسنواتٍ عديدة.

ولا يتقاتل الطرفان بشكلٍ مباشر، لكنَّهما متورطان في عددٍ من حروب الوكالة في أنحاء المنطقة.

وتُعد سوريا مثالاً واضحاً على ذلك، واليمن كذلك حيث اتهمت السعودية إيران بتوفير الصواريخ الباليستية التي أطلقها على المملكة المتمردون الحوثيون الشيعة، وهي الواقعة التي زادت من حدة الحرب الكلامية بين البلدين.

ولكن بعد أن أصبحت منهمكةً في حرب اليمن، وهُزِمَت بشكلٍ أساسي في سوريا، يبدو أنَّ السعودية تنظر إلى لبنان على أنَّها ساحة المعركة التالية في حروب الوكالة.

وتُعد لبنان عرضةً لخطر السقوط في فوضى شبيهة بتلك التي في سوريا، لكن قلةً من المحللين ترى أنَّ المصالح السعودية تسود هناك.

فالصراع في لبنان يمكن أن يجذب إسرائيل بسهولة في مواجهة حزب الله، وهذا قد يؤدي إلى حربٍ إسرائيلية - لبنانية ثالثة أكثر تدميراً من أي مواجهةٍ سابقة.

ويتساءل بعض المتشائمين عما إذا كانت خطة ولي العهد السعودي هدفها إثارة حرب بين إسرائيل وحزب الله، ومن ثم توجيه ضربة قوية للجماعة بهذه الطريقة!

 

هل تتجه المنطقة نحو حربٍ مباشرة بين السعودية وإيران؟

 

حتى الآن، تواجه الطرفان عن طريق الوكلاء. كما أنَّ كلاهما غير مستعد لخوضِ حربٍ مباشرةٍ مع الآخر، إلا أنَّ هجوماً صاروخياً ناجحاً واحداً على العاصمة السعودية من اليمن قد يؤدي إلى تغيير الوضع الراهن وإثارة نزاعٍ مباشر بين البلدين.

ومن المناطق الواضحة التي يمكن أنَّ يقع فيها صراعٌ مباشر مياه الخليج، حيث تواجه الدولتان بعضها بعضاً عبر حدودٍ بحرية.

لكن أيضاً قد يؤدي القتال في تلك المنطقة إلى وقوع نزاع أوسع نطاقاً. فبالنسبة للولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، حرية الملاحة في الخليج تُعدُ أمراً ضرورياً، ويمكن لأي نزاعٍ يسعى إلى إغلاق الممر المائي -والذي يُعد ممراً حيوياً للنقل البحري الدولي ونقل النفط- أن يدفع القوات البحرية والجوية الأميركية إلى التدخل.

لفترةٍ طويلة، كانت تنظر الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إيران كقوةٍ مُزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. وترى القيادة السعودية بشكلٍ متزايد أنَّ إيران تُشكل تهديداً وجودياً، ويبدو أنَّ ولي العهد مُستعدٌ لاتخاذ أي إجراءٍ يراه ضرورياً، حيثما يراه ضرورياً، لمواجهة نفوذ طهران المتزايد.

ويكمن الخطر في أنَّ نشاط السعودية الجديد سرعان ما جعلها مصدراً آخر للتقلبات في المنطقة.

2017-11-18