الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مكاسب المصالحة الفلسطينية شملت الأطراف كافة - الحلقة الثانية....حمادة فراعنة

 

 على الرغم من كل الانتقادات التي وُجهت لنتائج الحوار الفلسطيني المحبطة، شعبياً وحزبياً، وخاصة لأهالي قطاع غزة المطحونين بكل أنواع الضيم والقهر والاستيلاب، سواء من قبل المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي خلف دمار ثلاثة حروب على القطاع، ويواصل همجيته المتوحشة في فرض الحصار الجائر، أو من قبل إرث حماس ونهجها التسلطي الأحادي لعشر سنوات عجاف، أو من قبل حركة فتح وعقوباتها الظالمة المجحفة بحق القطاع وموظفيه.

الإحباط سببه المباشر نتائج الإجتماع الفلسطيني يومي 21 و 22 تشرين الثاني 2017 في القاهرة؛ لأنه لم يحقق الهدف الوطني المطلوب، وهو الإنتقال من خطوات المصالحة الناجحة التي تحققت، بفعل استجابة حركة حماس لكل من المبادرة المصرية، وشروط الرئيس محمود عباس بحل اللجنة الإدارية الحمساوية التي كانت تحكم قطاع غزة يوم 17/9/2017، إلى تسليم الوزارات والمؤسسات والدوائر لحكومة رام الله يوم 2/10/2017، وتسليم معبر رفح يوم 1/11/2017، وهكذا سواء كانت هذه الخطوات كاملة أو منقوصة، فإنها تتطلب المزيد من الإجراءات، لا سيما وانها عكست الاستجابة الحمساوية لمتطلبات المصالحة، وعزمها إنهاء هذا الملف، وااإنتقال نحو العنوان الأكثر أهمية الذي يعكس تحقيق المصالحة وإنجازها، وهو الانتقال الى الشراكة الوطنية.

المشكلة التي سببت الإحباط، أن المصالحة لم تنعكس إيجابياً على فتح معبر رفح الذي استمر إغلاقه، ولم تتوقف عقوبات حكومة رام الله على أهالي القطاع، وهكذا بقيت العقبات معلقة وزادها تعقيداً قرارات حكومة رام الله بدعوة الموظفين المستنكفين منذ حزيران 2007، إلى إستلام وظائفهم، بدون أي إعتبار للموظفين العاملين الذين عينتهم حكومة حماس وما زالوا على رأس عملهم، مما خلف حالة من التصادم بين الفريقين، وأدى ذلك إلى تجميد القرارات بالإتجاهين، وتأجيل اللقاء الثنائي بين فتح وحماس، وتأجيل التمكين من الأول من كانون الأول 2017 إلى العاشر منه لإعطاء الفرصة والوقت لمعالجة المستجدات، بالرعاية المصرية التي أرسلت وفدها إلى غزة ليقف على حقائق الوضع، ويضع حلولاً عملية لمأزق المصالح المتعارضة بين الفصيلين : فتح وحماس.

ومع ذلك فقد أنجزت المصالحة الفلسطينية ما هو مطلوب منها، وحققت مكاسب سياسية وتنظيمية ومعنوية لكافة الأطراف المشاركة فيها والمستفيدة منها، وغدا الثاني عشر من تشرين الثاني 2017، وتوقيع بيان المصالحة بين فتح وحماس علناً برعاية مصرية، محطة يؤرخ لها، أنهت مرحلة الإنقسام والصدام الدموي والعبثي، الذي لم يخرج منه أحد رابحاً، لا حماس ولا فتح، لتبدأ مرحلة جديدة ما زالت متعثرة، نظراً لحجم الكوارث التي خلفتها مرحلة الإنقلاب والإنقسام والتفرد والهيمنة.

ومع ذلك ورغم كل الصعوبات التي تعترض فتح نوافذ الشراكة الوطنية فقد حققت المصالحة الوطنية مكاسب لمختلف الأطراف، وامتدت مكاسبها لتفرض مكسباً وطنياً لمجمل مكونات الشعب الفلسطيني، بإنهاء مظاهر الصدام الإنقسامي، والحدة في التعامل، ليتحول الخلاف الحزبي التنظيمي السياسي، إلى حالة من التعددية المطلوبة التي يعكسها المجتمع الفلسطيني التعددي من توجهات وطنية وقومية ويسارية ودينية، ستبقى ظاهرة مستديمة تقبل التعايش مع الأخر.

وثمة مظهر سياسي أخر لا يقل أهمية عن الأول، وهو أن إندماج حماس بالمؤسسة الفلسطينية سيخلق جبهة وطنية عريضة متماسكة، لها امتدادات فاعلة على المستوى العربي والإسلامي، بتغيير موقف حركة الإخوان المسلمين من الموقف المعادي والرافض لمنظمة التحرير وبرنامجها، إلى رافعة داعمة لها على المستوى القومي والإسلامي، وبذلك ستنهي حالة الاستنزاف الفلسطيني في مناهضة سياسات الإخوان المسليمن ليتحول هذا الجهد، وتوجيهاته، نحو مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ونفوذه الدولي، وذلك لكون الإخوان المسلمين أكبر وأقوى حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي.

لقد شكل اتفاق 12/10/2017، محطة انتقال من حالة إلى حالة، فقد أنهى مرحلة الانقلاب والحسم العسكري بتراجع حركة حماس عن قرارها وسلوكها ونهجها، الذي كان سائداً لمدة عشر سنوات من تسلطها الإنفرادي وهيمنتها الأحادية على قطاع غزة، واستعدادها العمل وقبول الشراكة الوطنية في إطار منظمة التحرير، كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وفي إطار سلطتها الوطنية، وبذلك تكون حماس قد حررت نفسها من أسر الأحادية والإنغلاق الذاتي، بعد فشلها الفاقع السياسي والإداري والوطني في إدارة قطاع غزة منفردة، فأزالت عن نفسها أعباء، وتحررت من مسؤوليات، وتخلصت من عدم القدرة على مواجهة الاحتلال وحدها، ورمت استحقاقات قطاع غزة واحتياجاته على حكومة رام الله، بعدما أخفقت في توفير مستلزماته بفعل الحصار وإدارتها الحزبية الضيقة، كما حررت المصالحة حركة حماس من صفة الانقلاب وااإنقسام، وباتت تملك حالة معنوية يُشار إليها، وهي رغبتها بالشراكة، والعمل على التوصل إلى القواسم المشتركة، وخيارها الإنخراط بالمؤسسة التمثيلية الموحدة : منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، وبذلك تخلصت من سلبيات وخسائر الماضي لتفتح لها أبواب الكسب السياسي المشروع.

مثلما حققت حركة فتح ربحاً سياسياً وتنظيمياً صافياً، بإستعادة قطاع غزة إلى حضن الشرعية التي تقودها، وهي عنوانها، وتم إستعادتها دون أن تدفع ثمناً للآن، وهي تتهرب من دفع الثمن، وهو إنجاز أخفقت في تحقيقه طوال العشر سنوات الماضية، وها هي حكومة رام الله التي تديرها حركة فتح وتلتزم بسياستها تعود لإدارة قطاع غزة كما تفعل مع الضفة الفلسطينية، بعد تخلي حركة حماس طواعية عن ذلك، مع فرق جوهري يتمثل بغياب قوات الإحتلال عن يوميات غزة، مما يفرض تحدياً على حركة فتح يقوم على نجاح إدارة القطاع على قاعدة الشراكة والجبهة الوطينة، وإبداع وسائل خلاقة؛ لجعل غزة نموذجاً في الشراكة والتعددية، بعدما أخفقت كل من حماس وفتح في جعل الشراكة عنواناً للقيادة الفلسطينية ومضمونها.

وحققت مصر مكاسب أمنية وسياسية في عملها المزدوج : الأول في التوصل إلى إتفاق المصالحة، والثاني في تسويق هذه المصالحة التي حظيت بالترحيب العربي والدولي، وقد بدأت مصر تسجيل أهداف الكسب حينما أنهت حالة القطيعة مع حركة حماس، ونقلها سياسياً وأمنياً وعملياً من موقع المهادن لفصائل الإرهاب الإسلامية التي تقاتل ضد الأمن المصري في سيناء، إلى موقع التعاون مع الأمن المصري ومساعدته على لجم امتدادات داعش والقاعدة وقطعها من وإلى قطاع غزة، وإجتثاث حواضنها من القطاع وتبنيها السياسة المعلنة في رفض داعش والقاعدة، والتباهي في وقوف قادة حماس علناً مع السياسة المصرية والحفاظ على أمنها إزاء ذلك، وقد خلق هذا التحول مزاجاً شعبياً فلسطينياً لدى أهل القطاع بالتعاطف مع سياسات القاهرة وتفهم الإجراءات المصرية الأمنية القاسية التي تمس أهل القطاع، وأن مصر لن تكون إلا كما كانت ملاذاً ورافعة شقيقة تؤدي دورها الوطني والقومي نحو فلسطين، رغم إشتراطات كامب ديفيد المجحفة، وحصيلة هذا التحول في العلاقة المصرية الحمساوية وإنعكاساتها على مجمل دورها الفلسطيني، أعاد للقاهرة جزءاً من حضورها القومي والإقليمي، كطرف قيادي تستحقه بعد أن فقدته خلال السنوات الماضية في مواجهة اللاعبين الإقليمين في المنطقة.

كما حققت الفصائل الأخرى مكاسب تنشيط دورها المعطل، بين فتح وحماس، وعودة حضورها، كطرف لا بد من مشاركته حتى تكتمل مقومات المشهد السياسي الفلسطيني، وبات لها رأياً يُسمع، ودوراً مقرراً إضافياً مساعداً لهذا الطرف أو ذاك، أو موقفاً ثالثاً باحثاً عن خيار توافقي بين طرفي الخلاف والإنقسام.

وأخيراً فقد حقق التيار السياسي الذي يقوده النائب محمد دحلان، وواصل طريقه في الحضور والتأثير بدءاً من تفاهمات القاهرة مع حركة حماس في دورتي الحوار الأول في 10 حزيران يونيو 2017، بينه وبين رئيس حركة حماس يحيى السنوار، والثاني يوم 10 أب أغسطس 2017 التي رسخت هذه التفاهمات، وتحولت إلى أرضية تم البناء عليها مصرياً وفلسطينياً لتشكل قاعدة وحافزاً للمصالحة الفتحاوية الحمساوية، كما أثبت النائب محمد دحلان وتياره تفانيه بقبوله الغياب عن طاولة المصالحة الفلسطينية، رغم حضوره في تفاصيل المشهد، بعد أن كان رافعة لجلب طرفي الصراع والخلاف عبر البوابة المصرية، بعد أن لعب دوراً في إقناع القاهرة في إزالة إعتراضاتها وعودتها لممارسة دورها مرة أخرى نحو احتضان الحوار، ومن ثم للمصالحة الفلسطينية.

لقد قدم محمد دحلان ويحيى السنوار وتفاهماتهما، نموذجاً للمصالحة القائمة على تجاوز وقائع الماضي المرير ومعالجتها بروح واقعية، واستبدالها بمتطلبات ضرورية، ووضع أسس جديدة للتعامل والشراكة واحترام التعددية، وعلى هذه الحصيلة من الفهم الوطني المتقدم، تم معالجة الأزمة المجتمعية التي خلفتها الصراعات الدامية وسقوط الضحايا وتعويض عائلاتهم وإنهاء قضايا 140 عائلة من أصل 400 عائلة متضررة حتى هذا الوقت.

والملفت في هذا المجال أن التفاهم والتعاون بين طرفي معادلة السنوار الدحلان، أنهما أقاما هذه العلاقة بدون أن تكون على حساب حركة فتح أو بديلاً عنها، بل إعتبرا عملهما تسهيلاً نحو إزالة العقبات التي تعترض الحوار بين حماس من طرف وفتح الأم التي يقودها الرئيس محمود عباس من طرف أخر، وجعلا هذه العلاقة أداة ضاغطة وحافزاً عملياً لإتفاق القاهرة بين فتح وحماس الموقع يوم 12/10/2017.

ويمكن الإستدلال على أهمية التفاهم السياسي بين التيار الذي يقوده النائب محمد دحلان وحركة حماس وحرصهما على الشرعية وإسنادها أنهما يملكان الأغلبية البرلمانية لدى المجلس التشريعي، ويملكان توفير النصاب المطلوب لعودة العمل بالمجلس التشريعي، ولكنهما عبرا عن إحترامهما للنظام الأساسي الذي يشترط دعوة رئيس السلطة الفلسطينية لعقد التشريعي، وبذلك يقدمان نموذجاً لوضع التفاهم والتراضي والمصالحة بديلاً لكسر الأيدي، وضرورة التوصل إلى إتفاق يفتح بوابات الشراكة الوطنية، وليس عقبات لتعطيلها، بل تتوسل تعزيز المصالحة الوطنية وتعميقها وزرع عوامل الثقة بها ونجاحها.

المصالحة الفلسطينية تحققت، ورسخت أقدامها؛ لأنها قامت على المصلحة والربح لكافة الأطراف العالقة بها، مهما بدا التباين والخلاف الموضوعي المرافق لها، فقد انتهت مرحلة ما قبلها من القطيعة والتصادم خلال عشر سنوات عجاف من التراجع الفلسطيني ونجاح تفوق العدو الإسرائيلي، وفتحت بوابات مرحلة الشراكة التي بدأت الاشتباكات التفاوضية من أجلها بدءاً من يوم 21/11/2017، وهي لن تتم بسهولة، وستقوم على ما حققته المصالحة من إنهاء حالة، تمهيداً لولادة حالة جديدة مبشرة، وهي ما تفعله الأطراف وما ستفعله خلال الأيام المقبلة، واللقاء في القاهرة هذه الأيام بين عزام الأحمد ويحيى السنوار لا بد وأن يسير بهذا الإتجاه.

والسؤال المرجح بعد إخفاق اجتماع القاهرة يوم 21/11/2017، من وضع التفاهمات والاتفاق الموقع وفق جدول أعمال متعدد العناوين، وفرض حركة فتح ليكون بنداً واحداً وهو التمكين، السؤال هو هل فشلت المصالحة ؟؟ هل سيعود الوضع الفلسطيني إلى ما كان عليه خلال سنوات الانقلاب والانقسام والتفرد من كليهما على المؤسسات والمواقع ؟ ذلك هو السؤال الذي يتطلع له الجميع ويحتاج لإجابة واقعية مقنعة.

[email protected]

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.

2017-12-04