الإثنين 17/10/1444 هـ الموافق 08/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المطلوب فلسطينيا لمواجهه الإدارة الامريكية !!!....رامي الغف

  قرار دونالد ترامب الأخير بإعلان القدس عاصمة اسرائيل ونقل سفارة بلاده على اراضيها، قد أشعل نيران الغضب والكراهية للولايات المتحدة في المنطقة والعالم الإسلامي والدولي، فهذا الرئيس قد أفقد بلاده دورها الإنساني والأخلاقي والقيمي، قبل أن يفقدها دورها السياسي في معالجة أزمات المنطقة وإطفائها. إن الأمر الذي يثير للسخرية حقا أن الرئيس الأمريكي ترامب يحاول أن يلائم خططه وسياساته الخاطئة في منطقة الشرق الأوسط عامة وعلى المنطقة الفلسطينية على وجه الخصوص على معايير فهم القيادات الإسرائيلية وتصوراتها لحسم الصراع، ولهذا يمكننا القول أن هذا الترامب الأرعن لن يجبر أو سيؤثر على القيادة الإسرائيلية مطلقا أيا كان لونها الحزبي على دفع إستحقاقات السلام العادل والشامل في المنطقة، متلهيا بأرجوحة ما يسميه مكافحة الإرهاب وذلك بصورة مقصودة للقفز عن المحرك الأساسي لكل أعمال العنف في منطقة الشرق الأوسط وهو الكيان الإسرائيلي بالتحديد. إن حقيقة الصراع المحتدم حاليا مع الإدارة الامريكية والكيان الصهيوني هو ما يتركز حول محاولتهم كسر السقف السياسي الفلسطيني ليقع هذا السقف في شباك الحلول المرحلية الطويلة الامد، والتي تنطوي في حقيقة الأمر على شطب بعض القضايا الأخرى، وهو الأمر الذي رفضه الشعب الفلسطيني سواء بالصورة التي وردت لدى شارون وأولمرت أو بالصورة الاكثر سوءا وسوداوية والتي ترد الآن في تصورات نتياهو. ولقد أظهرت القيادة الفلسطينية ثباتا حازما للحقوق الوطنية المقدسة التي تهمه، وما زال الموقف مستمر في ثباتهم في أحلك الظروف وأصعبها، لأن المطلوب يخترق الحد الأدنى للحقوق الوطنية الفلسطينية. فإذا كان ترامب ونتنياهو يدركون انهم يجازفون بهذا الإحتمال ويستعدون له، فإنهم بذلك يكررون عمى الألوان لكل الذين راهنوا على ركود اللحظة أو صبر الإنتظار. فإن أي إنفجار قادم سيكون أكثر قسوة وصعوبة من كل ما سبقه، وسوف يترك أثاره بأطول أمد من كل ما سبقه، لذلك فإن الرهان من منطلق ومنظور تفوق القوة العسكرية الامريكية والصهيونية هو كعب أخيل لكل الغزاة والمحتلين. إن أمريكا وإسرائيل وحكوماتهم ما زالوا مستغرقين في عالم الوهم الصهيوني، فشعب فلسطين ليس مجموعات سكانية هامشية يمكن مسحها أو سحقها عن الخارطة الجيوسياسية، برغبة من تجار وسماسره ومقاولين حروب مغرورين، امثال ترامب وبنس وهايلي وليبرمان وبينت ونتياهو واشكنازي، وأن في فلسطين المحتلة شعبا قويا وطنيا متوقدا يعشق وطنه، لا يكل أو يمل ولا يتوانى عن تقديم روحه من أجل تحقيق اهدافه المشروعة الوطنية، ورغم أن المعركة مع ترامب وبيبي نتنياهو حبيسه دائرة الوهم الصهيوني التي ترمي إلى تركيع الشعب الفلسطيني ومصادرة حقهم التاريخي ما زالت طويلة، فإن التاريخ سيثبت أن الكفاح الفلسطيني المرير ضد أقذر إحتلال عرفته البشرية لم يذهب ولن يذهب هدرا، وإن النظرية السوداوية العقيمة التي يتبناها كل من ترامب ونتنياهو غير موجودة إلا على صفحات كتب الأساطير اليهودية التي إندثرت منذ آلاف السنين في هوة الماضي السحيق. إن ما يجري الآن داخل الكيان الصهيوني حاليا مثير للقلق حول مستقبل المنطقة برمتها لأن هذا الكيان المارق المحتل يعيش في هذه الأيام حالة طوارئ أمنية قصوى على إمتداد تسعه وستون عاما مضت وهو حتى الآن بلا حدود معلنة ولا هوية ولا مبادئ ثابتة، وهذا يدلل على عدم وصول الزعامات الصهيونية إلى مرحلة الإدراك والفهم السياسي الحقيقى. هذه النتيجة ليست إلا المقدمة التي أعدها كل من ترامب ونتنياهو ليجهزوا على ما تبقى من قيمة معنوية لعملية السلام، وهنا يبدو مخططهم الشيطاني العدواني اكثر وضوحا يستهدفقلب الطاولة وإستبدال شعار الأرض مقابل السلام بالأمن مقابل السلام. إذا فالخطر يتصاعد في ظل إغلاق الأمريكان والإسرائيليين بوابة الأمل بتنكرهم الواضح لكل الحقوق الفلسطينية، وإن مرحلة تحقيق الإستحقاقات المقدسة لدى الشعب الفلسطيني، تعتبر من أدق وأخطر المراحل فمن الواجب في مثل هذه الحالة التحلى بالصبر وسبرغور ما يجري من حولنا، خاصة وأن العالم أصبح الآن في مهب الرياح الأمريكية والتي تتغير فيه الأشياء تغير الرمال في الصحراء، فلا ثوابت إلا المتغير، الامر الذي يستدعي منا المرونة وسرعة الحركة، ليس على الصعيد التفاوضي إذا حصلت، بل على صعيد ترتيب أولوياتنا ومواصلة المواجهة الدبلوماسية على كافة الساحات والميادين، مع الأخذ بنفس الوقت بعين الإعتبار متطلبات واقع شعبنا المعيشي والإقتصادي. لذلك يجب أن ندرك المخاطر بدقة شديدة، وأن نواجه ذلك بصلابة وثبات وعزيمة لا تلين، لأن اذا كان الخيار امامنا، اما الإنتهاء بالإستشهاد او الإنتهاء بالسقوط السياسي، فيجب أن يكون واضحا وجليا إننا سنختار الشهادة بكل أباء وإيمان، لأن الحرية والكرامة والإستقلال لهم ثمن واحد هو التضحية والإيمان بالهدف والتصميم والثبات. إننا نواجه وضعا معقدا وشائكا يحاول كل من ترامب ونتنياهو من خلاله أن يضعونا أمام أحد أمرين: إما السقوط في مستنقع الحرب الاهلية والإقتتال الفلسطيني الفلسطيني من جديد وخاصة في الضفة الغربية، واما خسارة الوضع الدولي والوقوع في العزلة الدولية، وذلك من خلال تمرير متطلبات تحمل بذرة التخريب والتعجيز والترهيب والخداع في داخلها. وبدون أدنى ريب أو شك فإن الخيار الأول هو خيار قاتل، ويصب في كسر موازين القوة للشعب الفلسطيني، بل والأبعد من ذلك سوف يصب في خيار الترحيل والهجرة الجماعية التي يتطلع إليها قادة العدو الإسرائيلي من خلال توفير مقوماتها ودوافعها. وكذلك فإن الخيار الثاني هو خيار قاتل أيضا من خلال فرض العزلة والطوق الدولي وهو الأمر الذي يظهر بعض ملامحة عندما نجد الصمت يلف العالم كله اذا اغلقت مفاتيح الإدارة الامريكية بهذا الخصوص. إذا يجب أن ينصب النضال الآن على عدم الوقوع في الخيار الأول أو الخيار الثاني، وهو ما يتطلب أن نسير على خط توازن دقيق وصعب يتطلب منا أحيانا المحافظة على أعلى درجات التفاهم الفلسطيني الفلسطيني، وفي الأحيان الأخرى على نوع من أنواع الإستجابه لبعض الإستحقاقات لتجنب العزلة أو التعارض مع العالم. إن نتياهو بإجراءاته يحاول أن يجعل هذا الخيار مستحيلا ويصعبه في كل إجراء، بهدف الوقوع في الخلل والسقوط بالتالي في إحدى الجريرتين، ويساعده في ذلك الموقف الأمريكي المنحاز الذي يعطية الفرصة والمساعدة، ويتجه بالضغط نحو الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية ضمن عملية مفتوحة لإحتمالين. الأول: إجبار الشعب الفلسطيني على التنازل عن سقفة السياسي الأخير، وهو ما يعني الوقوع في الهاوية. والثاني: إضعاف قوى وأركان القيادة الفلسطينية لتصبح آيلة للسقوط بمعادلة ممكنة أو سهلة. وتنطلق هذه المحاولة من صلف القوة والتفرد، وخاصة في ظل العلاقات الدولية الجديدة وانهيار اغلب النظم العربية السريعة والسهلة، وطغيان الإعتبارات والمصالح المتعلقة بوضعية ودور اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. إذن إن الولايات المتحدة تفتح الباب على مصراعيه، وبالمقابل فإننا أيضا نبذل كل المجهودات ولكن على قاعدة واحدة الجاهزيه القصوى لمواجهة قدرنا، وسلاحنا الأساسي هو تصميم الشعب الفلسطيني واستعصاء الرقم الفلسطيني الصعب، وإنه لا فارق في نهاية الأمر بين نهاية ونهاية الا بالكرامة والإباء والشموخ والفداء.

ما من شك أن من واجبنا أن نقيم الظروف جيدا، وأن ندرك المخاطر جيدا، وهو الأمر الذي يتطلب امانة المراجعة لما هو سلبي، والإستمرار فيما هو إيجابي. ومن البداية يجب أن ندرك ونؤكد على ما يلي:

اولا: ان خط الانتفاضة الباسلة والمقاومة المشروعة للإحتلال هو الخط الأساسي لصمود ووحدة الشعب الفلسطيني.

ثانيا: ان تنقيه هذا الخط من الشوائب في التفاصيل هنا وهناك، ومن سلبيات في الأداء هنا وهناك وهو أمر أساسي.

ثالثا: يجب ان نلتزم بقيمنا النضالية من ناحية، وبضبط الأداء والتكامل من الناحية الأخرى، بكل معانيها، لأن القيم النضالية الإنسانية هي من خصائص النضال العادل، ولأن ضبط الأداء من مستلزمات خوض الصراعات. فلا يجوز أن تتعارض المجهودات، فيجب أن تصب جميعها في اللحظة المطلوبة في قناه التوجة المطلوب، وإلا فإن تعارض المجهودات يؤدي إلى تدمير إمكانيات الإنجاز أو الحصاد ويرتد بالنتائج السلبية. وعلى الجميع أن يدرك أن أوراق قوتنا الأساسية ما زالت بأيدينا وأن الشعب الفلسطيني غير قابل للخضوع أو الإنحناء أو الإستسلام، وأن الحرب النفسية ومحاولات الترهيب والترغيب والتدمير المعنوي وترهات بعض الطروحات في مزادات التخبط السياسي والإشاعه والتخويف، هي زبد سيذهب جفاء، وهي اعراض سيغمرها بحر الرسوخ الفلسطيني.

اذن علينا أن نجيد إكتشاف الخط الدقيق بين إعتبارات متناقضة وبين نزعات خاطئة، سواء ذات اليمين أو ذات الشمال، وأن تستمر في الصمود وفي رسوخ الإرداة والتصميم، وأن ندرك إنه كلما أقترب الفجر إحتدم الصراع. وعلى الجميع ان يدركوا ان قضية فلسطين والشعب الفلسطيني لا تنتهي إلا بالعدل، وان العدل وحدة هو الأساس للسلام والإستقرار والأمن. أخر الكلام: يجب أن يدرك الجميع وفي مقدمتهم الإدارة الامريكية والكيان الصهيوني إنه وفقا لحرية وحقوق وكرامة الفلسطيني يتقرر السلم واللاسلم، الحرب أو اللاحرب، إكتمال المعادلة الأقليمية أو عدم إكتمالها.

*إعلامي وباحث سياسي

2017-12-24